الصباح العربي
السبت، 20 أبريل 2024 06:25 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

نورهان الشيخ تكتب : التدخل الروسى..بوابة الاستقرار فى المنطقة

الصباح العربي

رغم أن سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية صارت مسرحاً لتدخلات سياسية وعسكرية من جانب قوى دولية وإقليمية عدة، وقامت الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا بآلاف الضربات على سوريا، كما اخترقت إسرائيل المجال الجوى السورى وقامت بضربات عدة على الأراضى السورية، فإن كل ما سبق مر دون ضجيج. فى حين جذبت الضربات التى توجهها روسيا لـ«داعش» و«جبهة النصرة» فى سوريا اهتمام الساسة والباحثين بل الرأى العام أيضاً منذ اللحظة الأولى التى بدأت فيها فى 30 سبتمبر، وأثارت تساؤلات عدة حول فرص نجاحها فى ضرب الإرهاب واستعادة الاستقرار لسوريا والمنطقة.

ورغم الحملة الإعلامية المضادة التى شنها الإعلام الغربى ضد التدخل الروسى فى سوريا، ومحاولة ترهيب المنطقة والعالم بالحديث عن «حرب عالمية ثالثة» تبدأ من سوريا، فإن الحملة الروسية تظل هى الأوفر حظاً فى القضاء على داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة وتحرير سوريا من الإرهاب، وذلك بالنظر إلى عدة اعتبارات.

أولها، صدق العزم والنية الروسية فى القضاء على الإرهاب، فالتدخل الروسى فى سوريا محكوم بمقتضيات الأمن القومى الروسى بالدرجة الأولى، وليس دعم بشار الأسد كشخص كما يردد البعض. وروسيا بقرارها هذا لا تدعم فقط الدولة السورية وتحول دون تكرار السيناريو الليبى ومن قبله العراقى بها، ولكنها تحمى أمنها القومى من تصاعد التهديد الداعشى وانعكاسات ذلك على الداخل الروسى خاصة مع تنامى صلات التنظيم مع نظرائه فى القوقاز الروسى، وتزايد أعداد المنضمين إلى صفوفه من الروس ودول آسيا الوسطى. فوفقاً لبيانات هيئة الأمن الروسية هناك ما يزيد على 2400 من مواطنى روسيا يحاربون فى صفوف تنظيم «داعش» الإرهابى. ومن ثم فإن خطر داعش لا يهدد سوريا والمنطقة فحسب ولكن روسيا أيضاً خاصة أن التنظيم أعلن روسيا عدواً له وأعلن «الجهاد» ضدها. وترى موسكو أن القضاء على الإرهاب يجب أن يكون من منبته، فى المناطق المفرزة والداعمة له ومنها الشرق الأوسط، لا سيما سوريا التى أصبحت حاضنة للعديد من التنظيمات الإرهابية ومنها داعش وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.

ثانيها، أن الحملة الروسية حملة جادة ومنضبطة، واضحة ومحددة الأهداف، وتستخدم فيها أحدث التقنيات العسكرية. فخلال الأسبوع الأول من الضربات الروسية وجهت روسيا 112 غارة جوية، وأطلقت 26 صاروخاً مجنحاً من السفن الروسية فى بحر قزوين إلى أهداف فى سوريا مباشرة عبر أجواء إيران والعراق بالتنسيق مع الدولتين باستخدام منظومة «كاليبر إن كا». وقد نجحت هذه الغارات فى تدمير 84 موقعاً لداعش تتضمن مراكز قيادة ومخازن للسلاح ومستودعات للذخيرة وقواعد للأسلحة ومراكز اتصالات ومعامل لصنع المتفجرات وخزانات وقود، إلى جانب معدات وآلات عسكرية ونقاط ارتكاز عدة، تمثل فى مجموعها، وفق بعض التقديرات، نحو 40% من البنى التحتية التابعة لتنظيم داعش.

ويعود نجاح الضربات الروسية إلى المعلومات الاستخبارية الدقيقة حول مواقع الإرهابيين فى سوريا حيث يتم تحديد هذه الأهداف على أساس معلومات استطلاعية روسية وسورية وعراقية وإيرانية. إلى جانب استخدام تقنيات عالية ودقيقة لاستهدافها، منها طائرات سوخوى «30 أس - أم» القادرة على تحقيق السيطرة الكاملة وتوجيه ضربات دقيقة وكشف ومتابعة عشرة أهداف جوية وأرضية فى وقت واحد. كما أنها قادرة على القيام بمهام الرصد الرادارى وحمل صواريخ ذات رؤوس حربية موجهة ذاتياً ورادارياً. كما أن الصواريخ التى تم إطلاقها من بحر قزوين عالية الكفاءة ونسبة الخطأ فيها رغم طول المسافة (1500 كم) لم تتجاوز 3 أمتار. فحجم الدعم الروسى لسوريا ليس فقط ضخماً كمياً لكنه فعال ومتميز نوعياً لأنه يستخدم صواريخ موجهة قادرة على إصابة الأهداف بدقة، خلافاً للقنابل التى قد لا تصيب الهدف بالضرورة.

ثالثها، أن الضربات الجوية مصحوبة بعمليات تمشيط وتنظيف برى على الأرض يقوم بها الجيش السورى. فمن المعروف أن الضربات الجوية لا يمكن أن تحقق وحدها نصراً عسكرياً حاسماً، ويفسر هذا انتقال الضربات الجوية الروسية من مرحلة إضعاف «داعش» وتقويض قدراته، إلى العمل كغطاء جوى للقوات السورية التى تتقدم منذ 8 أكتوبر لتحرير الأراضى السورية من الإرهابيين شمال غرب سوريا والسيطرة على المرتفعات الاستراتيجية فى الريف الشمالى الغربى، وذلك بعد أن نجحت الضربات الروسية فى قطع الإمدادات عنهم ومحاصرتهم. كما قامت موسكو بدعم الجيش السورى بالأسلحة والمعدات ومساعدته على إعادة تشكيل الفيلق الرابع النوعى المنتقاة للقيام بالعمليات الهجومية عالية الكفاءة لتطهير القرى والمناطق السورية من الإرهابيين.

وأخيراً، إن الولايات المتحدة، «رجل العالم المريض»، ليس من المتوقع أن تتخذ إجراءات تصعيدية ضد روسيا، منفردة أو فى إطار حلف شمال الأطلسى بما فيه تركيا. بل إن وزارة الدفاع الأمريكية قررت فى 9 أكتوبر تقليص برنامجها الخاص بتدريب ما تطلق عليه «المعارضة السورية المعتدلة» الذى يتم تنفيذه بالتعاون مع تركيا وعدد من الدول العربية واقتصاره على القادة فقط وليس وحدة مشاة كاملة كما كان مستهدفاً، وهو البرنامج الذى دافع عنه الرئيس الأمريكى باراك أوباما من منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة العام الماضى. وجاء ذلك عقب إعلان القيادة المركزية الأمريكية فى 26 سبتمبر أن قوات المعارضة السورية المدربة من جانبها سلمت جزءاً من عتادها لـجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. كما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن عدد الضربات الجوية التى تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد مواقع داعش فى سوريا، تقلص ليصل من 8 إلى 3 ضربات أو أقل يومياً. وأشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية يوم 7 أكتوبر إلى إن طائرات التحالف ضد «داعش» بقيادة واشنطن غيرت مسارها «مرة واحدة» لتجنب مواجهة مع طائرات روسية فى سوريا. الأمر الذى يشير بوضوح إلى عزم واشنطن تجنب أى مواجهة مباشرة مع روسيا فى الأجواء السورية.

إن ما حققته الضربات الروسية فى غضون أيام، لم ينجزه التحالف الذى تقوده واشنطن على مدى العام، وهدف روسيا الحقيقى هو استئصال الإرهاب من جذوره واستعادة الاستقرار لسوريا والمنطقة بأسرها فى المستقبل المنظور. وسوف يغير النجاح الروسى من موازين القوى فى المنطقة وخريطة التحالفات بها، وستكون موسكو وجهة الكثيرين بالمنطقة الذين يبحثون عن شريك صادق، لا يملى شروطاً ولكن يؤسس لعلاقات أساسها التعاون والاحترام المتبادل، وهدفها الأمن والاستقرار والتنمية للطرفين.

 

نقلا عن الوطن

 

 

 

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq