الصباح العربي
الخميس، 25 أبريل 2024 11:19 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

ياسر رزق يكتب من واشنطن: أسرار لقاء الـ ١٥٠ دقيقة بين السيسي وترامب

الصباح العربي

ماذا دار فى المحادثات حول التعاون والاستثمار والدول الداعمة للإرهاب وقضية القرن

فى المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض.. قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس السيسى أمام الصحفيين فى ختام كلمته القصيرة المرتجلة:  «سيادة الرئيس.. إن لديكم صديقاً عظيماً وحليفاً وثيقاً هو الولايات المتحدة وأنا شخصياً».

وقال السيسى لترامب: «فخامة الرئيس.. لقد راهنت عليك منذ التقيت بك فى سبتمبر الماضى، وإننى أكن إعجابا شديداً بشخصيتك المتفردة».

ثم أضاف: «أقول بكل قوة ووضوح إنك ستجدنى وستجد مصر بجانبك فى تنفيذ إستراتيجية مواجهة الإرهاب والقضاء عليه».

تلك العبارات التى قالها ترامب لضيفه، هى نفسها التى قالها حينما التقاه فى سبتمبر الماضى.

والرهان الذى كشف عنه السيسى، بدأ فعلا منذ لقاء نيويورك قبل نحو ٧ شهور مضت، حينما توقع له الفوز بالرئاسة، وأسر بذلك إلى معاونيه، وتوقع مع فوزه نقلة كبرى تصحح مسار العلاقات المصرية - الأمريكية وتنقذ الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بعد أن تزعزت دعائمها.

مثلما لا يحبذ السيسى المناورة، بدا ترامب لا يميل - عكس غيره من أسلافه - إلى اللف والدوران.

الرجلان يدلفان إلى صلب الموضوعات بصراحة وشفافية ووضوح لكن لكل منهما طريقته.

بعد دقائق معدودة من المباحثات.. تخلى ترامب عن مخاطبة السيسى بـ «سيادة الرئيس» وأخذ يناديه بـ «صديقى العزيز».

ومنذ بداية المباحثات.. قال السيسى: «سياستنا لها وجه واحد. نحن لا نقول إلا ما نفعل. وإذا وعدنا لابد أن نفى».

كلمة «نحن معكم مائة بالمائة».. كررها ترامب كثيرا فى الاجتماع المغلق، وفى الجلسة الموسعة، وفى غداء العمل. وشدد عليها حينما جرى الحديث عن العلاقات الثنائية والاقتصاد المصرى، وحينما دار النقاش حول مواجهة الإرهاب والدول الداعمة له.

وقال ترامب: «إننا ندعم مصر سياسيا بكل قوة للقيام بدورها الإقليمى فى الشرق الأوسط وأفريقيا، فنحن نعرف دورها الإيجابى فى حل القضايا، ونعلم أنها دولة مقبولة لدى كل الأطراف حين تتدخل لحل القضايا بالطرق السلمية».

وبصراحته المعهودة.. أبدى ترامب عدم ارتياحه للنهج الذى سلكه الرئيس السابق أوباما فى التعامل مع مصر ودعمه للإخوان، وتضييقه على الدولة المصرية فى الحصول على صفقات السلاح لمجابهة الإرهاب.. ثم قال: «لو كانت هيلارى قد فازت، لصار الوضع أسوأ».

سألت مسئولا رفيع المستوى عقب انتهاء أعمال القمة المصرية - الأمريكية: كيف كانت الأجواء؟.. رد قائلا: أكثر من رائعة. وسمعت من مسئول آخر من أعضاء الوفد نفس الرد مضافا إليه عبارة: «النتائج فاقت توقعاتنا المتفائلة بشأن مستقبل العلاقات». وقال لى مسئول ثالث: المودة كانت ظاهرة، والتقدير كان متبادلا، والحرص كان واضحا على إعادة اطلاق علاقات الشراكة الإستراتيجية، فالكيمياء جرت تفاعلاتها كعامل مساعد لاعتبارات المصلحة المشتركة للبلدين تجاه عديد من القضايا.

وقال مسئول رابع: الرئيس ترامب لخص هدف إدارته من دعم مصر سياسياً واقتصاديا وأمنياً فى عبارة مركزة عندما قال: «إننا نريد مصر آمنة ومستقرة ومزدهرة، من أجل أمن واستقرار المنطقة، بل والولايات المتحدة والعالم».

١٥٠ دقيقة أمضاها الرئيس عبدالفتاح السيسى بالبيت الأبيض مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى أول زيارة رسمية يقوم بها للولايات المتحدة منذ تولى منصب رئيس الجمهورية قبل ٣٤ شهراً مضت.

استبق ترامب وصول الرئيس إلى المنزل رقم ١٦٠٠ بشارع بنسلفانيا حيث يقع مقر الرئيس الأمريكى، بتغريدة كتبها على حسابه فى «تويتر» قال فيها: «استعد للقاء الرئيس المصرى السيسى. وبالنيابة عن الولايات المتحدة، فإننى أتطلع إلى علاقات ممتدة ورائعة».

وفور مغادرة موكب الرئيس البيت الأبيض عائداً إلى مقر إقامته بواشنطن فى فندق «فورسيزونز»، كتب ترامب تغريدة ثانية قال فيها: «كان لى الشرف أن أرحب بالرئيس المصرى السيسى فى البيت الأبيض هذه الظهيرة، حيث جددنا الشراكة التاريخية بين الولايات المتحدة ومصر».

بين التغريدتين، قضى الرئيسان ساعتين ونصف الساعة معا داخل البيت الأبيض، بدءاً من الحديقة الخارجية أمام المدخل، حيث كان ترامب فى استقبال السيسى على باب السيارة، ثم فى قاعة روزڤلت حيث دوّن الرئيس كلمة فى سجل الزيارات، ثم فى المكتب البيضاوى حيث أمضى الرئيسان ١٥ دقيقة فى اجتماع مغلق اقتصر عليهما، بعد أن تحدث كل منهما للصحفيين بكلمة قصيرة مرتجلة، ثم فى «قاعة الحكومة» حيث جرت مباحثات موسعة ترأسها السيسى وترامب بحضور أعضاء الوفدين المصرى والأمريكى واستغرقت ٥٠ دقيقة، شارك فيها من الجانب المصرى سامح شكرى وزير الخارجية ود.سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى والمهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة وعمرو الجارحى وزير المالية. كما شارك فيها الوزير خالد فوزى رئيس المخابرات العامة واللواء مصطفى شريف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية واللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس والسفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم الرئاسة والسفير ياسر رضا سفير مصر فى واشنطن.

وعبر الحديقة الداخلية للبيت الأبيض، ترجل الرئيسان إلى قاعة الغداء الرسمية، حيث استكملت المباحثات على مدار أكثر من ساعة فى غداء عمل.

لا يمكن الجزم بتفاصيل ما دار فى الاجتماع المغلق بين السيسى وترامب والذى اقتصر عليهما فى المكتب البيضاوى.

لكن شذرات معلومات تقول إنه تضمن استعراضا سريعا للموضوعات المطروحة على أجندة القمة المصرية الأمريكية، وتناول القضية الفلسطينية التى وصفها الرئيس فى كلمته الموجزة أمام الصحفيين قبيل الاجتماع المغلق أنها قضية القرن، ووصف التوصل إلى حل لها بأنه سيكون صفقة القرن، وقال لترامب إنه سيجده وسيجد مصر داعمين وبكل قوة للجهود التى ستبذل من أجل ايجاد تسوية سلمية. ورد عليه الرئيس الأمريكى قائلا: بالتأكيد سوف نقوم بذلك معاً.

لابد فى هذا الاجتماع المغلق أن يتطرق الحديث إلى قضية شائكة هى نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.. وهذا الموضوع لاشك أنه كان موضع تبادل آراء ومصارحة فى لقاءات وزير الخارجية بواشنطن أثناء زياراته الثلاث الأخيرة.

وأظن الرئيس السيسى طرح موقفه ورؤيته وتقديره للموقف، من منطلق عدم استباق نتائج المفاوضات، وعدم تعقيد الأمور أكثر مما هى معقدة فى هذا التوقيت الحرج.. وأحسب الرئيس ترامب استمع بإنصات وأبدى تفهمه لما سمع.

على مدى قرابة ساعتين من المباحثات الموسعة التى جرت فى «قاعة الحكومة» وامتدت على غداء عمل دار النقاش فى مختلف القضايا الثنائية والأزمات الإقليمية وموضوع الإرهاب وتعاون البلدين فى محاربته.

لم يخل اللقاء فى بدايته من عبارات مداعبة بين ترامب ومعاونيه وهو يقدمهم إلى الرئيس. وبعد ترحيب من ترامب بالرئيس والوفد المرافق له وتأكيد وقوف بلاده مع مصر وشعبها بكل قوة.. تحدث الرئيس السيسى عن صورة الوضع الداخلى فى مصر، وعن إجراءات الإصلاح الاقتصادى كتحرير سعر الصرف وخفض الدعم على الكهرباء والوقود على مراحل، مثنيا على تحمل الشعب لها من أجل مستقبل بلاده، وعلى تضحياته فى الحرب على الإرهاب.

ورد الرئيس ترامب قائلا: إنها حقا قرارات شجاعة، وكلها فى الطريق الصحيح.

وأثار الرئيس موضوع تمويل الشركات الأمريكية من جانب مؤسسات الائتمان الأمريكية عند دخولها فى استثمارات بمصر. وأبدى الرئيس ترامب استعداده لمعاونة مصر فى تذليل عقبات التمويل وتشجيع كبريات الشركات الأمريكية على الاستثمار فى مصر. كما أبدى حرصه على زيادة التبادل التجارى مع مصر، خاصة فى مجالات معدات الإنتاج والآلات وغيرها.

ودعا الرئيس بعض الوزراء إلى الحديث عن فرص الاستثمار والحوافز المقدمة للمستثمرين والإصلاحات الجارية التشريعية والقانونية ومجالات التعاون الواعدة بين البلدين بالأخص فى النقل والكهرباء والبنية الأساسية وتكنولوجيا المعلومات، خاصة مع اتساع السوق المصرية وموقع مصر الاستراتيجى فى ملتقى ثلاث قارات.

وأبدى ترامب اهتمامه بتطوير الاقتصاد المصرى وتوفير الوظائف للمصريين، مشيرا إلى ان ذلك يعزز الاستقرار فى مصر ومن ثم استقرار المنطقة والعالم.

وتم الاتفاق على قيام د.سحر نصر ودينا باول مساعدة وزير الخارجية الأمريكى بالتنسيق فى مجال تشجيع الاستثمارات الأمريكية وتذليل العقبات أمامها.

انتقل الرئيس السيسى بعد ذلك إلى الحديث عن قضية الإرهاب وشرح الوضع فى سيناء، وجهود محاربة التنظيمات الإرهابية، وركز على رؤيته بأن القضاء على الإرهاب لا يتحقق بالأداة الأمنية والعسكرية وحدها، دون تضافرها مع آليات اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية وتناول فى هذا الصدد الدعوة لإصلاح الخطاب الدينى.

وهنا أثنى الرئيس ترامب على هذه الدعوة، وقال إنها دعوة صائبة وشجاعة.

وأكد دعم الولايات المتحدة لمصر بنسبة 100٪ فى محاربة الإرهاب، قائلا: ابقوا على صرامتكم فى مجابهة هذا الخطر.

ونوه الرئيس السيسى إلى أن حقوق الإنسان لا تقتصر على الجناة وانما للشهداء والضحايا وأسرهم حقوق لابد أن تصان.

وقال ترامب إنه لا يمكن إهدار حقوق الذين تفجرهم قنابل الإرهاب، والحديث فقط عن حقوق الإرهابيين.

وتطرق الرئيس السيسى إلى الدول التى تدعم تنظيمات الإرهاب بالمال والسلاح، واتفق معه الرئيس ترامب فى التصدى للتنظيمات الإرهابية دون انتقاء، والتعامل بكل حزم مع الدول الداعمة له على مستويات مختلفة.

ثم جرى البحث فى الوضع بالشرق الأوسط وبالأخص فى سوريا وليبيا، وعرض الرئيس رؤية مصر لعناصر التسوية السياسية للأزمات، مؤكدا ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطنى فى كل دولة ودعم مؤسساتها الوطنية وإعلاء الحل السياسى القائم على قواسم مشتركة بين الأطياف المجتمعية، كسبيل للحفاظ على السلامة الاقليمية لهذه الدول وصون مقدرات شعوبها.

بعد ذلك.. انتقل الرئيس للحديث عن القضية الفلسطينية أو قضية القرن - كما يسميها - وطرح رؤيته لحل القضية، مشيرا إلى مخاوف البعض من السلام وإلى الفرص والعوائد التى سيتيحها لشعوب المنطقة. وضرب المثال بالسلام المصرى الإسرائيلى، قائلا إننا عشنا الحروب وعايشنا السلام، والثقة تنمو بمرور الوقت لإزالة الحواجز النفسية والمخاوف من السلام.

وركز الرئيس على حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية كسبيل لإنهاء النزاع، مؤكدا أهمية تهيئة الرأى العام وشحذ إرادته فى التوجه نحو السلام حتى تعم عوائده وثماره على الجميع.

استمع ترامب ومعاونوه بإنصات وتفهم لحديث الرئيس، وكان من بينهم ريكس تيلرسون وزير الخارجية وهربرت مكماستر مستشار الأمن القومي، وجيسون جرينبلات المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط.

تواصل الحديث خلال مباحثات القمة عن الدعم العسكرى الأمريكى لمصر وتذليل العقبات أمام هذا التعاون، وعن الأمن المائى لمصر، وعن الحرب العالمية ضد داعش والتنسيق بين البلدين فى هذا السياق.

وفى ختام المباحثات، قال الرئيس ترامب مجدداً: «أنا معك يا صديقى العزيز ومع مصر وشعبها، وسنقف بجانبكم مائة بالمائة».

واتفق الرئيسان على إعادة تفعيل الحوار الاستراتيجي بين البلدين على مستوى وزيرى الخارجية وبمشاركة ممثلين للقطاعات الاقتصادية والأمنية والثقافية، لترفع نتائج الحوار الى الرئيسين لتنفيذها، وتكون هذه الآلية مظلة لكل أوجه التعاون.

مازال فى زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن يومان مكثفان من المباحثات، فى البنتاجون ومع صناع القرار ورجال الفكر، غداة محادثاته مساء أمس فى الكونجرس مع قيادات مجلسى الشيوخ والنواب وفى مقر إقامته مع وزراء الخارجية والتجارة والأمن الداخلى ومستشار الأمن القومي.

وتبقى نتائج القمة الأكثر من ناجحة بين الرئيسين السيسى وترامب وثبة كبرى على طريق ممتد من شراكة إستراتيجية تصون المنافع المشتركة وتستوعب اختلافات واردة بين رؤى قوة عالمية عظمى لها مصالحها وقوة إقليمية كبرى لديها ثوابتها.

نقلا عن صحيفة الأخبار

ياسر رزق واشنطن لقاء ١٥٠ دقيقة السيسي ترامب

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq