الصباح العربي
الخميس، 28 مارس 2024 04:03 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

بهجت العبيدي يكتب : الاستغراق في القومية والانتخابات الأوروبية!

الصباح العربي

تابعت الجدل الذي ثار بين أبناء الجالية العربية بالنمسا خلال فترة الانتخابات البرلمانية بالنمسا والتي أجريت يوم الأحد الماضي، ولم تخرج نتائجها عما كان متوقعا - والذي ذكرناه في هذه المساحة المخصصة لنا في صحيفة صدى البلد منذ أسبوعين - فلقد استطاع الشاب النمساوي سيباستيان كورتس أن يصعد بحزب الشعب (يمين الوسط) إلى المركز الأول مزيحا حزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط) بزعامة المستشار النمساوي كيرن، ليتبوأ الشاب ذو الواحد وثلاثين ربيعا رئاسة حكومة مقبلة للنمسا ليكون أصغر رئيس حكومة في تاريخ البلاد والقارة الأوروبية، ليضيف شبابا وحيوية للحكومات الأوروبية بعد ما جلس على رأس السلطة الفرنسية الرئيس الشاب ماكرون.

تابعت الجدل بين أبناء الجالية العربية والتي نادت الأغلبية الساحقة منها لانتخاب الحزب الديمقراطي الاجتماعي باعتباره الذي يقدم نفسه غير معاد "للأجانب" تلك اللفظة التي يتبادر للوهلة الأولى لها في الذهن المسلمون واللاجئون الذين أيضا تترادف لفظتهم الثانية مع الأولى في العقل الجمعي النمساوي والأوروبي في هذه اللحظة التاريخية وجه العموم.

كما قلت فعلى الرغم من الاتفاق شبه التام والكامل بين أبناء الجالية العربية في النمسا للتصويت للحزب الاجتماعي الديمقراطي، إلا أن المناقشات التي دارت على صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة ممن يفترض - أو يقدمون أنفسهم - أنهم النخبة، عكست رفضا شديدا للآخر ليس المختلف في التوجه بل المتفق في الاتجاه والتوجه ولكن يعرضه بشكل متباين، إضافة لمستوى ركيك في اللغة المستخدمة - إملائيا فضلا بكل تأكيد عن الصياغة، ذلك الذي لم ينج منه إلا ما كتبه في أحد منشوراته صديقنا شاعر العامية سامي النويهي الذي يمتلك أدوات الكتابة - ما أكد عمق الأزمة الفكرية والثقافية التي يمر بها الفكر العربي.

وبالعودة للنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النمساوية فلقد جاءت امتدادا لما تمر به القارة العجوز من تقدم ملحوظ لليمين المتطرف الذي ظهر جليا في كل من هولندا وألمانيا وقبلهما في انتخابات الرئاسة النمساوية في العام الماضي، فلقد استطاع حزب اليمين المتطرف الحرية بزعامة شتراخه أن يزيد - بفضل شعاراته المستغرقة في القومية - عدد ناخبيه بنسبة زادت عن ٥% عن المرة السابقة؛ لتؤكد النتائج جنوح الشعب النمساوي في اتجاه اليمين المتطرف. 

وهو نفس ما حدث عند الشعب الألماني الذي استطاع حزب البديل المتطرف أن يأخذ من أرصدة الأحزاب الأخرى والذي كان صوتا للكثير من الألمان الذين مثلهم مثل الشعب النمساوي الذي يقتسم حصته من أعباء الماضي النازي والحُمّى العنصرية - وإن لم يلحظ العالم أنّ أدولف هتلر ذاته هو نمساوي المولد والنشأة أساسًا - يخشون من الخوض في ما يتعلق بقوميتهم والتاريخ النازي لبلادهم. ولكن مع القلق من "العولمة" وتهديدها للقيم والتقاليد الألمانية والأوروبية على وجه العموم، وكذلك أزمة الهجرة واللجوء، ازداد الشعور بـ"الوطنية" والبحث عن مفهوم "الوطن" وضرورة حفاظهم على تفاصيل حياتهم ومستقبل بلادهم.

وإذا كان وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس رئيس حزب الشعب النمساوي - يمين الوسط - الذي هو المستشار القادم للبلاد قد قام شخصيا على ملف اللاجئين من خلال تقديم مشروعات قوانين ومن خلال تقديم مكتبه بعض الدراسات التي تم استخدامها في الإعلام وبها بعض المغالطات، التي تم غض الطرف عنها من قبل المؤسسات المختلفة، وكذلك من الأحزاب المنافسة، ما يؤكد اتفاق ولو بالصمت على معالجة جذرية لهذه القضية فإن ذلك يتفق مع هلع الشعب الألماني الذي أكده رئيسه في الذكرى السابعة والعشرين لإعادة توحيد ألمانيا حيث ركز الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في خطابه على مسألة اللجوء والهجرة، مطالبًا بوضع معايير واضحة لهذا الملف، خاصة بعد استقبال بلاده لأكثر من مليون لاجئ ومهاجر منذ عام ٢٠١٥ 

لقد جاءت الانتخابات الأوروبية لتعكس الأزمة في مفهوم "الوطن" عند السكان الأصليين للبلاد، الذين يرون أنه مهدد بشكل جدي وأنهم في طريقهم ليصبحوا غرباء في وطنهم ذلك الذي استخدمته الأحزاب اليمينية في كل من هولندا وفرنسا وألمانيا وأخيرا النمسا تؤكد تلك الازمة سوزان فاينغارتن، المشرفة على إنتاج عدد خاص من مجلة "دير شبيجل" مكرس للوطن Heimat)) حيث تقول إن اهتمام كل من اليمينيين وشباب "الهيبستر" اليساريين يشير إلى أن هناك فوضى في ألمانيا بصدد التفاقم بسبب العولمة وأزمة الهجرة.

وتضيف فاينغارتن في إشارة إلى النازية: "إنه مفهوم ساخن في ألمانيا بسبب الاشتراكية القومية"، مشيرة إلى "أن محاولة التعريف بمصطلح الوطن Heimat) ) لكل الناس يبقى من الأمور الصعبة. وتعزو ذلك إلى "أن الجيل الجديد الحالي الذي وُلد بعد 50- 60 عاما من محرقة الهولوكوست بإمكانه أن يفهم هذا المصطلح لكن دون وعي بمعناه الحقيقي."

إن هذه النزعة لن تقف – في تصورنا - عند كل من النمسا وفرنسا وهولندا وألمانيا، ذلك لأن الأسباب متوفرة في أماكن أخرى ما يؤكد أن الوجه الأعمق لهذا الانزلاق الذي يتجلى في سطوة النزعة اليمينية على الساحة السياسية التي استمرأت الشعبوية الخشنة - كما هو الحال في أحزاب البديل الألماني أو الحرية النمساوي أو حزب من أجل الحرية الهولندي - أو الشعبوية الناعمة – كما هو الحال في حزب الشعب النمساوي - سُلّمًا للصعود الانتخابي، سَيُتَّخد نموذجا قابلا لتمدد إلى دول أوروبية أخرى.

ولعله من المناسب أن نؤكد على التغيير الاستراتيجي الذي طرأ بوعي على أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ومن بينها حزب الحرية النمساوي الذي قام بالاستفادة القصوى من تجربته في العام ١٩٩٩ والتي كان من بينها انتقادات زعيمه الراحل في حادثة سيارة يورج هايدر للسياسة الأمريكية، وهو ما لم يبدو على السطح في المرحلة الراهنة وكذلك حرصه على تسوية تاريخية لوصمة “العداء للسامية”، فكان لابد أن يطمئن اليهود عبر زيارات متكررة قامت بها قيادة حزب الحرية إلى إسرائيل وأعلن مواقف تأييد جارفة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الاستيطانية، علاوة على امتداحه الدور الإسرائيلي بصفته “قاعدة متقدمة في وجه التهديد الإسلامي”، وفق التصريحات التي اشترك فيها حزب الحرية مع قادة اليمين الأوروبي المتطرف.

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq