الصباح العربي
الجمعة، 26 أبريل 2024 01:07 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

سليمان جودة يكتب: وإما أن نسكت!

الصباح العربي

فى واحدة من قصص نجيب محفوظ القصيرة، يذهب البطل إلى المستشفى ليتلقى علاجاً يُشفيه من هواجس تلاحقه، فيطلب منه الطبيب أن يُحضر ورقة وقلماً، وأن يجلس ليسجل بيده، أهم مشكلتين من وجهة نظره، تواجهان مصر من ناحية، والعالم من ناحية أخرى!.. ثم يحدد الحل الذى يراه لكل منهما!.

يقع البطل فى حيرة بالغة، ولا يعرف بأى المشاكل التى تضغط على بلده، يبدأ، ولا بأى المشكلات التى يعانى منها العالم، ينتهى!.

ولكن الطبيب يُفهمه أن نظرة واحدة على الصحف الصادرة فى أى يوم، كفيلة بأن تجعله يستقر تماماً، على أن هذه هى أهم مشكلات مصر.. وعلى أن تلك هى أهم مشكلات العالم!.

وفى لحظة يجلس على مكتبه، ويكتب أن أهم ما يواجه البلد، هو تزايد السكان عن المعدل الطبيعى، وبما لا يتناسب مع قدرات الدولة، وأن الحل فى تقديره أن ينزل عدد المواطنين إلى مستوى الإمكانات المتاحة للبلد!.

يسأله الطبيب: كيف؟!.. فيجيب بأن هناك وسيلتين لا ثالث لهما: الأولى هى الهجرة الدائمة.. والثانية هى التخلص من أعداد المصريين بوسائل خالية من الألم!.

كنت قد قرأت القصة زمان.. وحين رجعت لأقرأها مرة ثانية، هذه الأيام، استوقفنى فيها أن أديب نوبل عندما أراد أن يتعرض لموضوع السكان، قد تعرض له بطريقته هذه، وأن ما يميز طريقته أنها لم تشأ أن ترصد المشكلة، ثم تتوقف عند حد الرصد، ولكنها طرحت معها حلها فى ذات الوقت!.

قد يكون الحل المطروح فى القصة، غير عملى، من زاوية الهجرة الدائمة مثلاً، وقد يكون غير ممكن من زاوية التخلص من مواطنين بوسائل لا ألم فيها.. ولكنه فى كل الأحوال، نوع من الحل يقول لنا إن الحديث من جانبنا، عن أن لدينا مشكلة فى السكان، أو فى غير السكان، ثم التوقف عند هذا الحد، أمر لا جديد فيه، ولا جدوى من ورائه، ولا فائدة سوف نرجوها منه، لأن مشكلاتنا صارت أشهر من أن نشير إليها، وأكبر من أن نعيد تعريفها، وأعمق من أن نظل فى كل مرة نحاول الكشف عن حجمها من جديد!.

قد يكون التعداد الذى يجرى هذه الأيام للسكان، مسألة مهمة.. بل هى كذلك فعلاً.. لكن ما هو أهم منها، هو ما سوف يكون علينا أن نفعله، بعد أن ننتهى من العد والإحصاء!.

لماذا لا تجرب الدولة أن تدعو إلى مبدأ الأسرة ذات الطفلين، أو الثلاثة، كحد أقصى، لترى ما إذا كان سينجح أم لا؟!.. لماذا لا تجربه، وقد جربت أشياء لم تنجح، فسكتت وكأن عدم نجاحها كان هو نهاية العالم؟!.

 

إما أن نطرح الحل، إذا ما تكلمنا عن هذه المشكلة، أو عن غيرها، وإما أن نسكت إلى أن نجد حلاً لنعلنه، فالحديث المتكرر عن مشكلات أصبحت محفوظة لدى الناس، دون تقديم حلولها، إنما هو مضيعة للوقت!.

نقلا عن صحيفة المصرى اليوم

سليمان جودة نسكت نجيب محفوظ

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq