الصباح العربي
السبت، 20 أبريل 2024 04:57 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

د‏.‏ محمد السعيد إدريس يكتب: تحديات مابعد أزمة الأقصى

الصباح العربي

انتصر المقدسيون، بحمد الله وتوفيقه، واستطاعوا فرض إرادتهم الوطنية وإفشال ما كانت تخطط له الحكومة الإسرائيلية للأقصى. كانوا يريدون، من خلال إجراءاتهم الإدارية سواء كانت البوابات الإلكترونية، أو كانت كاميرات مراقبة متطورة، أن يعلنوا للعالم أنهم، وليس غيرهم، أصحاب السيادة والقرار على المسجد الأقصى باعتباره يقع فى قلب القدس التى يؤكدون ويقسمون أنها عاصمة أبدية لدولتهم «اليهودية».

تراجع الإسرائيليون لأسباب كثيرة، أهمها بالقطع، هو الصمود البطولى لأهل القدس وشعب فلسطين، لكن كانت هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية منها مثلاً ما يشاع عن «تفاهمات إسرائيلية- أردنية» أو «صفقة إسرائيلية- أردنية» مضمونها سماح الأردن بمغادرة حارس السفارة الإسرائيلية، الذى قتل اثنين من الأردنيين، إلى إسرائيل دون مساءلة مقابل إخلاء الأقصى من البوابات الإلكترونية، ومنها المناورة مع حكومات عربية صديقة لاحتواء خطر اندلاع انتفاضة فلسطينية أخرى تربك حسابات «التفاهمات المشتركة» حول «التحالف ضد إيران»، وأياً كانت الأسباب هناك معنى محدد يجب الوعى به وهو أن التراجع الإسرائيلى بخصوص فرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى هو تراجع مؤقت، وأن المعركة مستمرة ومرتبطة بالمشروع الإسرائيلى للسلام، وبإصرار الإسرائيليين على أن تكون «القدس الموحدة» عاصمة أبدية للدولة اليهودية، وهدم المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه باعتبار أن إعادة بناء الهيكل هو الإعلان النهائى لاستعادة المجد اليهودى على «أرض الميعاد» المزعومة. 

قبل شروع حكومة بنيامين نيتانياهو باتخاذ قرار إقامة بوابات إلكترونية لتنظيم دخول المصلين إلى المسجد الأقصى كانت هناك إجراءات أخرى كلها كانت تصب فى مجرى فرض السيادة الكاملة على القدس والمسجد الأقصى والتوسع الاستيطانى لضم معظم الضفة إلى الكيان الصهيوني. من بين هذه الإجراءات مشروع القانون الذى قدمه زعيم حزب «البيت اليهودي» وزير التربية اليمينى المتطرف نفتالى بينيت بخصوص منع أى نوع من الانسحاب الإسرائيلى من القدس كان هذا المشروع ينص على «عدم تسليم أراض فى القدس إلا بأغلبية 80 عضو كنيست (برلمان) من مجموع الـ 120 عضواً (أعضاء الكنيست)»، وقال بينيت فى تغريدة على حسابه فى «تويتر» أن الهدف من مشروعه «التوضيح مسبقاً أن القدس ليست مسألة للمفاوضات». 

هذا المشروع الذى تم تأجيله أو تجميده بقرار من رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو جاء مصحوباً بصخب وضجيج إعلامى فى رسالة «حسن نية» للرئيس الأمريكى دونالد ترامب تقول إن «إسرائيل ليست هى من يعرقل مساعى السلام بل الفلسطينيون والعرب». لكن الواقع الفعلى كان غير ذلك تماماً، فقبل ثلاث سنوات أقر الكنيست ما يُعرف بـ «قانون أساس»، أى قانون شديد الخصوصية ومن ثوابت الدولة نصه أن «أى تسليم أراض ضمتها إسرائيل إلى سيادتها لا يتم إلا من خلال حصوله على أغلبية 80 نائبا لكن فى حال حصل على 61 نائباً، كحد أدنى، يتم البت النهائى فى استفتاء عام». الفارق هنا بين هذا القانون الذى تم إقراره وسارى المفعول ويمنع فعلياً أى انسحاب من القدس أو أيا من الأراضى المحتلة وبين مشروع القانون الذى تم تجميده هو أن مشروع نفتالى بينيت كان يعتبر شرط موافقة الـ 80 نائباً شرطاً أساسياً ونهائياً دون لجوء إلى الاستفتاء العام الذى قد يقر الموافقة على أية انسحابات. 

هذا يؤكد أن الحكومة ورئيسها بنيامين نيتانياهو ليسا أقل تشدداً بخصوص القدس من زعيم المستوطنين المتطرفين نفتالى بينيت، بدليل أن نيتانياهو عقد، وللمرة الأولى، اجتماعاً لحكومته يوم 28 مايو الماضى فى «ساحة البراق» التى يسمونها «حائط المبكى» بالقدس المحتلة ضمن إطار احتفالاتهم بالذكرى الخمسين لاحتلالها ضمها إلى الكيان الصهيوني. وخلال هذا الاجتماع أعلن أن حكومته ستصادق على سلسلة من القرارات التى من شأنها «مواصلة تعزيز (مكانة القدس)». واستهل حديثه بالقول: «إن الحكومة تعقد جلستها فى هذا المكان بالذات بمناسبة تحرير القدس وإعادة توحيدها». معتبراً أن «ساحة البراق» هى «القلب النابض» لما وصفه بـ «الشوق اليهودى الذى عاد بعد آلاف السنين لبناء عاصمته الموحدة فيها». 

هذه هى المواقف الثابتة والحقيقية لقادة الكيان بخصوص القدس والمسجد الأقصى والانسحاب من الأراضى المحتلة، لكن ما هو أهم هو المشروع السياسي، أى مشروع حل الصراع فى فلسطين. فوسط كل الاضطراب العربى وضمن مساعى رئيس الحكومة الإسرائيلية للتحالف مع دول عربية يجرى تمرير أفكار إسرائيلية تشكل جوهر مشروع إنهاء الصراع، ويتم تسويقه لدى الإدارة الأمريكية والحكومات العربية الصديقة، من بين هذه الأفكار ما نشرته صحيفة «هاآرتس»، تحت عنوان «مبادرة السلام الإسرائيلية». 

أفادت الصحيفة أن هذه المبادرة «ترمى إلى تحقيق حل شامل ومتعدد الأطراف للنزاع العربي- الإسرائيلى بدلاً من حل ثنائى للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي»، وأفادت أيضاً أنه كان سيتم تقديمها إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع دخوله البيت الأبيض لكن تم تأجيل الأمر لحين انخراطه فى الحديث عن السلام، وتتضمن هذه المبادرة: «تشكيل كيان فلسطينى مستقر ومزدهر يتم تأمينه عبر التزامات دولية، وعن طريق تشكيل (اتحاد كونفيدرالي) مع مصر والأردن، واعتراف العرب بدولة إسرائيل (دولة الشعب الإسرائيلى التى ستكون القدس عاصمتها) وضمان الغالبية اليهودية فى هذه الدولة عن طريق الانفصال الديموجرافى عن الفلسطينيين (إقامة الدولة اليهودية)، مع فرض السيادة الإسرائيلية على جزء كبير من أراضى الضفة الغربية، وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين فى الدول التى يقيمون فيها (تصفية حق عودة اللاجئين)، وحل «حزب الله»، واستعادة استقرار لبنان، ومحاربة نفوذ إيران المزعزع لأمن واستقرار المنطقة، ووضع حد لمشروعها النووي، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان فى حل مستقبلى مع سوريا». 

إذا كانت هذه هى أهم معالم المشروع الإسرائيلى للسلام فيبقى أن نسأل ما هو موقفنا؟ 

انتصرنا جزئياً فى الأقصى.. نعم، لكن المعركة مستمرة. هم يحاولون طمس معالم الصراع ولا يتحدثون عن حقوق للشعب الفلسطيني، ولا عن انسحاب من أرض محتلة بل يتمسكون بـ «أرض تم تحريرها» سواء كانت فى فلسطين أو فى سوريا. يريدون السيادة على كل فلسطين ويصدرون للعرب المشكلة لذلك يريدونها.. تسوية «عربية إسرائيلية» وليس انسحاباً من الأرض المحتلة كما تنص القرارات الدولية. 

الرفض وحده لا يكفي، لكن يجب أن يعرف العرب حقوقهم أولاً ويعرفوا كيف يستردون هذه الحقوق، وامتلاك الإرادة على ذلك، وهذا من المستحيل أن يحدث دون إنهاء للصراعات العربية- العربية. 

نقلا عن صحيفة الأهرام 

محمد السعيد إدريس تحديات أزمة الأقصى

مقالات ورأى

click here click here click here altreeq altreeq