الصباح العربي

في ذكرى رحيله.. غسان كنفاني انتصر للقلم وخضع لسطوة الحب

الأحد 8 يوليو 2018 02:27 مـ 24 شوال 1439 هـ
غسان كنفاني
غسان كنفاني

الشاب الذي استخدم أخطر سلاح لدى الصحفي و الروائي، ليطلق قلمه الرصاص على من اعتدوا على أرض الزيتون الطاهرة، العاشق بكل قوته، ليمزج حروف العربية من نسخ عقله المفكر، بالقلب الذي أدماه لهيب الاشتياق للوطن، و الحبيبة، فلا وجود للمساومات، و المبادىء ستظل واحدة، "غسان كنفاني" يا من تركت إرثًا ثقافيًا ثائرًا لن يتمكن من مضاهاته أحد، أيها الغريب الحاضر دائمًا على روحك السلام.

يصادف اليوم الأحد الموافق 8 – 7 – 2018، ذكرى استشهاد "غسان كنفاني"، فقبل 46 عامًا، تم اغتياله على يد الموساد الإسرائيلي فى بيروت 8 يوليو 1972، عن عمر ناهز 36 عامًا.

لم يُكمل كنفاني عقده الرابع، و لم ينفذ عمليات انتحارية، كما لم تلمس يداه البندقية، إلا أن قلمه كان كافيًا لإطلاق صواريخ الرعب في نفوس الآثمين، ليصبح هدفًا للموساد الإسرائيلي.

“إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغيرالقضية”

ولد غسان كنفاني في عكا، شمال فلسطين عرف ابن الثانية عشر معنى اللجوء، فاتجهت العائلة أولاً إلى لبنان ثم إلى سوريا، وهناك، نال شهادة الثانوية من مدارس دمشق عام 1952، ودخل قسم اللغة العربية في جامعتها، لكنه استمر لعامين فقط.

انضم كنفاني إلى حركة القوميين العرب عام 1953 ، تحت تأثير جورج حبش، وسافر للتدريس في الكويت عام 1955، وهناك كان إقباله على القراءة منقطع النظير، وعمل محررًا في إحدى صحفها، لتحمل مقالاته اسم "أبو العز"، وقد لفتت الأنظار كثيرًا.

وفي الكويت أيضًا كتب أول قصصه القصيرة "القميص المسروق" وعنها نال الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الأدبية.

انتقل كنفاني إلى بيروت عام 1960، فقد وجد فيها مجالاً رحبًا؛ حيث بدأ العمل في مجلة "الحرية"، كما كان يكتب مقالاً أسبوعيًا لجريدة المحرر البيروتية.

“لك شيء في هذا العالم.. فقم”

كان كنفاني الناطق الرسمي وعضو المكتب السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. لكنه أبى إلا أن يستنطق القلم، فأسس مجلةً ناطقةً باسمها حملت اسم “مجلة الهدف”، كما عمل في مجلة “الحرية” اللبنانية. وشغل رئاسة تحرير مجلة المحرر” اللبنانية أيضًا.

 

و عن موقفه من الحياة السياسية، قال: "إن حياتي السياسية نتجت عن كوني روائياً وليس العكس، لقد حاولت كتابة قصة شعبى الفلسطيني قبل أن تتبلور أمامى الرؤية السياسية، وقد رأيت أن هنالك شيئا ما ينقصنى إن لم أنخر في الحياة السياسية وأننى أتضاءل كثيرا إن لم أكن روائيا في نفس الوقت".

“لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة ”

"رجال في الشمس" كانت العمل الروائي الأول له، كتبها عام 1963 في بيروت، قدم فيها برمزية شديدة مأساة شعبه الذي أُخرج من أرض عقب النكبة عام 1948، ونشر "كنفانى" أكثر من ثمانية عشر كتابًا، وكتب مئات المقالات والدراسات فى الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني، فى أعقاب اغتياله تمت إعادة نشر جميع مؤلفاته، فى طبعات عديدة، وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت فى أربعة مجلدات، وترجمت معظم أعمال غسان الأدبية إلى سبع عشرة لغة ونشرت فى أكثر من 20 بلدًا، وتم إخراج بعضها فى أعمال مسرحية وبرامج إذاعية فى بلدان عربية وأجنبية عدة، واثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين، ولا تزال أعمال غسان كنفانى الأدبية التى كتبها بين عامى 1956 و1972 تحظى بأهمية متزايدة.

“المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل، وكذلك الرجل في عمر المرأة، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض.”

أُوفد كنفاني إلى يوغسلافيا لحضور مؤتمر طلابي، ومن بين المشاركين كان هنالك وفد دانماركي ضم معلمةً تأثرت بالقضية وسافرت إلى البلاد العربية؛ وفي بيروت طُلب منها مقابلة كنفاني، وبعد عشرة أيام على لقائهما، طلب الزواج منها، وتم له ذلك بتاريخ 19 أكتوبر 1961، أنجبا طفلين هما فائز وليلى.

"أنت من جلدي، وأحسك مثلما أحس فلسطين، ضياعها كارثة بلا أي بديل، وحبي شيء في صلب لحمي ودمي، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال"

رغم كونه متزوجًا، إلا أن كنفاني وقع في غرام الكاتبة والأديبة السورية غادة السمان، و تبادلا الرسائل التي سطرت أهم قصة قصة عشق في العصر الحديث، حرصت بطلتها على نشرها في كتاب "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" عام 1992، بالتزامن مع ذكرى اغتياله.

“ليــس المهـم أن يمـوت الإنســان، قبــل أن يحقــق فكــرته النبيلــة... بــل المهــم أن يجــد لنفســه فكـــرة نبيلــة قبــل أن يمــوت”

وفي صباح ذرف الدموع كان يوافق 8 – 7 – 1972، وفي الساعة العاشرة والنصف، انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله، مما أدى إلى وفاته مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 عاما) وكان ذلك ضربة موجهة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة بجميع فصائلها الوطنية.

المناضل للقضية، النموذج المثالي على مواجهة الظلم بقوة القلم، و ظلام جهل المغتصب بنور فكر صاحب الحق، العاشق، و الملهم، غسان كنفاني، الرمز الذي أحبه أجيالًا كافحت من أجل فلسطين، و عشقته أجيالًا أخرى لم تعاصره حتى، هو التأكيد على أن الروح تبقى للأبد، و فلسطين العربية باقية على أمد الدهر، و طالما هو في الذاكرة موجود فالإصرار لدى أبناء وطنه لن يغيب؛ فلهم شيء في هذا العالم.