الصباح العربي
الخميس، 25 أبريل 2024 12:42 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

لميس جابر تكتب: رسالة إلـى وزير التعليم

الصباح العربي

السيد الدكتور طارق شوقى وزير التعليم.. لن أهنئك على الوزارة، ولكن أدعو لك بالقدرة والصبر على تحمل هذه الوزارة التى تنوء بمشاكلها وعثراتها، بل وعقمها المتوالى وفشلها فى وضع فكر تعليمى حقيقى، وحالها الآن لا يُنتج من المرحلة الابتدائية سوى أميين يكتبون أسماءهم بصعوبة، ولا يُنتج من المرحلة الإعدادية سوى مبتدئين يحملون فى رؤوسهم معلومات مبتورة مشوشة ولغة ركيكة وخطاً عربياً على الطريقة الهندية، ولا يُنتج من المرحلة الثانوية شباباً أصحاء النفوس على قدر من الوعى بالمجتمع ولا حب المعرفة ولا الوطن ولا العلم والانتماء، غير قادرين على اختيار المرحلة الجامعية وفى انتظار الاختيار الذى يقره التنسيق.. والآن لو فكرت سيادتك فى عمل مسابقة فى الإملاء فى اللغة العربية ودعوت شباباً دون الأربعين وفوق الأربعين بقليل لشاهدت ما يُحزن القلب ويزيد الهم والأسى على اللغة الأم التى فى طريقها إلى الانزواء خجلاً، وإذا استمر حال اللغة بهذا الانحدار فربما يجىء اليوم الذى تسمى فيه مصر «جمهورية مصر الإنجليزية».

تابعت تصريحات سيادتك المبكرة وأنا أضع يدى على قلبى خوفاً من أن أسمع للمرة العشرين التصريحات العنترية المعتادة والتعهد بالقضاء على الدروس الخصوصية وملاحقة مدرسيها ومراكزها على أساس الرؤية المغلوطة للمشكلة. والحقيقة أن المدرسين انطلقوا للمنازل والمراكز هرباً من المدارس الفاشلة والأجور الزهيدة وتهافت أولياء الأمور الذين استدانوا لاستبدال المدرسة بالمدرس داخل المنزل، وكان هذا الهجوم الأحمق على مراكز الدروس الخصوصية عقاباً لمن لا يستطيع تحمل نفقات المدرس المنزلى، وكان الأمر مشابهاً لما فعلناه عندما ذبحنا الخنازير خوفاً من إنفلونزا الخنازير، وكان الأمر تشابهاً فى الأسماء، وعندما حطمنا الكافيهات عندما حدثت بها جريمة قتل، فنحن دائماً نسير فى الطريق الخاطئ بلا روية ولا بحث ولا «مذاكرة».

سيدى الفاضل، ابدأ يومك بقراءة نتف من المناهج العربية والتاريخ والجغرافيا والقراءة والنصوص والعلوم الأدبية لمختلف المراحل، واحكم بصدق: هل هذه المناهج قابلة للفهم وتصحيح الوعى وأداء الغرض التعليمى منها أم هى نصوص جوفاء باردة مغلوطة ومبهمة؟ وتخيل: هل تستطيع سيادتك وبكل ما أوتيت من علم وفير أداء اختبار فى إحداها دون الاستعانة بمدرس خصوصى لن يقوم بالشرح ولكن سيدرب سيادتك على الحفظ والترديد والتسميع تماماً كما يقول الكتاب.. وللآن لم يدرك أحد ممن تولوا المسئولية فى هذه الوزارة المأسوف عليها أن المناهج العقيمة التى تستعصى على الفهم لا تستعصى على الحفظ، وهى مهمة المدرس الخاص أساساً.. تلاشت ممارسة اللغة بالقراءة والكتابة فى الفصول المزدحمة، وتضاءلت أهمية الإنشاء والتعبير والكتابة لتفسح الطريق للنحو والصرف والإعراب والكناية والاستعارة والمنتج النهائى أطفال وشباب قادرون على الإعراب مثل «طه حسين» ولا يستطيعون الكتابة ولا القراءة.

ومنذ ميلاد الاختراع الفاشل الذى يُدعى «النماذج» ونحن نفرخ كل عام نسخاً مصورة طبق الأصل من آلاف الطلاب الذين يحفظون الأسئلة والأجوبة المفروضة بلا أى فرصة للتفكير أو الإبداع، وهذه الإجابات النموذجية هى التى تقود مصححى أوراق الامتحانات، وإذا كان هناك طالب أو تلميذ عبقرى وأجاب إجابة غير مذكورة فى النموذج فسوف يفقد درجات السؤال فوراً.

الدكتور الفاضل.. وصل الحال فى مناهج التاريخ إلى أنها أصبحت مثل الجريدة اليومية تتقرر فيها الأحداث السياسية عاماً بعام قبل أن تصبح تاريخاً، وحسب رؤية واضع المنهج وفكره وانتمائه، وهو ما تسبب فى وضع سيرة وتاريخ «حسن البنا» وجماعة الإخوان فى المناهج عام 2013، ثم إلغائهما فى عام 2014.. منذ أن تم تسييس التاريخ أصبح يعبر عن لسان حال النظام السياسى، يتغير بتغيره ويعظَّم ويفخَّم ثم يُسب ويُلعن، وانطبع هذا على نفس الطالب والتلميذ فهو الآن لا يصدق ما يقرأ ولا ينتمى لتاريخ متغير ومنافق وكاذب، ونطلب نحن بعد ذلك من الشباب أن يكون وطنياً محباً لبلده منتمياً وكأننا نطالبه بأن يصعد إلى الفضاء راكباً «توك توك».

ولديك فى المعلم مشكلة المشاكل، وكليات التربية التى تقبل بأقل المجاميع فى الثانوية العامة هى التى تفرخ المعلمين والمعلمات الذين فى الواقع يحتاجون للتعلم قبل أن يصلحوا للتعليم، وإذا استطعنا تحديث المناهج فلا بد أن يتم تحديث من يعلّم ويشرح ويرشد، وإلا ستبقى العملية التعليمية كما هى.

أما حال المدارس فلا يقل فى ظلامه عن باقى أضلاع العملية التعليمية، وكثير منها يفتقد النظافة والالتزام بالزى ومراعاة النظام، ويصل عدد بعض الفصول إلى تسعين تلميذاً وأكثر يتكدسون فوق بعضهم البعض، والبعض يجلس على الأرض. أما طابور الصباح فهو مهزلة فى حد ذاته، والطبيعى أن يتلقى الأطفال والصبية الصغار سيلاً من السباب والشتائم بل والضرب بخرطوم المياه بسبب التأخير قبل تحية العلم الذى يعلو فوق المبنى ممزقاً فاقد الألوان فى أغلب الأحيان.

هذه الصورة القاتمة ليست من خيالى ولكنها رؤية عينى أنا شخصياً.

وجدت يوماً وأنا أبحث فى أوراق أبى رحمه الله، وكان مدرساً، شهادة تعود لعام 1951 عن أدائه امتحاناً تقرر على كل معلمى مصر فى ذلك العام فى «التربية وعلم النفس» عندما كان الدكتور «طه حسين» وزيراً للمعارف.. هكذا كانت الرؤية وكان العلم والمعلم.. أرجو أن لا أكون قد تسببت لسيادتك فى إظلام الحالة وصعوبة المرحلة، ولكنى واثقة فى قدرتك وعلمك.. وفقك الله لما فيه الخير لمصر وأبنائها.

نقلا عن صحيفة الوطن

لميس جابر معلمى مصر وزير التعليم

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq