مقالات ورأى

د. نانيس عبدالرازق فهمى يكتب: إلى «حافة الهاوية .. والعودة»

الصباح العربي

حمل مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو أحد أهم المحافل الدولية التي تعنى بالسياسات الأمنية، هذا العام، هذا العنوان «إلى حافة الهاوية-والعودة»، وهو عنوان يحمل الكثير من المعاني في ظل ما يشهده العالم من تفجر صراعات وتوترات دولية وإقليمية غير قابلة للسيطرة نتيجة لقضايا لا تزال دون حل، كالملف النووي لكوريا الشمالية، وانعدام الثقة واحتمالات مواجهات عسكرية بين القوى الكبري، وبين قوى اقليمية بسبب الهيمنة والنفوذ، فضلا عن ظاهرة الإرهاب وما تبعها من تداعيات خطيرة. واتضح من خلال المؤتمر أن التناقضات وتعارض المصالح بين القوى الدولية والاقليمية أكبر من أن يتم احتواؤه في مؤتمر دولي، فلم يمكن تحقيق توافق واحتواء لهذه التناقضات، وركز المؤتمر فقط وفقا لـ فولفجانج إيشنجر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، على عرض المخاطر والتهديدات العالمية دون العمل على تقديم حلولً أو خطوات عملية لمواجهتها.

وفي ظل بيئة عالمية وإقليمية تتسم بالسيولة، وهو ما أطلق عليه «الحداثة السائلة» التي تتسم بالسرعة ومرونة التحالفات فضلا عن عدم اليقين، تشكل الرؤية المصرية حاليًا وعيا وإدراكا وقراءة لما شهده ويشهده الوضع الدولي والإقليمي رغم تعقيدات المرحلة التي تمر بها على جميع الأصعدة . وفي سبيل ذلك يمكن رصد ملمحين مهمين :

الأول: الاتجاه الى تقنين وترسيم الحدود البحرية سواء في البحرين المتوسط أو الأحمر وما يعود به من منافع اقتصادية وعلى رأسها إمكانية البحث والتنقيب عن الثروات الطبيعة فى سواحل كل من البحرين. ففى البحر المتوسط لم تستطع مصر الإقدام بقوة على البحث والتنقيب فى مياهها الإقليمية وبدء عمليات الإنتاج الفعلي، إلا بعد ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وتم اكتشاف حقل ظهر الذي بدأ الانتاج التجريبي بمعدل 350مليون قدم مكعب غاز يوميا. وتسعي مصر الى التحول الى مركز إقليمي للطاقة خلال السنوات المقبلة، ويحظى ذلك بدعم رئاسي كبير. وهو ما يعني الأخذ في الحسبان المتغيرات الاقتصادية العديدة والمتلاحقة التي يشهدها العالم وتفرض عليها تحديات ضخمة تتطلب فكرا جديدا وأداء مميزا من أجل تعظيم العائد الاقتصادي لمصر ومن ثم دورها الإقليمي. وجاء توقيت خطوة ترسيم الحدود البحرية بين الدولة المصرية وغيرها لتحقيق الاستقرار، وتجنبا لما طرأ من صراعات حول حقول الغاز في البحر المتوسط سواء من جانب تركيا أو اسرائيل، الأمر الذي يعيد ترتيب توازن القوى في هذه المنطقة.

الملمح الثاني هو العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018» ، وتأتي أيضا في توقيت مهم في ظل تصاعد خطر الإرهابيين العائدين من مناطق الصراع في سوريا والعراق بعد هزيمة نسبية لتنظيم داعش وفقده العديد من مساحات الأراضي التي كان يسيطر عليها هناك، وتوجههم الى شمال افريقيا، خاصة ليبيا، ومنطقة الساحل والصحراء، وما يشكله ذلك من خطر على الأمن القومي المصري، ظهر في هجمات ارهابية مختلفة نوعيا، مما يستدعي التصدي وتوجيه الضربات وقطع الامدادات وذلك من أجل القضاء على الارهاب وفرض السيطرة والاستقرار وسط وشمال سيناء وتوفير الأمن والسلم الاجتماعي في سيناء، وهي عملية شاملة علي جميع الاتجاهات الإستراتيجية لتأمين الحدود الغربية والجنوبية والأهداف الحيوية في كافة أنحاء الجمهورية. والرسالة واضحة لتأكيد أركان الدولة الوطنية وتأكيد قدرتها على الصمود وتأمين إقليمها برا وبحرا وجوا وعدم السماح بأي اعتداء على إقليمها أو سيادتها أو أي مساس بأمنها، وأن الدولة المصرية تواجه الارهاب بالقوة العسكرية االغاشمة«، وهو ما يبرر ارتفاع الإنفاق ومستوى التسليح في ضوء الصفقات العديدة التي أبرمت خلال السنوات الأربع الماضية لتأمين الدولة وحمايتها من السقوط في الهاوية.

وتزامن عرض رؤية مصر الشاملة لمكافحة الإرهاب في مؤتمر ميونيخ للأمن مع العملية الجارية سيناء2018، وهي تقوم على أسس موثقة وثابتة، بقوة في الاعتقاد الراسخ بضرورة اتباع نهج دولي شامل لمكافحة الإرهاب من جميع جوانبه مع تأمين الدعم وبناء القدرات لتحقيق ذلك.

الدولة الوطنية المصرية بقيادتها وقواتها المسلحة وأجهزة الشرطة صمدت ولا تزال صامدة وتقاوم حافة الهاوية، وابتعدت عنها وتعمل على الابتعاد بقدر استطاعتها باستخدام مختلف أشكال القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، بل والقوة الناعمة أيضا. وذلك حتى لا تنزلق مثلما ما انحدر غيرها من على حافة الهاوية ودون عودة!.

نقلا عن صحيفة الأهرام

د. نانيس عبدالرازق فهمى يكتب «حافة الهاوية والعودة»