الصباح العربي
الجمعة، 19 أبريل 2024 08:31 صـ
الصباح العربي

تحقيقات وتقارير

رحلة كسوة الكعبة من دمشق ومصر لبيت الله الحرام

الصباح العربي

سوداء من الحرير الطبيعي الخالص تسر الناظرين بخيوطها الذهبية اللامعة التي تشكل الآيات القرآنية المكتوبة بالزخارف الإسلامية، هكذا تبدو كسوة الكعبة المشرفة خلال هذه الأيام، ولكن سبق هذه الهيئة التي تظهر به الكسوة تاريخ طويل احتار المؤرخون في تحديد بدايته.

 

أول من كسا الكعبة

كانت البداية من عند سيدنا إسماعيل عليه السلام، هذه رواية من ضمن الروايات الكثيرة التي تشير إلى أن من قام بكساء الكعبة هو سيدنا إبراهيم، وهناك من يقول بأن الكسوة الأولى للكعبة تمت على يد عدنان أحد أجداد الرسول، محمد صلى الله عليه وسلم.

وذهب آخرون إلى أنه في الغالب هو الحميري ملك اليمن بعد أن زار مكة، مستدلين على أنه كساها بـ "الخصف" وهو ثوب من النوع الغليظ، ثم كساها بالملاء وهو ثوب رقيق من نسيج واحد، مستخدمًا الوصائل وهو ثوب من اللون الأحمر.

 

عهدة قريش

تناقلت القبائل صناعة كسوة الكعبة وتغييرها، إلى أن أسندت المهمة إلى جد النبي قصي بن كلاب، وقام حينها بجمع القبائل والاتفاق معهم بأن القبائل تتعاون فيما بينهم لعمل الكسوة، ظل الوضع هكذا إلى أن جاء أبو ربيعة عبد الله بن عمرو المخزومي، وهو تاجر ثري، فأشار على قريش أن يكسوا الكعبة سنة، وجميع قريش تكسوها سنة، وافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات المخزومي لتتولى قريش كسوة الكعبة، وفي هذه الأثناء نذرت سيدة تدعى نُتيلة بنت جناب، زوجة عبد المطلب وأم العباس، بأن تكسو هي الكعبة وحدها، وعندما عاد إليها ابنها الضائع، كانت أول امرأة في التاريخ كست الكعبة وحدها.

 

أيام الرسول والخلفاء الراشدين

ظلت مهمة إكساء الكعبة في يد قريش حتى بعد أن بعث سيدنا محمد بالرسالة، حتى مع فتح مكة بقيت الكسوة القديمة لم يستبدلها الرسول إلا بعد أن حرقت على يد سيدة كانت تسعى لتبخرة الكعبة، فكساها الرسول صلى الله عليه وسلم، بالثياب اليمانية.

ليكمل الخلفاء الراشدين المسيرة وأضحوا يكسون الكعبة بما تيسر لهم من خامات، فقد استخدام كلا من أبو بكر وعمر القباطي لكسائها، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية، ليكن عثمان أول رجل في الإسلام يضع على الكعبة كسوتين.

 

عهد الدولة الأموية

منذ بداية عهد الدولة الأموية وأصبحت كسوة الكعبة تصنع في دمشق، ويتم تغييرها مرتين سنويًا مرة في عاشوراء، والمرة الثانية في آخر شهر رمضان استعدادًا لعيد الفطر، وكانت تصنع من أجود أنواع القماش وأحسنها.

 

عهد الدولة العباسية

كان تطور مصر في ذلك الوقت في الحياكة والتطريز والصبغة والألوان سببًا في إسناد حكام الدولة العباسية مهمة حياكة كسوة الكعبة في مصر، على يد أمهر الصناع، لتصنع الكسوة من الحرير، حتى أنه في ذلك العصر بدأ الكتابة وكان يكتب الخلفاء أسمائهم عليها واسم البلد المصنعة، وفي أثناء حكم هارون الرشيد أمر بصنع الكسوة من طراز تونة سنة (190هـ) وكانت الكعبة تكسى مرتين.

أما الخليفة المأمون (206هـ)، فقد كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة المرة الأولى من الديباج الأحمر، وتكسى الكعبة بها يوم التروية، والمرة الثانية من القباطي وتكسى غرة رجب، أما الثالثة من الديباج الأبيض وهذه التي استحدثها المأمون يوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.

وعلى مدار الحكم الفاطمي والمملوكي كانت الكسوة تصنع في مصر، فقد رأى الحكام بأن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، ويذكر أحد المراجع التاريخية بأن ملك اليمن "المجاهد" في عام 751هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدا في الأغلال إلى القاهرة.

 

الدولة العثمانية

وبعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد أهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل.

وفي عهد السلطان سليمان القانونى خصص وقف سبع قري أخرى، لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة، وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.

وكانت رحلة المحمل تبدأ من مقر وزارة المالية داخل صناديق إلى "وكالة الست" بالجمالية وتنقل جزءًا من كسوة الكعبة من مصنعها بالخرنفش إلى المصطبة بميدان صلاح الدين، حيث الاحتفال الكبير المقام هناك كان والذي كان يعرف باسم "زفة المحمل" وسط التفاف الناس حوله.

 

تصنيع الكسوة فى مصر

توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام بين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية عام 1222 هجرية، ولكن عادة إلى مصر عام 1228 هجرية.

واستمرت الكسوة تصنع في مصر بشكل منتظم حتى عام 1962م/1381 هجرية، إلى أن وقع خلاف أدى إلى عودة الكسوة من ميناء جدة على متن إحدى البواخر، ومن وقتها وأصبحت السعودية تقوم هي بعمل الكسوة، وخصص مصنع لعملها خصيصًا حيث يمضي القائمون على صناعتها 9 شهور في تجهيزها ليتم تركيبها على الكعبة في وقفة عرفة من كل عام.

ومن أجل صناعة الكسوة تستورد المملكة السعودية 670 كيلو جرامًا من الحرير الخام من إيطاليا، وخيوط الفضة والذهب تحضرهم من ألمانيا.

رحلة كسوة الكعبة دمشق مصر لبيت الله الحرام

تحقيقات وتقارير

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq