الصباح العربي
الخميس، 28 مارس 2024 02:22 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

سليمان جودة يكتب: اللهم إنى قد بلغت!

الصباح العربي

الشىء الظاهر بقوة فى أسواق العمل هذه الأيام، أن الدولة تدخل منافساً للقطاع الخاص فى أكثر من مجال، وأنها لا تجد حرجاً فى أن تعلن عن وجودها فى كل ميدان جديد تدخله، ولا فى أن تكشف عن أسماء الشركات التابعة لها، اسماً وراء اسم!

ولا شىء فى ذلك طبعاً من حيث المبدأ.. ولكن الحرج، كل الحرج، بل الخطر، يبقى فى شىء آخر تماماً سأذكره حالاً!

فالدولة دخلت سوق الأسمنت بستة تراخيص جديدة، مرة واحدة، رغم علمها بأن السوق لا تحتمل، وأن المصانع التى تعمل فعلاً تعمل بنصف طاقتها.. وحين تكلمت فى الموضوع مع المهندس طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، طمأن المصانع القائمة بأن قال إن إنتاج المصانع الستة الجديدة سوف يذهب كله إلى شبكة الطرق القومية التى تعهد الرئيس بمدها فى أرجاء البلاد، عاماً بعد عام.. فالرصف فيها سيكون بالأسمنت والخرسانة، وليس بالأسفلت كما جرت العادة لسنين!

والمعنى أن الإنتاج الجديد، من مصانع الدولة، سوف تستوعبه شبكة الطرق بكامله، ولن ينافس إنتاج القطاع الخاص، فى أسواق البناء، وهو كلام شكرت الوزير عليه فى حينه، وإنْ كان قد فاتنى أن أسأله، وهو يشرح لى التفاصيل، عن السبب الذى منع الدولة من أن تطلب من المصانع القائمة، رفع معدل إنتاجها عن نصف الطاقة الحاصل حالياً، بدلاً من أن تكلف نفسها عناء إنشاء مصانع ستة جديدة؟!

إنه سؤال وجيه، ومنطقى، وفيه رغبة حقيقية فى أن تتفرغ الدولة على مستواها، لما هو أهم، ولابد أن هذا الأهم الذى عليها أن تنجزه لرعاياها كثير!

وما يقال عن الأسمنت، يقال عن الاتصالات التى شهدت دخول شركة محمول رابعة إلى الأسواق، تملك الدولة ٨٠٪‏ منها، وكان الوزير ياسر القاضى قد تفضل وقال إن الشركة الرابعة إذا كانت تحصل على بعض المزايا، هذه الأيام، فلأنها شركة جديدة، ولأن هذا ينطبق على كل شركة جديدة تدخل السوق لأول مرة.

فالمزايا نفسها حصلت عليها شركة اتصالات وقت دخولها الأسواق، لفترة محددة، عادت بعدها تنافس بشكل عادى، وبقواعد واحدة، مع فودافون وموبينيل، وهو ما سوف ينطبق نفسه على الشركة الرابعة التى تملكها الحكومة!

إلى هنا يظل الكلام جميلاً.. ولا شىء فيه!

ولكن ما هو أهم من هذا كله، أن تلتزم كل شركة من شركات الحكومة، فى أى ميدان، بالإعلان عند بدء عملها عن رأسمالها، وعن حجمه، وعن مصدره، وعن صاحبه، ثم عند نهاية كل سنة، عن أرباحها، وعن ضرائبها التى سددتها للخزانة العامة، وعن جماركها التى دفعتها إذا ما كان عليها أن تدفع جمارك مستحقة عليها!

هذا هو ألف باء الاستثمار الصحيح، الذى يقول به الكتاب، ولا استثمار صحيحا سواه، وإلا فإن المنافسة ستكون غير عادلة، لصالح شركات مملوكة للدولة.. وكل ما ستفعله شركات القطاع الخاص، عندئذ، أنها ستنسحب بهدوء من الأسواق!

الكتاب يقول فى العالم كله إن الشفافية الكاملة من جانب كل الأطراف، هى عنوان أى استثمار جاد، وإن الدولة إذا قررت أن تكون مستثمراً فهذا حقها طبعاً، غير أن عليها أن تدرك بكل حواسها، أن الشفافية بالمعنى الذى شرحته إذا غابت غاب معها كل مستثمر جاد.. غاب وقرر أن يطفش إلى أرض أخرى.. وأرض الله واسعة!

رجائى الحار أن تصل الرسالة إلى مستويات الدولة التى يعنيها الصالح العام للبلد، لأن غياب الشفافية بهذا المعنى يضر بالصالح العام أبلغ الضرر!

اللهم إنى قد بلغت!.

نقلا عن صحيفة المصري اليوم 

سليمان جودة يكتب  اللهم إنى قد بلغت! طارق قابيل أسواق العمل وزير الصناعة

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq