الصباح العربي
الخميس، 25 أبريل 2024 01:32 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

الدكتور محمد الرميحى يكتب: مغزى تفجير الكنائس فى مصر

الصباح العربي

والكويت تستعد لاستقبال قداسة البابا الانبا تواضروس الثاني ،بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية ، وهي الزيارة التاريخية التي تحدث لأول مرة، نشطت الجالية القبطية المصرية في الكويت لتحضر للزيارة في غبطة كبيرة، بل دعت الى حضور القداس لكل اصدقائها في الكويت من اجل الترحيب بالزيارة، وهي التي دأبت على الاحتفال بالأعياد المسيحية والإسلامية على حد سواء. الا ان الدعوة تحولت الى تقبل العزاء ،بعد ان حدث ذلك التفجير، الذي بدأ أولا في طنطا، ثم في الإسكندرية. لا يكمن ان يخطئ متابع الهدف من ذلك العمل الاجرامي، انه يهدف الى تعويق لمسيرة مصر التنموية والسياسية. لو وسعنا العدسة قليلا لوجدنا ان الرئيس عبد الفتاح السياسي قد عاد توا من زيارة مهمة الى الولايات المتحدة، وسمع العالم كم هي تلك الدولة مهتمة بتنمية و استقرار مصر ، كما ان الاستعداد يجري لاستقبال بابا روما القادم الى مصر ، للحوار الإنساني تثمينا لموقف مصر من الاحداث في الشرق الأوسط، ووضعت السلطة المصرية، بعد قمة البحر الميت قبل ذلك أسس تعاون وثيق مع المملكة العربية السعودية، وهو المحور الذي يرهب كل الأعداء ان يقوى ويستمر ،وعلى خلفية الصورة شهدت مصر عددا من الإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي راهن البعض انها سوف تسبب توترا اجتماعيا، ولكن وعى الشعب المصري قد فوت ذلك التوقع، لان نخبته تعرف ان تلك الإصلاحات هي مقدمة طبيعية للنجاح اللاحق، وانها سوف تقود الى مسار اقتصادي على سكة النجاح والتطور، كما عادت أفواج السياح الى مصر ،وبدأت تنتعش السياحة . وفي الخلفية أيضا ضجة كبرى لاستخدام نظام سوريا الغازات السامة ضد شعبه في الوقت الذي بدأت فيه مصر بمشاهدة الضوء التنموي من خلال الإصرار على اكمال المسيرة. سقطت بذلك المراهنات على كبح المسيرة المصرية، وسقطت المراهنات على تفكيك مصر وعزلها عن محيطها العربي وفضائها الدولي. بقيت الطلقة الأخيرة وهي ارسال مجموعة من المغرر بهم كي يقتلوا انفسهم ويقتلوا الناس أيضا .

 

طبيعة الشخصية المصرية تاريخيا ترفض قتل النفس، وهي طبيعة مستمدة من البيئة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لوادي النيل، حتى في اكثر الازمات ضيقا، تاريخيا لم يلجأ المصريون لقتل النفس، او حتى القتل دون سبب واضح لأناس لا يعرفهم المنفذ، هي ظاهرة وجب ان تُدرس، وفي الغالب هناك شحن ما أيديولوجية، لا استبعد نظريا ان يكون وراءه أجهزة دولة، لها معرفة كاملة في كيفية إيجاد الدوافع النفسية والمادية لهؤلاء الأشخاص، حتى يقوموا بما قاموا به. ليس بين الاقباط والمسلمين في مصر من فروق، أي شخص، حتى المصريون أنفسهم لا يستطيعون ان يميزوا بين هذا وذاك ،الا ان كان الاسم بادي الوضوح، اما من خارج مصر فان التعرف على الفروق يحتاج الى حذاقة لا يملكها كثيرون، في الجانب الاجتماعي فإن الاختلاط بين الفئتين يكاد يكون كإذابة السكر في الماء، لا تعرف اين هي حبات السكر! كثيرون تحدثوا عن ان هدف هذه الاعمال هو شق الصف الوطني، تلك عجالة متسرعة للتفسير،فأي مطلع يعرف تماما ان احداث شرخ وطني بين الاقباط والمسلمين في مصر يكاد يكون من شبه المستحيل ، و يقيني ان مخطط العمليات تلك يعرف قبل غيره صعوبة او استحالة ان يحقق ذلك الشرخ، مهما يفعل من اعمال وضيعة ومجرمة، ومهما يحصد من أرواح. طبعا ليس من الحصافة القول ان ليس هناك اهداف يريد ان يحققها ذلك المخطط في غرفة العمليات التي اقنعت ودربت ومولت المنفذين، الأهداف هي حرف المسيرة وتعطيل النجاح، واذا عرفت جماعة او شعب اهداف اعدائها على وجه اليقين، حققت على الأقل نصف الانتصار الذي ترغب فيه.

 

لا يوجد في العالم، مهما تقدمت التقنية ودُرب الرجال و تيقظ الناس والجمهور أمن كامل، ذلك ببساطة غير انساني، فالمجرم له طرق لاختراق ذلك السياج الأمني ، كان في مصر او نيويورك او لندن او غيرها من مدن العالم، هناك شيء اسمه اليقظة الفكرية، وهي ان يتأنى الناس والأجهزة في فهم الظاهرة وتحليل معطياتها، وسبر اغوار المنفذين ورسم صورة معنوية ومادية لطبيعة اولئك الأشخاص، وحركتهم وظروفهم المادية والعلمية البيئية التي تحركوا فيها، لان من يجندهم يلتقطهم من تلك الظروف و تلك البيئة. الخطأ في التحليل يقود الى نتائج خاطئة،والخطأ في تحميل جهة ما او مجموعة ما دون دراسة متأنية يفقد القوة المضادة للإرهاب قدرتها على التنبؤ واحباط المخطط القادم.

 

من هنا فإن الإرهاب في الشرق الأوسط في هذه المرحلة هو إرهاب واحد، تتعدد فيه الألوان، ولكن ظروفه و جذوره وأهدافه واحدة، تلك حقيقة يجب ان نفكر فيها، وتأخذنا تلك الحقيقة الى النتيجة المنطقية، وهي التعاون الإقليمي في تتبع مصادر الخطر، الا يلفت ان احد المنفذين كان يعمل لفترة قصيرة جدا في عمل مهني معقول في الكويت (كان محاسبا) وتم ترحيله و قبلها تنقل بين عدد من دول الشرق الأوسط، وفي مكان ما تم تجنيده، ربما بأيدي أجهزة دولة، لها غرض واضح في الاخلال بالأمن المصري، بل ربما من اجل اثارة الريبة في دول او جماعات قد تنصرف لها الاذهان في اللحظات الأولى،ان لم يكن من الأجهزة الرسمية، فالرأي العام غير المطلع. يعلمنا التاريخ ان عصابات الإرهاب تتحسس المواقف وتختار الأهداف والأشخاص بدقة، لقد فُجر موكب سمو الأمير الراحل في الكويت عام 1985 الشيخ جابر الأحمد مجموعة من اللبنانيين، وكان وراءهم حزب الله الذي يأتمر بأمر ايران ، كان الهدف اظهار ان العرب يقتلون العرب ، اختار بن لادن بدقة اغلبية سعودية وعددا من دولة الامارات و مصريا ولبنانيا من اجل ما سماه مع القاعدة ( غزوة منهاتن)! كان لديه عدد من بقية الجنسيات، ولكن ذلك الاختيار تم لوضع دول (المملكة و الامارات ومصر) على سكن الصراع مع الولايات المتحدة, واستخدمت عددا من الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، مناصرين او عملاء من دول أخرى لأجل تنفيذ مخططات تدميرية في دول تعتبر معادية ، لوضع اللوم على آخرين، فهذه المخططات تبحث عن نجاح مزدوج ، وليس عن نجاح واحد فقط. هناك عدد من الأمثلة يعرفها المتخصصون في مكافحة الإرهاب او أي اشكال الجريمة الأخرى، التي تحتاج الى تنفيذ شبه محكم. لن يستغرب احد ان يقوم شخص من ديانة او اجتهاد مختلف، بتفجير مصلين من ديانة او اجتهاد مختلف، منذ سنتين على وجه التحديد في 26 يونيو 2015 جاء احدهم من قرية في السعودية، لم يخرج منها قط، وفي سن حدث، الى الكويت وفجر مسجدا بما فيه من المصلين الشيعة ،وهو مسجد الامام الصادق. كان أداة لا أكثر للتنفيذ، لم يكن يعرف حتى موقع المسجد! وسقط 26 شهيدا بذلك العمل الاجرامي، ما تلاه سلسلة من ردود الفعل ،ففتح باب مسجد الدولة الكبير، وتدفق المعزون من الطوائف المختلفة لتقديم العزاء لأهالي الشهداء، لم يتأثر النسيج الاجتماعي ولم يحدث شرخ بين الكويت والسعودية. فالعدو واحد وهو أيضا في مصر العدو واحد وعزاؤنا لمصر وشهدائها. يقيني ان الشعب المصري بجميع الوانه يعرف تلك الحقيقة، وسوف تستقبل الكويت الأسبوع القادم بكل ترحاب قداسة البابا الانبا تواضروس الثاني بقلب مفتوح وسوف تقدم له العزاء، استكمالا للبناء على النيات الحسنة بين الكويت وكل شعب مصر.

نقلا عن صحيفة الأهرام

الدكتور محمد الرميحى تفجير الكنائس مصر الكويت البابا تواضروس

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq