احمد ابو الغيط : ظالم .. ام مظلوم ؟

لم يعجبنى يوما اداء احمد ابو الغيط وزير خارجية مصر في عهد المخلوع مبارك... فقد كان شاهدا بل ومشاركا فى دفن الدور المصرى فى العالم .. وحمله بهدوء ليرقد بسلام فى متحف التاريخ ... لم ينتفض ابو الغيط وهو يرى سياسة مصر الخارجية تنكمش وتتلاشى تاركة ارثها الكبير لتحتله دولة صغيرة ومتسلقة لا تكاد ترى على الخريطة مثل جزيرة قطر .. ولم يعجبنى ابو الغيط بل اثار شفقتى وهو يصف من سأله قبل 25 يناير 2011 عن امكانية قيام ثورة فى مصر على غرار ثورة تونس بانه " كلام سخيف " .. كان ابو الغيط نموذجا لدبلوماسية جوفاء كسيحة فقدت كل مقوماتها .. ولم يتبق منها غير التصريحات الانشائية والكلام البراق والمماحكات العقيمة .. باختصار شديد كان اداء ابو الغيط فى موقعه القيادى سخيفا .
كنت اعتقد ان الرجل – رغم دماثة اخلاقه وبشاشته وطهارة يده - فارغا من الداخل .. وانه تولى موقعه كقائد للدبلوماسية المصرية وفقا للطريقة البالية التى كان مبارك يختار بها رجاله .. وتتلخص فى شعار " المظهر الفخم والجوهر الفارغ " ليضمن الا يكون علي الساحة الا هو ونجله من بعده , وكنت اظن انه مما ضاعف ازمة ابو الغيط الحقيقية تتمثل فى انه جاء فى وقت لم ينسى فيه المصريون شخصية عمرو موسى وادائه الطاووسى .. الذى وان خلا بدوره من المضمون الا انه نجح في ان يملأ الدنيا ويشغل الناس طوال فترة وجوده على رأس الدبلوماسية المصرية .
حافظ ابو الغيط على جوهر اداء عمرو موسى الاجوف .. وهو اداء طبع مرحلة حسنى مبارك بالكامل – الا ان ابو الغيط زاد على عمرو موسى بافتقاده الشخصية الكاريزمية وفشلت كل محاولاته لملء الفراغ الذى تركه موسى فى فضاء الدبلوماسية المصرية .
غير ان قناعتى تغيرت قليلا بعدما طالعت مذكرات ابو الغيط التى اصدرها قبل عامين بعنوان " شهادتى " .. وشعرت لفترة ان الرجل ربما ظـُـلم قليلا .. وانه ليس بهذا القدر من السطحية التي بدت عليها دبلوماسيته عندما كان وزيرا لخارجية مصر .. وبدأت افكر فى انه ربما كانت مشكلته الكبرى انه جاء في الزمن الخطأ وان حالة الشيخوخة التى اتسم بهاعصر مبارك اصابته بالوهن والعجز واستغرقته حالة العشوائية التى استغرقت مصر كلها ولم يمتلك الجرأة التى امتلكها يوما وزير خارجية السادات ابراهيم كامل .. الذى واتته الشجاعة ليترك منصبه كوزير للخارجية لانه شعر ان السادات يمضى فى الطريق الخطأ بالتوقيع على معاهدة الصلح مع اسرائيل عام 1978 .
تركت الرجل .. ولم اعد مهتما بمتابعة اخباره .. واحترمت فيه انه لم يبحث لنفسه عن دور جديد يركب به موجة 30 يوليو .. او يتقرب للنظام الجديد عارضا خدماته بحجة المشاركة فى بناء الوطن كما فعل سواه .. غير انى تابعت بالصدفة حوار تليفزيونى له تحدث فيه عن رؤيته لما يحدث في اليمن وايران .. ويستعرض تصوره لدور مصر فى هذه المرحلة .. وفوجئت انه قارئ جيد للاحداث .. ولديه رؤية استراتيجية تستحق المتابعة .
تحدث الرجل عن ضرورة المشاركة المصرية في حرب اليمن وفند اعتراضات المعترضين وتطرق الى حدود وهدف المشاركة .. واستعرض الاختلاف بينها وبين المشاركة التعيسة عام 1962 ... وكان اهم ما قاله ان الحديث عن الدور المصرى الفاعل يستلزم ان نمارس هذا الدور ونحن نرتدى الخوذات والبيادات .. وليس ونحن " نستلقى على ظهورنا فى المكاتب وغرف النوم " ... وزاد ان السعودية كانت تدعم الحوثيين بالسلاح عام 1962 نكاية فى عبد الناصر .. اما الان فقد ادركت السعودية ان مصر لاغنى عنها لأمن واستقرار المنطقة بعد ان نفضت باكستان يديها مما يحدث ... وبعد ان خانتها تركيا وهرول رئيسها الممحون اردغان موجها طعنة فى الظهر للعرب بعقد اتفاق مع ملالى طهران يرفع التبادل التجارى بينهم الى 20 مليار دولار ... وليؤكد من جديد انه شخصية انتهازية لا تحركها الا اوهام السيطرة والتوسع .. وليس لها كلمة او عهد .
اعجبنى تحليل ابو الغيط ... واعجبنى اكثر الاحساس بقيمة مصر الذى تجلى فى كلماته ... اما ما اثار شهيتى للكتابة فهو ما قاله " بالفم المليان " وكأنه يقرأ من كتاب الغيب : مصر لم تنهزم فى اليمن رغم انها فقدت 10 الاف شهيد في الستينات .. ولن تنهزم فى اليمن عام 2015 وان شمسها سوف تشرق من جديد من داخل اليمن .
السيد احمد ابو الغيط : لا فض فوك .. ظلمك مبارك بضمك الى رجال عهده المشين .. وظلمت نفسك عندما اخلصت فى الترويج لبضاعته الفاسدة .. ولم لم يفعلها .. ولو لم تفعلها .. لخرج الملايين اليوم يطلبونك قائدا لدبلوماسية مصر فى عهدها الجديد .