الصباح العربي
الخميس، 25 أبريل 2024 10:53 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

خالد عكاشة يكتب : شظايا الخطر الحائر

الصباح العربي

فى ساحات القتال المعتمدة وأثناء الحروب وإدارة الصراع من داخل الخنادق والدشم وعلى الأراضى مباشرة، تتشكل مجموعة من المفاهيم وطرق التحرك الآمن هجوماً ودفاعاً، يعلمها المحاربون ويحرصون عليها اتقاءً للخطر وحفاظاً على الحياة، تلك الساحات تكون المعادلات فيها أكثر وضوحاً ومباشرة ولديها قوانينها الصارمة التى يكون اختلالها ثمنه الحياة وضريبتها الدم والهزيمة. أبرز تلك القوانين هى مواجهة الخطر وتقديره ومن ثم التخطيط لمواجهته، ووفق هذا المفهوم يضع المحاربون الرصاصة فى أدنى درجات الخطر ويتحسبون بدرجة ما للغم، لكن حينما تذكر الشظايا ستجد هؤلاء الذين خبروا مواطن الخطر الحقيقى يدورون بأعينهم وغرائزهم فى كل الاتجاهات، المجموعات الإرهابية الأحدث والأقوى الآن يعلمون تلك المفاهيم حق المعرفة، خاصة بعد وصول الضباط السابقين والمحاربين القدامى لدائرة القيادة والتخطيط فيها، داعش استقبل مجموعة لا يستهان بها من تلك الفئة المميزة التى تعرف كيف يكون التعامل مع الخصم وفى أى ساحة قتال يمكنها إنتاج الخطر الداهم، وتعلم تماماً أن مواجهة القوات النظامية لأى من التحالفين القائمين وجهاً لوجه قد يدفع مشوار المواجهة لأن يكون طويلاً، هو يراهن على هذا الشكل على سبيل استنزاف تلك القوات، لكنه يختزن ضرباته المؤثرة لمفهوم الشظايا التى يمكن من خلالها حصد مكاسب واسعة. مفهوم الشظايا هذا بدأ فصله الجديد على يد تنظيم داعش بالضاحية الجنوبية فى بيروت، وهو أول اختراق كبير للمنطقة التى توصف بالأعلى تحصيناً فى العاصمة اللبنانية بقوات واستخبارات حزب الله، الانفجاران وقعا بفارق خمس دقائق، والانتحاريان كان أحدهما يستقل دراجة نارية مفخخة والثانى كان مترجلاً، وهناك انتحارى ثالث قُتل فى أحد الانفجارين، تمكن الانتحاريون من تخطى كل الحواجز الأمنية بأحزمتهم الناسفة بعد أن حددوا نقطة الضعف الأمنية للنفاذ منها إلى الضاحية، وخلافاً للتفجيرات السابقة التى كانت تحمل طابع الإعداد الفردى، ظهر جلياً أن تلك العملية أُعد لها بإتقان وحرفية عاليين، نفذوا جريمتهم فى مكان حددوه سلفاً بعد رصد شامل، كما اختار المنفذون بدقة توقيت تنفيذ عمليتهم بحيث يكون عصراً وهو وقت ذروة الازدحام بالقرب من مستشفى الرسول الأعظم، التحقيقات الأولية أشارت إلى أن الأحزمة الناسفة التى استعملت فى التفجير مغايرة للتى استعملت فى عمليات سابقة، بحيث تبين أنها تحتوى مادة «سى فور» ممزوجة بكرات حديد لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، وقد جاءت الحصيلة صادمة بالفعل: 44 قتيلاً ونحو 240 مصاباً، إذن نحن بإزاء شظية بشرية متقنة الصنع من الأجيال الذكية، ليست كسابقتها من العمليات الانتحارية التى تستخدم سيارة مفخخة تصدم مبنى أو حاجزاً أمنياً فى نهاية أقصى نقطة يمكنها الوصول إليه، الأحدث أنها تجند وترصد وتتجاوز الأطواق الأمنية وتغافل العيون الرادارية وتتفوق عليها حتى تصل إلى اللحم الحى المقصود بذاته، هى خرجت من مستقرها لتطال عنق حزب الله الذى يحارب مركزها على الأرض السورية. وفق هذا المفهوم الجديد وقعت عمليات باريس بتأنٍّ بالغ وفى سرعة واتزان كبير من قبل عدد أكبر من الشظايا الحائرة فى شوارع العاصمة الساحرة، إحداها وصلت لمسافة أمتار من الرئيس الفرنسى فى ملعب الكرة، لولا بعض من اليقظة والحدس الأمنى لشرطة باريس لكنا أمام كارثة إنسانية مع عدد الجماهير بالداخل أو لحظة المغادرة، المستهدف هى الساحة الأوروبية والقدرة الفائقة على إنتاج الخطر قفزت واخترقت ووصلت إلى قلب عاصمتها الأشهر، اختيار تعدد الأهداف مقصود بذاته، فالهول كان يراد له أن يقف العالم أمامه لساعات، وقد كان.

 

فى أعراف ساحات القتال يتم توزيع الغنائم بعد انتهاء المعارك بالقدر المتاح من العدل الذى يمكن إنفاذه، وقد تركت لنا عملية باريس الحيرة والصدمة والضحايا والضرب فى متاهات المواجهة، واستأثر التنظيم بحصاد التأنى الدقيق الذى جند وأهّل شظاياه ونقلهم عبر الحدود، وأدار شبكات معقدة من المعاونين بدأب بالغ، وسخّر مهارات الغضب الشبابية، ليصهرها داخل معادلة الخطر التى خرجت من معقلها تريد الإمساك برقبة العالم.

نقلا عن الوطن

 

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq