الصباح العربي
الجمعة، 29 مارس 2024 05:19 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

أحمد المسلمانى يكتب: حصَار تركيا

الصباح العربي

تتحدّث دوائر التفكير السياسى فى تركيا بوضوحٍ عن.. «الحصار الأمريكى الروسى على تركيا»!

( 1 ) فى مقالٍ صادمٍ طالبَ كاتب تركى بإعادة العلاقات مع الجماعات المتشدِّدة فى سوريا.. وإسقاطها من لائحة الإرهاب، وإلغاء العقوبات المفروضة عليها.. ودعمها بالأسلحة الثقيلة!

لم يكن هذا المقال سوى واحد من آراء عديدة.. ترى أن تركيا قد تمّ خداعها.. وأن أردوغان الذى دعّم الجماعات المتطرفة.. ثم اضطَّر إلى وضع بعضها على لائحة الإرهاب بعد الضغوط الأمريكية الروسية.. يجب عليه الآن أن يعودَ إليها.. وأن يمدّ يد التعاون معها.. ذلك أنَّه لم يعد هناك الكثير من الخيارات.. إزاء تحالف القوتين العظميْين– لأول مرة– ضد الأمن القومى التركى.

يتوازى مع ذلك ما نقله مقالٌ نشره موقع «سبوتنيك» الروسى من روايةٍ مثيرةٍ.. وصادمةٍ هى الأخرى.

حيث ينقل المقال عن البروفيسور أحمد نيسين أن أردوغان حين التقى رئيس إحدى الحكومات الأوروبية.. قال له: إذا لم تستجيبوا لذلك الأمر.. فإننى سأرسل لكم عناصر أكثر خبرة من تنظيم داعش بدلاً من أن أرسل لكم اللاجئين!

وقد ذُهِل المسؤول الأوروبى الذى قال له على الفور: هل سمعت أُذُناكَ ما نطقت به يا سيادة الرئيس؟!

ثم إن الرئيس أردوغان.. ذهب فى حديثٍ أخيرٍ إلى تهديدٍ قاد الاتحاد الأوروبى إلى استدعاء سفير تركيا لديه.. ولاتزال تلك الجملة المفزِعة للرئيس أردوغان: «إذا لم تغيّر أوروبا مواقفها لن يسير أوروبى آمنًا فى شوارع العالم».. ذات تأثيرٍ بالغٍ لدى الغرب والعالم.

(2 ) فارقٌ كبيرٌ بين «أردوغان 2012» وبين «أردوغان 2017».. كان أردوغان 2012.. قد وصَلَ قمّة جبل الاستعلاء والخيلاء.. إنّه توهّم دور الإمبراطور القادم من جوْف التاريخ إلى حُكم المستقبل. ولكن أردوغان 2017.. قد وصَلَ إلى نقيض أردوغان السابق.. القلق من الحاضر والخوف من المستقبل.. انكسار الداخل والخارج معًا!

إن أردوغان 2017.. يقف ضد ألمانيا وهولندا والدنمارك والسويد.. وحتى سويسرا التى خرجت عن الحياد لتعلن التحقيق فى تجسس أنقرة على الجالية التركية فوق أراضيها.

لقد كانت الخسائر المعنوية المتعلقة بهيْبة الدولة كبيرة.. ثم جاءت من بعد ذلك الخسائر الإقتصادية وحتى العسكرية. وكان نقْد وزير الدفاع التركى لقرار ألمانيا بوقف صادرات السلاح إلى تركيا.. بيْنما تتدفّق الأسلحة إلى خصوم أردوغان من أكراد سوريا.. تعبيرًا عن المأزق الذى باتتْ فيه البلاد.

( 3 ) لكن المأزق الأكبر هو ذلك «الحزام» المفزع الذى باتَ يحيطُ بالدولة التركية من جهة الجنوب.. حيث أصبحت سوريا أشبه بالحبل الذى يخنق تركيا.

إن روسيا ليست فى صراعٍ مع الولايات المتحدة.. بشأن تركيا، كلاهما يدعم القوى الكردية المعادية لأردوغان.. توجد مكاتب تمثيل للقوى الكردية– التى تضعها تركيا على لائحة الإرهاب– لدى روسيا، وتوجد تدريبات عسكرية مشتركة للقوى الكردية مع واشنطن.. ويشاهد الأتراك بانتظام هبوط قوات كردية من مروحيات أمريكية.

لا تعترض أمريكا على العلاقات الروسية مع القوات الكردية، ولا تعترض روسيا على العلاقات الأمريكية مع القوات الكردية!

انتقد وزير الدفاع التركى كما انتقد رئيس الأركان موقف القوتين العظمييْن من التفاهم على حساب تركيا.. وقال وزير الدفاع التركى: «لا يمكن أن تقبلَ تركيا التعاون المشترك بين روسيا وأمريكا ضدّنا».. ولم يكتم رئيس الأركان التركى غضبه من التفاهم الروسى الأمريكى.. وعدم انزعاج أى طرف من تعاون الطرف الآخر مع القوات الكردية التى تراها تركيا جماعات إرهابية تهدد بقاء الدولة التركية.

( 4 ) حاولت تركيا أن تختبر نفوذها لدى واشنطن وموسكو.. لوقف تعاون القوتين العظمييْن مع الأعداء الأكراد.. ولكن تركيا فشلت تمامًا.. وأدركت أن التفاهم على حساب تركيا بات حقيقة جيوسياسية جديدة فى الشرق الأوسط.

تشير مراكز البحث التركية الآن إلى تلك الحقائق الجديدة.. وتتحدث عن أن أمن وسلامة تركيا قد دخل مرحلة «الخطر الكبير».. وأن معادلة «أمن تركيا يبدأ من سوريا» قد انهارتْ.. ذلك أن سوريا بدلاً من أن يكون ارتباكها أداة للنفوذ التركى فيها.. أصبح ارتباكها أداة لإرباك تركيا ذاتها.. وربما إسقاطها!

( 5 ) ذكرت دراسة صدرت عن معهد «انتربرايز» أن أردوغان قد وصل إلى نهاية الطريق.. وتذكر دراسات أخرى أن تركيا باتتْ بلا مخرج بسبب عدم الثقة بينها وبين أوروبا، وعدم الثقة بينها وبين العرب.. ثم عدم الثقة بينها وبين واشنطن التى دعمّت برأيها انقلاب جولن، وبينها وبين موسكو التى تدعم إيران ومحورها.. وأسقطت السياسة التركية فى سوريا.

( 6 ) كان أردوغان 2010 صديقًا للجميع، وكان كتاب «العمق الاستراتيجى» للدكتور أحمد داوود أوغلو ودعوته إلى تصغير المشاكل.. ناجحًا بامتياز.. أما أردوغان 2012 فقد كان عدوّاً للعرب وللتيار الوسطى فى بلاد المسلمين.. وقد أصبح أردوغان 2017.. عدوًا للعرب والعجم.. للإقليم والعالم.. للقوى الصغرى والوسطى والكبرى.. ثم خصمًا للقوتين العظميْين.

أسقط أردوغان 2012 أردوغان 2010، وقضى أردوغان 2017 على أردوغان 2012.. واليوم تشهد تركيا تلك المعادلة المزمنة.. أردوغان ضد أردوغان، وتركيا ضد العالم.

شئ مؤسف.. أن يتحوّل بلدٌ رائع وشعبٌ متميز.. إلى ساحةٍ بائسٍ للعبة الأمم.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

نقلا عن صحيفة المصرى اليوم 

حصَار تركيا أحمد المسلمانى

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq