الصباح العربي
الجمعة، 29 مارس 2024 05:14 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

نبيل عبد الفتاح يكتب: أزمة المهرجانات السينمائية المصرية

الصباح العربي

السينما ليست فقط الفن السابع، إنما هى الجنة الأرضية للخيال والمتع البصرية وجماليات الأبيض والأسود والأضواء والظلال التى تشكل علامات بصرية، ودلالات داخل المشاهد وأداء الممثلين والممثلات، وحركة الكاميرا بين الوجوه والأجساد والتعبيرات الحركية، وبين الكتل والفراغات، والتفاصيل الصغيرة التى تحمل معها كثافة التعبير البصرى ومركزيته! من الأبيض والأسود، حيث الفتنة والولع والدهشة، والإبهار، والمفاجأة، والإيقاع البصري، والتوتر إلى عالم الألوان الذى أضاف جمالا مسحورا على الجمال، وتوظيفات الألوان من البدايات الأولية الباهتة إلى التطور التقنى الذى وظف الألوان كعلامات ورموز وشفرات فيما وراء العمل، وسردياته البصرية. هذا العالم المرئى المسحور وتدفقاته البصرية أسهم فى بناء العالم والحياة والمخيلات الثقافية على تعددها فى ثقافات ولغات العالم، وشكل جزءًا من القوة الناعمة الأمريكية قبل تحولها إلى قوة ذكية Smart Power، لتجعل منها «جنة العالم» الأرضي. بعض من السينما الأمريكية لا يمكن نسيانه لأنه حفر عميقًا فى الوعى والإدراك الكوني، من خلال المخرجين العظام، والممثلين الموهوبين فى إبداعهم التمثيلي، وكتاب السيناريو، والمصورين وآخرين.

السينما كالرواية والقصة والشعر والفنون التشكيلية ليست حكرًا على أدب دون آخر، لأن الإبداع الكونى جاء من مصادر ثقافية فوق أوروبية وأمريكية، على الرغم من مركزية هذا الدور التاريخي، فإن هذه الفنون وتطوراتها شاركت ثقافات ومبدعين داخلها فى تطويرها وإثرائها بالغنى فى التجارب والصور والتخييلات واللغات، لكن السينما هى جماع هذه الفنون، وتضفير لها، وتكثيف لمنجزاتها من خلال أدواتها، وذلك فى تجارب السينما الإيطالية الرائدة الواقعية الإيطالية- والسينما الفرنسية، والألمانية، والروسية، وفى دول شرق أوروبا والهند وفى أمريكا اللاتينية، وأفريقيا وآسيا. الدنيا كلها شاركت فى صياغة العوالم المسحورة للسينما، بما فيها المصرية والعربية.

الأعمال السينمائية المبدعة تعتمد على تكامل عناصر العمل السينمائي، وعلى الرؤية المختلفة والتجارب غير النمطية، ومن ثم تطورات المدارس السينمائية من الواقعية إلى الواقعية الجديدة إلى سينما المؤلف إلى سينما ما بعد الحداثة، وسينما المرأة المخرجة، تجارب متجددة، وحساسيات بصرية وإخراجية وتمثيلية متفردة، أبدعت بعضا من سحر الوجود الإنساني. أسهم تطور التقنية فى إغناء الفن السابع وأساليبه الإخراجية وبصرياته وعلاماته وجمالياته الفاتنة، بل وأثرت على بنيات السرد البصري، ومن ثم على الخطاب المرئي، على نحو استثنائي، خاصة فى ظل الثورة الرقمية فائقة وسريعة التحول.

اعتمدت السينما على دور العرض، وطقس المشاهدة الكلاسيكى بجميع مكوناته، الذى بدأ فى التراجع النسبى مع التلفاز وتطوراته، ثم مع العالم الرقمى وقرصنة الأفلام، لا تزال المشاهدة فى دور العرض قائمة، ولكنها تتراجع نسبيًا مع الأجيال الجديدة، والقنوات المخصصة لعرض الأفلام القديمة والجديدة. أسهمت المدارس النقدية للسينما فى تطويرها، مع المهرجانات الدولية الكبرى وجوائزها ومنافساتها التى تعقد سنويًا فى كان، وبرلين، وفينيسيا، وعديد المهرجانات التى تكاثرت على خرائط العالم، ويتفاوت تأثيرها وأهميتها على تطور الفن السابع لاسيما فى دول جنوب العالم، وغالبها أقرب إلى المهرجانات السياحية أو التى تسهم فى الترويج السياحى فى بلدان تتراجع فيها أهمية الثقافة والطلب السياسى والاجتماعى عليها، ومن ثم تبدو السلع السينمائية تجارية فى معانيها الرديئة. تراجع أهمية مهرجانات السينما خارج أوروبا، فى أن غالبيتها تفتقر إلى الرؤية والخصوصية، ناهيك عن ضعف الإنتاج، وتراجع المستويات الفنية ناهيك عن أنها متشابهة على الرغم من تغير اللافتات والعناوين، ويعتمد بعضها على الدعوات المدفوعة الأثمان الباهظة إلى بعض كبار نجوم السينما العالمية بل و«العربية» على الاختلاف فى المستوى والموهبة والأداء والخبرات-، وذلك فى الترويج لهذا المهرجان السينمائى السياحى أو ذاك! بعض هذه المهرجانات فى المنطقة العربية اتسم بالجدية النسبية مثل مهرجان أيام قرطاج السينمائية (1966) على أيدى مؤسسة الطاهر شريعة، ثم تراجع بعد مغادرته سنة وراء أخري، ومهرجان القاهرة السينمائى 1976 الذى شهد لحظات تألق وتراجع فى مستويات اختياراته، وتنظيمه، ولجان تحكيمه ... إلخ!. 

تكاثرت المهرجانات السينمائية الخاصة لبعض الجمعيات الأهلية التى أسست لهذا الغرض ولأهداف مؤسسيها وعلاقاتهم الشخصية قبل وبعد 25 يناير 2011 وتعددت أسماؤها إلا أنها غالبها يفتقر إلى الرؤية والخصوصية والجاذبية، والجدية والاستثناءات محدودة جدًا-، ناهيك عن الفوضى وغياب التنظيم المحكم، والخيال، وضعف بعض لجان التحكيم إلا قليلاً. السبب الرئيس وراء ذلك يعود إلى أن هدف مؤسسيها المعلن هو تنشيط السياحة المتراجعة فى البلاد، فضلاً عن اعتمادها على تمويل وزارة الثقافة، والسياحة، وتقديم بعض المحافظات التى تعقد بها على خدمات لوجستيكية مختلفة، وبعض الفنادق التى تقدم تسهيلات لمنظمى هذه المهرجانات.

إذا نظرنا للهدف الأول وهو تشجيع السياحة، لم يتحقق قط لأن السائح العربى والأجنبى الروسى أو الأوروبى لا يأتى لمشاهدة مهرجانات مجهولة، ناهيك عن أنه يشاهد الجديد فى بلاده فى القنوات التلفازية المتخصصة أو على المواقع الرقمية المتخصصة. من الملاحظ أن ثمة غيابا لتقييمات موضوعية لهذه المهرجانات وأهميتها، ومدى تحقيقها أهدافها، والتشابه فيما بين بعضها بعضًا، وهل يمكن تطويرها، أو عدم دعم بعضها، أو دعوة هذه الجمعيات الأهلية العاملة فى هذا المجال ومؤسسيها إلى الاندماج فيما بين بعضها بعضًا، أو التكامل، أو التعاون فى بعض الأنشطة فى إطار من الجدية خاصة فى ظل غياب الجمهور وطابعها السياحى الذى يخلط بين وظيفة المهرجانات السينمائية، وبين مهنة واقتصاديات السياحة على التمايز فيما بين بعضهم بعضًا، أو بعض التداخل أحيانًا فى حالات معينة! إن وضع المهرجانات الحالى يحتاج إلى إعادة تقييم لجدواها وفعاليتها ومردودها حتى فى مجال السياحة!!، ودراسة تخصيص الدعم الحكومى إلى مهرجانات جديدة وجادة تستطيع أن تسهم فى إثراء الثقافة السينمائية للجماعة السينمائية والنقدية، وتطوير الوعى السينمائى والذائقة الفنية والجمالية للجمهور المهتم بالفن السابع فى أماكن وجوده، وإعادة بناء مكانة السينما المصرية فى المنطقة وعالم الجنوب. 

نقلا عن صحيفة الأهرام

نبيل عبد الفتاح يكتب  أزمة المهرجانات السينمائية المصرية

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq