الصباح العربي
الخميس، 18 أبريل 2024 02:04 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

مكرم محمد أحمد يكتب: فى أزمة البرلمان والصحافة

الصباح العربي

لا أعرف من هو صاحب المصلحة فى نشوب هذا العراك بين الصحافة الوطنية والبرلمان المصرى، الذى يكشف مخاطر تفكك مؤسسات الدولة المصرية فى ظروف صعبة تلزم الجميع الاصطفاف الصحيح حرباً على الفساد والإرهاب ودعماً لجهود التنمية الوطنية، دون الدخول فى معارك جانبية تشتت الجهد الوطنى وتعطى مثالاً غير جيد، يجسد استمرار نزعات التسلط وضيق الصدر بالرأى الآخر بدلاً من الحوار وقبول حق الاختلاف والاعتراف المتبادل بالدور الذى يرسمه الدستور لكل من المؤسستين، البرلمان والصحافة، فى الرقابة على العمل العام.

وعندما يصل الخلاف بين الصحافة والبرلمان إلى حد التشهير والازدراء المتبادل الذى يطعن على مصداقية الطرفين، يصبح من الضرورى الاعتصام بالنص الدستورى الذى يؤكد على قداسة الحق فى حرية التعبير والرأى ما لم يخالطه غرض يضر بالمصلحة العليا للبلاد أو سوء أدب يشكل جريمة قذف يحاكم عليها القانون، ولا أظن أن ما صدر عن صحيفة الا

الأهرام وكتبته صحيفة المقال فى افتتاحية لرئيس تحريرها إبراهيم عيسى يقع فى أى من هاتين الدائرتين، وهو فى حكم القضاء استناداً إلى سوابق عديدة مجرد نقد مباح يشوبه بعض الفجاجة لا تبرر لرئيس البرلمان هذا الهجوم على مؤسسة مصرية عريقة هى فى الحقيقة (ديوان مصر المعاصرة) بصورة جاوزت كل الأعراف والتقاليد وصلت إلى حد الإهانة!

صحيح أن رئيس البرلمان أعاد النظر فى موقفه فى الجلسة الثانية ليتحول هجومه الشديد إلى نوع من العتاب المقبول لكن السؤال المهم، ما الذى حفز رئيس البرلمان المصرى على أن يهاجم مؤسسة الأهرام بهذه القسوة فى الوقت الذى يملك فيه حق الرد على أية ادعاءات تكون الأهرام قد نشرتها دون تدقيق، بما يلزم الصحيفة نشر الرد كاملاً فى نفس المكان وبنفس البنط وإلا وقعت تحت طائلة القانون؟

ولا أعرف أيضاً ما الذى سوف يستفيده البرلمان المصرى من قضية يرفعها رئيسه ضد مقال كتبه الزميل إبراهيم عيسى يتضمن بعض العبارات غير اللائقة تدخل قانوناً فى نطاق النقد المباح؟! وأيهما أكثر تحقيقاً للصالح العام معاملة المقال باعتباره نوعاً من شطط التعبير يستأهل التصحيح على صفحات الجريدة ذاتها بنفس المساحة والبنط أم تأخذنا نزعة التسلط إلى حد اعتبار المقال جريمة أمن دولة يستحق كاتبها حكماً بالمنع من الكتابة، لن يصدره القضاء المصرى الذى يلتزم حكم القانون والدستور ولا تحكمه أغلبية أو أقلية! وأظن أن المستفيد الأول من الخيار الثانى هو الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى لأن الضجة التى أثارها المجلس حول مقاله تسببت فى توسيع نطاق توزيعه بما يتجاوز كثيراً متوسطات توزيع الصحيفة اليومى، وكأن المطلوب أن نخلق من الكاتب الصحفى زعيماً سياسياً رغم أنفه!

وما من شك أن تصوير إبراهيم عيسى على أنه عدو الرئيس وعدو البرلمان وعدو مصر بأجمعها يحمل الكثير من المبالغة الفجة ويخترع عدواً غير موجود، وإذا كان هناك مليون قارئ لإبراهيم عيسى يتحمسون لآرائه فإن هناك مليون قارئ آخر يرفضونها، وأظن أن حسابات توزيع الصحف المصرية لم يعد له منذ فترة غير قصيرة علاقة بملايين النسخ لأسباب عديدة أضعفت حجم توزيع الصحف، أهمها الارتفاع المتصاعد فى أسعار الصحف المصرية وافتقادها الشديد قوة الخبر أهم عنصر فى نجاح الجريدة، ولمن تقلقهم كثيراً مقالات إبراهيم عيسى أن يعرفوا أن للكاتب الصحفى إبراهيم عسى دون شك حجماً كبيراً من القراء لكن الحكم بأن قراء إبراهيم عيسى يوافقونه الرأى على كل مقال يكتبه هو حكم غير دقيق، لأن نسبة غير قليلة من قراء إبراهيم عيسى ربما لا توافق على كل آرائه، وهذا ليس وضعاً فريداً يخص إبراهيم عيسى ولكنه يخص كل كتاب مصر ابتداء من طه حسين إلى أصغر كاتب مصرى بما يؤكد أهمية التنوع والتباين والاختلاف فى تشكيل رأى عام قوى يعرف الحقيقة ويتابعها، وضرورة وجود الرأى والرأى الآخر كى نتجنب عثرات الطريق ونعرف أن أحداً بمفرده لا يستطيع الادعاء بأنه يملك الحقيقة التى غالباً ما يُظهر جوهرها تباين الآراء واختلافها.

وغاية القول من مراجعة وقائع الأزمة بين البرلمان المصرى والصحافة الوطنية أن تدرك كل الأطراف الحاجة الملحة لتنظيم العلاقات بين مؤسسات الدولة بما يمكن كل مؤسسة من القيام بدورها الذى حدده الدستور دون أن تفتئت مؤسسة على أخرى، خاصة أن وظيفة المؤسستين، الصحافة والبرلمان، هى حسن الرقابة على العمل العام ومتابعة ما يصدر عن السلطة التنفيذية من أعمال وقرارات، ولا مراء فى أن الرقابة على أداء البرلمان تدخل ضمن حقوق الصحافة المصرية فى الرقابة والنقد فى إطار حكم الدستور الذى يمنع التشهير ويعتبره قذفاً يعاقب عليه القانون.

وربما لهذه الأسباب كنا نأمل فى أن يكون صدر البرلمان أكثر رحابة بالرأى الآخر، يحاول أن يستوعب شططه فى إطار يصون الاحترام المتبادل ويحفظ للقانون حرمته، وهذا ما فعله رئيس البرلمان د. على عبدالعال فى الجلسة الثانية عندما هدأت النفوس وسعى إلى أن يرد الاعتبار لمؤسسة الأهرام بعبارات تختلف شكلاً وموضوعاً عن ردود فعله الأولى، وحسناً أن تمكنت مؤسسة الأهرام من ضبط ردود فعلها فى بيان عاقل متوازن حظى بتعاطف الرأى العام التزمت فيه حسن التواصل والحوار وحقها فى الدفاع عن حرية الرأى والتعبير، أما الزميل إبراهيم عيسى فربما يكون من واجبنا أن نقبله على حاله مثل نرسوس الذى يحب أن يطالع وجهه على صفحة الماء، شديد النزعة الذاتية لكن لا ينبغى أن نصنع منه عدواً لأنه ليس عدواً بالفعل، هو مجرد رأى مخالف أو معارض فى ساحة واسعة تتنوع فيها الآراء والاجتهادات، وهذا فى حد ذاته شهادة بأننا على الطريق الصحيح لبناء ديمقراطية صحيحة.

نقلا عن صحيفة الوطن 

مكرم محمد أحمد البرلمان الصحافة انتخابات النقابة

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq