الصباح العربي
السبت، 20 أبريل 2024 03:49 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

يوسف القعيد يكتب: ماذا بعد؟!

الصباح العربي

مرة فى الواحات وأخرى فى سيناء. لا يبحث الإنسان عن عنوان ولا سياق لكى يكتب. إنها الحرب تفرض علينا ظروف الحرب وتضعنا فى موقف استثنائي، وما يقوم به المتطرفون عمل استثنائى يخرج على العرف والتقاليد. ولا بد أن يكون الرد استثنائياً. وبنفس القدر والاتجاه. علينا أن نتأكد أن الحلول الوسطى لن تقدم أملاً ولا عملاً، وإن أى موقف يراعى أى أمور خارج مصالح الوطن العليا يجب ألا نفكر فيه. 

بعد الحادث بدأت عمليات الشجب والإدانة من دول العالم وراء بعضها. مما يعطى الإنسان الإحساس بأن هناك من يشاركه ما جري. لكن المشاركة بالكلام والبيانات لا قيمة لها. نشكر من يشجب ومن يدين، لكن الشجب والإدانة يمكن أن يشكل الحد الأدنى من المشاركة، لكن لا بد من شراكة أخري، فنحن نعيش فى عالم واحد. ولا بد أن يدرك العالم أن مصر تخوض هذه المعركة دفاعاً عن نفسها وأهلها وأرضها وناسها وحريتها. لكنها أيضاً وقبل كل هذا وبعده تحارب دفاعاً عن عالم اليوم، فالتهديد المتطرف الذى يأخذ من الدين ستاراً له لن يبقى على ظهر الكرة الأرضية من يمكن استثناؤه من الحرب. 

الشهداء قتلوا وهم يصلون صلاة الجمعة. الفريضة التى يحرص عليها كل المسلمين. نقول عنهم إنهم بين أيدى الله. ومع هذا لم تشفع لهم لحظة الصلاة وقتلوا غدراً وخيانة وهم يؤدون فريضة الصلاة التى يقوم بها المسلمون منذ نزول الإسلام وحتى هذه اللحظة وهم فى أمان. لأن من يقف بين يدى الله يجد الحماية التامة من أى عدوان. 

حتى فى حالات الحروب فإن من يمارس شعائر دينه يراعى الخصم حالته ولا يقترب منه، وربما ينتظره حتى ينتهي. رغم أن الحرب فعل شديد القسوة، لكن يكون هناك إحساس غير متفق عليه وليس مكتوباً. أن من يقوم بشعائر دينه لا بد أن يمنح الفرصة لكى تتم وهو آمن، يشعر بالأمان، ولا يتهدده أى خطر، لأنه يقوم بأقدس ما يمكن القيام به فى حياته كلها، سواء كان مسلماً أم مسيحياً أو يهودياً. 

إن عجوزا مثلى عاصر حروب 56، 67، 73، ما زال يذكر توحد المصريين عندما يصبحون على قلب رجل واحد، لا يفرق بينهم أى شيء. يصبح الوطن الهدف الأول والأخير. 

المستهدفون من العملية من المدنيين، الناس العاديين الذين يعيشون حياتهم العادية لا توجد معهم أسلحة، ولا ينتمون لأى قوات تدافع عن الوطن دفاعا شرعيا ومشروعا ضد الهجمات الشرسة. صحيح أن كل المصريين ضد هؤلاء القتلة بصرف النظر عن الموقف والخريطة والعمل والدور. لكنها المرة الأولى التى يتوجه القتلة إلى مدنيين يصلون. 

القرية التى استهدفت مكان للطريقة الصوفية الجريرية، والقرية رفضت أن تكون قاعدة لبعض الإرهابيين، وأن تنطلق منها أى عمليات إرهابية، ونحن نعرف ولسنا فى حاجة أن نكرر الخلافات بين من يحملون السلاح وبين كل متصوف. وهو خلاف قديم، ويبدو أن اختيار القرية ليس صدفة، ولكنه مقصود. 

قبل استهداف المسجد استهدفت الكنائس والأديرة، سواء فى الصعيد أو الصحاري، وكان رد فعل القيادة المصرية ضد العمليات ينطلق من أن المصرى هو المصري، مسلماً كان أم مسيحياً، الدم واحد والوطن واحد والمصير واحد. وها هم الآن مثلما قتلوا الأشقاء المسيحيين وهم يؤدون صلواتهم. إذ بهم يقتلون المسلمين وهم يصلون. 

العملية تؤكد أن القتلة ما زالوا يتلقون الدعم من الخارج، وأن الدعم لم يتم إعادة النظر فيه، ولا محاولة وقفه، وأن من يمدونهم بالدعم مستمرون، ولا بد من محاولة معرفتهم وكشفهم للرأى العام، وإحكام قبضة الدولة والمجتمع على الطرق التى يصل منها الدعم للقتلة. 

إنهم يحاربون الله ورسوله، لأنهم يقتلون المسلمين المؤمنين وهم يؤدون فريضة الصلاة. لم ينتظروهم حتى ينتهوا من الصلاة ويخرجوا من المسجد، ثم إن المسجد لكل مسلم مكان مقدس، حتى عندما تكون هناك خلافات تصل لحدود طلب الثأر ويحمل البعض السلاح للبعض الآخر، فإن من يدخل المسجد بيت الله فهو آمن. كانوا يصلون فى بيت الله، وكانوا بين يدى الله، ومع هذا لم يشفع لهم الأمر. 

إنهم يهددون قيمة الحياة التى لا يملك أحد أن يهددها. فإنهاء الحياة - أياً كانت الطريقة التى يموت بها الإنسان - بيد الله سبحانه وتعالي، وهؤلاء بما يقومون به من أعمال اليأس يحاولون أن يمنحوا أنفسهم حقوقاً اختص الله نفسه بها. 

وهذا يحرمهم - من الآن وإلى الأبد - من أن يتصرفوا باعتبارهم ينطلقون من الدين، أى دين يبرر قتل مسلم يصلي؟ أى دين يبرر قتل مسيحى يتعبد؟ أى دين يعطى حامل السلاح الفرصة لكى يقترب من دار عبادة يمارسون فيها عبادة الله. 

لا بد من استراتيجية جديدة لمواجهة الموقف. لا يكفى أن نكتفى بردود الأفعال، يجب ألا ننتظر حتى تحدث واقعة جديدة، ثم نبدأ فى دراسة الموقف ونقدم كثيرا من الأمور التى تندرج تحت رد الفعل. فكل علماء استراتيجيات الحروب يقولون إن المبادأة نصف الطريق إلى النصر، وأن الاكتفاء بأن تنتظر الضربة ثم ترد عليها لا يضمن لك النصر فى كثير من الأحيان. 

والآن ماذا نحن فاعلون، لا مفر من توحد كل المصريين حول وخلف ومع الرئيس عبد الفتاح السيسي. ليس مهماً موقع المصرى ولا عمله ولا ثقافته ولا وضعه الاجتماعي، يكفى أنه مصري. التاريخ يطل علينا عبر القرون لينادينا بالعبارة التى نادى بها التاريخ أهل مصر: عندما يصير الكل فى واحد. 

لا بد من ثقافة الحرب، صحافة الحرب، إعلام الحرب، تربية الحرب، لا بد أن نعيش واقع يحارب معركة المصير، وأن نكون جزءاً منه، وأن يقدم كل منا أقصى ما يمكن أن نقدمه. 

لقد حانت ساعة مصر. 

ساعة حقيقتها الوحيدة: مصر. 

قال كعب الأحبار: من أراد بمصر سوءاً قصمه الله. 

وصفها الرحَّالة: أم الدنيا. 

نقلا عن صحيفة الأهرام

يوسف القعيد يكتب  ماذا بعد؟! الكنائس المساجد

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq