تحقيقات وتقارير

بعد الإعلان عن نقل سفارة واشنطن للقدس..

الشعوب العربية تنتفض.. وعد ترامب يزفّ العروس إلى مغتصبها

تعبيرية
تعبيرية

لم تعاصر الأجيال العربية اللحظة الأليمة من إصدار وعد "بلفور" في الثاني من نوفمبر من العام 1917، عندما قدّم آرثر جيمس بلفور، رسالة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أشار فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لكن الوطن العربي واجه وعدًا جديدًا بل تم توقيعه على الورق على مرأى من العالم بأسره، عندما وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزفّ العروس "القدس" إلى مغتصبيها.

و على إثر إعلان ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس بدلًا من تل أبيب، ليكون الاعتراف الرسمي منه بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، ضاربًا كل القرارات الأممية التي لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، و السعي المتواصل إلى نصرة عملية السلام عرض الحائط، كان الموقف الشعبي العربي، الذي زلزل أنحاء العالم، حيث توّحدت الشعوب العربية كل من مكانه، مسالم، يرفع صوته، يدافع أن حق تاريخي يعود إلى دولة فلسطين، محبة في القدس، التي طالما احتضنت أبناء الديانات السماوية الثلاث.

تظاهرات الشعوب العربية والعالمية

فقد شهدت مدن فلسطينية مختلفة مظاهرات غاضبة احتجاجًا على القرار، فيما قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والقنابل على المتظاهرين في القدس.

و في بيت لحم، فإن المكان الطاهر الذي شهد مولد المسيح "عيسي ابن مريم العذراء" لم يكل من الدفاع عن عروبة القدس، و كونها عاصمة أبدية لدولة فلسطين، بداية من إطفاء أونر شجرة الميلاد، و التي بالأمس القريب كانت قد بعثت إيذانًا ببدء الاحتفالات بالأعياد، ليقضي القرار الغاشم على الفرحة، لتتصدر أراضيها مشاهد المتظاهرين.

كما عمت المظاهرات مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من برج البراجنة، إلى نهر البرد وعين الحلوة، ومن مخيم البداوي لتهتف بأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية.

و احتشد الآلاف من الشعب التركي أمام ساحة مسجد السلطان محمد الفاتح بمدينة إسطنبول رفضًا للقرار الأمريكي، و من العاصمة العراقية "بغداد"، بينما هتف المتظاهرون في تونس، و في مصر، إندونسيا، ماليزيا، لندن، و باكستان مؤكدين أن القدس تنتمي إلى الشعب الفلسطيني.

أما الشعب اليمني و الذي يعاني في ظل التحديات التي يمر بها، و مع إصابة أكثر كم مليون شخص بمرض الكوليرا، و غلق أكثر من نصف مستشفياتهم، بينما تعتبر اليمن مهددة بالمجاعة، فإنه خرج بكبرياء العروبة متظاهرًا من أجل القدس، مؤيدًا عروبتها، وأحقية أخيه الشعب الفلسطيني بها.

و في لبنان، فقد تضامن السراي الحكومي و مسجد محمد الأمين مع المسجد الأقصى، و كنيسة القيامة، بينما تم إضاءة صخرة الروشة بعلم فلسطين بدعوى من رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.

و من جانبها، فقد أكد الملكة رانيا العبدالله، أن الوقفة الاحتجاجية التي أقيمت بالمملكة الأردنية تدل على علاقة الأجيال بالقضية الفلسطينية، فيما قال العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين إن: "الأردنيين هم على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم، و تآخ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا و رقيه، و هو مصدر فخر لي ولكل عربي".

و في الكويت، و من ساحة الإرادة، قام الشعب الكويتي بالاحتشاد منايدًا بعروبة القدس، و أحقية الشعب الفلسطيني بها.

كما وجهت الجالية الإسلامية بسياتل دعوة للعرب، للتظاهر على مدار يومى السبت والأحد، ليؤكد الدكتور رأفت رشوان، نائب رئيس المركز الإسلامى والمقيم بسياتل منذ ٢٩ عامًا، أنه تم الحصول على التصريح الخاص بالتظاهر فى وسط البلد والذى سيشارك فيه العديد من الجنسيات، خاصة أن واشنطن لم تكن من مؤيدي "ترامب".

تصريحات نارية في مجلس الأمن

و في مجلس الأمن الدولي، فقد أعلن كل من المندوب البريطاني، الفرنسي، الإيطالي، و ممثل الأوروغواي عن رفضهم قرار ترامب، مفيدين بأنه لن يتم نقل سفارة بلادهم إلى القدس، أما ممثل بوليفيا فقد أعلم قائلًا: إن إسرائيل دولة احتلال و تمارس سياستها التوسعية من خلال المستوطنات غير الشرعية.

موقف نجوم الفن والمشاهير

و على مواقع التواصل الاجتماعي حرص نجوم الفن على توجيه رسائل الدعم، بداية بفارس الأغنية عاصي الحلاني حيث كتب: "القدس عربية، تحرسها نفوس المحبين المتضرعين في كنيسة المهد والمسجد الأقصى وستبقى قلب الوطن العربي ولن يغيرها احد. القدس عاصمة فلسطين الأبدية".

أمّا الفنان راغب علامة  فغرّد "ستبقى القدس عاصمة فلسطين، شاء من شاء وأبى من أبى".

و كتبت الفنانة كارول سماحة: "لا يمكنك أن تغيّر التاريخ، ولا يمكنك أن تعطي ما لا تملك، إنها تنتمي لفلسطين وستبقى دائما عاصمتها".

ونشرت إليسا: "لأجلك يا مدينة الصلاة اصلي لاجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن يا قدس يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي".

أما شيرين عبد الوهاب فقد شاركت أغنية "بلادي بلادي"، معلقة: "قلوبنا و روحنا فداكي يا قدس"، و من جهته، فقد نشر الشاعر أمير طعيمة رائعة فيروز "زهرة المدائن"، معلقًا بكلماتها.

و نشرت نجوى كرم: " مسكين باب القدس مَرْصود عالأرواح مضَيِّعْ المفتاح.. وبْدَمّ العَربْ مرتاح .. ما رَحْ نرضى بهالمشروع.. ولا منقايِضْ عالموضوع.. ممنوع يتخطّوا الممنوع.. بحقّ النَّبي وحقّ المسيح.. يا عالم ما رَحْ نِسْتريح.. حتى نصَلّي بالأقصى.. ويعود المسيح"

و قام الشاعر نزار فرانسيس بنشر تغريدة جاء فيها: "شكرا ترامب لأنها أتت منك.. فكم كنا بحاجة لهذه الصفعة.. حتى نستفيق من غيبوبتنا".

و شارك الفائز بلقب الموسم الرابع لبرنامج اكتشاف المواهب ArabIdol، و ابن بيت لحم الفلسطيني "يعقوب شاهين" مقطعًا بصوته لأغنية "بكتب اسمك يا بلادي"، فيما قال الفلسطيني ليث أبو جودة: "صحيح حب فلسطين ما بيأكل عيش، لكن بيشبع كرامة"، موجهًا تحية لكل الشعوب العربية التي ناصرت القضية.

و نشر مواطنه أمير دندن: "يا قدس.. يا مدينتي، يا قدس.. يا حبيبتي غداً.. غداً.. سيزهر الليمون وتفرح السنابل الخضراء والغصون وتضحك العيون ويلتقي الاباء والبنون ويرجع الاطفال يلعبون يا بلد السلام والزيتون".

فيما كتبت الفنانة دلال أبو آمنة: ""يتبدل الحكام والغاصبون وتبقى القدس لأبنائها البارين أبد الدهر!".

وقالت ريم بنا: "لا أعترف إلا بورد الدار الصامد في الأرض ...لا عواصف تهزّه ولا الكلام .. لا التصريحات ولا الاتفاقيات تعنيه ولا ترامب ولا أمريكا ولا مناضلي التواصل الافتراضي ..أعرف أن الريح كفيلة بكنس الشوائب والتفاصيل الزائدة ..إن الورد لا يعترف بالدول ولا بالجغرافيا ولا بالسياسة .. بل يعرف قلب غارسه ".

و كتب محبوب العرب الفلسطيني "محمد عساف": " القدس  مدينتنا في بلادنا فلسطين .. كلها لنا.. فليعلنوا كما يشاؤون... فالبيوت و التاريخ و الزيتون و الاغاني والشعر و الزيت و الخبز و ضحكات الأطفال و ابتسامات النساء و أماني الرجال و أهازيج الأعراس و الصلوات و التراتيل تحكي عن القدس عروس البلاد."، مضيفًا: " لماذا نحب القدس؟ لأنها مدينة اختصرت كل الجمال في صمود  أهلها، في جدرانها و بيوتها، في مآذنها و صوامعها. و أنت تمشي في أزقة المدينة القديمة، كأن حجارتها و دروبها تبعث لك السلام و التحية.. هي عاصمتنا .. و ليعلنوا ما يشاؤون".

كما شاركت عارضة الأزياء العالمية من أصل فلسطيني "بيلا حديد" في التظاهرات التي شهدتها العاصمة الإنجليزية لندن، بينما رفعت شعارًا جاء فيه "حرروا فلسطين"، مؤكدة أن المجتمع الدولي طالما يظلم شعبها بقرارته.

و عن الدعم المقدم من قبل الشعوب العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كتب الشاعر والإعلامي زاهي وهبي: "الكتابة عن فلسطين والقدس والمقاومة ليست فعلاً بلا طائل، بل هي رد ضروري على محاولات غسل الأدمغة ومسح القضية من الذاكرة وتزييف الوعي وتزويره. الكلمة مضادة للنسيان وحارسة للوجدان وتتمة للحجر والرصاصة".

تراجع شعبية ترامب

وكانت المعارضة الأمريكية، قد أعلنت عن الرئيس ترامب قد اتجه نحو قرار نقل سفارة واشنطن إلى القدس، و اتخاذها عاصمة لإسرائيل عوضًا عن تل أبيب، سعيًا لإرضاء قاعدته الانتخابية، و التي بدأت أن تفقد إيمانها به، لتنخفض سعبيته في نوفمبر إلى 32% - حسبما أوضحت تايم الأمريكية - علمًا بأن المرشح الجمهوري لم يكن الأول من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ممن تضمن برنامجهم الانتخابي التطرق إلى ذلك الوعد المشؤوم، فمن قبله كان باراك أوباما، جورج بوش، و بيل كلينتون، الذين قاموا بتأجيل القرار احترامًا لقرار الأمم المتحدة 242 لتسهيل عملية السلام، و حل الدولتين.

و بينما احتل هاشتاج "القدس عاصمة فلسطين الأبدية" قائمة الأكثر تداولًا في العالم، لكن حتى اللحظة تتجه القلوب قبل الأنظار نحو القدس، في لهفة لمعرفة القرارات السياسية العربية، و العالمية التي تحد من تنفيذ وعد ترامب، لترفع الشعوب العربية أغصان الزيتون من فكر، و رؤى مسالمة، و قوى ناعمة، فيما يحترق وجدانهم من أجل الأرض المقدسة التي بُنيت جدرانها بأحجار كريمة بروحانية الكتب السماوية، و يرتسم على وجوه أهاليها خارطة التاريخ الحقيقي لها، في انتظار حق جذور شجر الزيتون الممتد على مر الزمن.