الصباح العربي
الخميس، 25 أبريل 2024 06:52 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

د. مراد وهبة يكتب: رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (213) «زنقة» كوكب الأرض

الصباح العربي

إذا كانت الزنقة لغة تعنى المسلك الضيق فى القرية فذكر كوكب الأرض عند ذكر الزنقة يعنى أن كوكب الأرض قرية. وإذا كانت القرية لغة تعنى كل مكان التصقت فيه الأبنية فمعنى ذلك أن القرية خالية من المسافات المكانية، وسكانها معزولون عما يدور خارجها. وإذا كان ما يدور ينطوى على حركة، وإذا كانت الحركة تنطوى على الزمان فمعنى ذلك أن القرية خالية كذلك من الزمان. وإذا ألَفنا بين المعنيين قلنا إن القرية تنطوى على موت المسافة مكانياً وزمانياً. والمفارقة هنا أننا نقول عن ظاهرة الكوكبية إنها تنطوى أيضاً على هذا الموت الذى تعانيه القرية. ومن هنا مشروعية القول إن كوكب الأرض مماثل للقرية على الرغم من غياب البٌعد الحضارى عن القرية. ومن هنا أيضا مشروعية القول إن كوكب الأرض فى زنقة.

والسؤال بعد ذلك: هل فى إمكان كوكب الأرض الخروج من هذه الزنقة؟

قيل فى الجواب عن هذا السؤال إن الترحال إلى الفضاء بسفن فضائية قادر على الخروج من الزنقة. وهنا المفارقة التى تنطوى على تناقض رخو وليس على تناقض حاد، أى على تناقض يمتنع معه إقصاء أحد الطرفين.

والسؤال بعد ذلك: ما هما هذان الطرفان فى حالة زنقة الكوكب؟

هما الدول المقيمة على كوكب الأرض وكوكب الأرض ذاته. والابداع هنا مطلوب لإحداث توليفة بين هذين الطرفين.

والسؤال اذن: ما المانع من إحداث هذه التوليفة؟ إنه غياب الابداع. وما سبب هذا الغياب؟

إنه الارهاب الذى أفرزته ثورات الربيع العربى عندما تركت الباب مفتوحاً، عن غير وعى، للاخوان المسلمين. والسؤال بعد ذلك: كيف حدث ذلك؟

مع بداية هذه الثورات فى 2011 كان الشعار السائد « الشعب يريد اسقاط النظام» لأنه كان عاجزاً عن توفير الخبز والكرامة والحرية، ودعت إلى تسييس الجيل الجديد بعد أن فشلت الأحزاب العربية عن إشعال هذه الثورات. إلا أن اللافت للانتباه أن حزب الاخوان المسلمين استولى على السلطة فى عام 2012، وأعلن أن الاسلام دين ودولة، وأن حزب البعث، سواء فى سوريا أو فى العراق، هو عميل للغرب المادى، وبعد ذلك اتجهت النخبة، من أمثال طارق البشرى ومَنْ سار على دربه، إلى تأييد الحكم الاسلامى فى مصر.إلا أن استيلاء الاخوان المسلمين على السلطة لم يكن بالأمر الميسور، إذ مارست تكتيكاً سياسياً يستند إلى الخبث والدهاء، ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار: ما الفارق بين الفاشية فى القرن العشرين على يد موسولينى والفاشية فى القرن الحادى والعشرين على يد الاخوان المسلمين؟

فى الحالة الأولى كانت الفاشية ضد الدول غير الفاشية، ومن ثم كانت الحرب محصورة بين الجيوش. أما فى الحالة الثانية فقد كانت الفاشية وما لازمها من ارهاب موجهة من قِبل ميليشيات مسلحة اسلامية أصولية. فى الحالة الأولى الضحية هى الجيوش المتحاربة وفى الحالة الثانية الضحية أفراد أبرياء أو تجمعات بريئة حُكم عليها بأن تُقتل من قبل تلك الميليشيات وباسم الله. ومن هنا نشأت مفارقة جديرة بأن تكون موضع حوار، وهى أن ثمة تياراً اسلامياً أصولياً منح نفسه حق القتل استناداً إلى تفويض من إله هو فى حاجة إلى تحليل فقهى أو لاهوتى من أجل معرفة هويته. وهنا يلزم التفرقة مسبقاً بين الله فى ذاته والله فى عقل الانسان. فالله فى عقل الانسان محكوم فى ادراكه بطبيعة هذا العقل وليس بمعزل عنه. وحيث إن هذا العقل نسبى فى تفكيره، بمعنى أنه عاجز عن ادراك الله كما هو فى ذاته، أى من حيث هو مطلق، فلا يحق لأحد الادعاء بأنه الوحيد القادر على قنص ذلك المطلق الذى هو الله. ولا أدل على ذلك من تعدد الرؤى لذلك الاله استناداً إلى تعدد الأديان. والقول بعكس ذلك ليس بالصحيح لأن من شأنه إلغاء هذه التعددية والاكتفاء باله واحد يكون خارج مجال العقل ويكون معادلاً موضوعياً لله فى ذاته. وهذا لن يتحقق إلا بإبطال إعمال العقل والاكتفاء بشعار واحد يرفعه الأصولى الارهابى فى وجه الآخرين وهو على النحو الآتى: هذا شرع الله والمطلوب تطبيقه والمعترض فإن مصيره القتل. والجدير بالتنويه هنا أن هذا القتل اتخذ طابعاً كوكبياً، ومن ثم أصبح الكل فى زنقة. وإذا كان هذا الكل هو المقيم على كوكب الأرض فيصبح هذا الكوكب ذاته فى زنقة.

والسؤال بعد ذلك: هل من الممكن إخراج الكوكب من زنقته؟

هذا ممكن إذا أصبح البشر على وعى بأن العقل عاجز عن قنص المطلق، وليس ممكناً إذا أصرت فئة من البشر على أن عقلها قادر على ذلك القنص. وفى هذه الحالة ليس أمام الفئات الأخرى سوى أحد أمرين: إما عزل تلك الفئة فى مكان ما حتى تنقرض وإما الترحال إلى كوكب آخر. وأظن أن الأمرين من صنع وضع قادم فهل فى الامكان استدعاؤه؟.

نقلا عن صحيفة الأهرام 

د. مراد وهبة يكتب:  رؤيتى «القرن الحادى والعشرين» «زنقة» كوكب الأرض

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq