مقالات ورأى

عبد المنعم سعيد يكتب : المحافظ والمحافظة والمحافظون

الصباح العربي

لم تكن واقعة أسئلة الرئيس السيسى لمحافظ القاهرة عن موارد العاصمة هى الواقعة الأولى من نوعها فى سؤال المحافظين، فقد سبقتها واقعة أخرى سأل فيها الرئيس المحافظ عن حال الطرق فى المحافظة مرتين وكانت الإجابتان فيهما الكثير عما كان يجرى أمام الجميع من افتتاح لمشروعات جديدة، وما سوف يكون فى المستقبل من خطط مشروعات، ولكن المحافظ فى كلتا الحالتين لم يجب عن السؤال المطروح عن حال الطرق فى محافظته، والتى علمنا فيما بعد من شاب أنها «متهالكة». والمرجح أن أسئلة من هذا النوع لو طرحت على الغالبية من المحافظين فإن الإجابة سوف تتراوح ما بين المراوحة والصمت ليس فقط لأن المحافظ لا يعرف الإجابة، وإنما لأن تقليد سؤال المسؤول العام ليس من التقاليد المصرية المعروفة فى تجاهل أمور مهمة. هو تقليد جديد لم تعرفه مصر إلا مع الرئيس السيسى فاتحا الباب لواحدة من أهم القضايا السياسية التى تعرفها، أو لا تعرفها، مصر، وربما يكون فتحها مقدمة لكثير من الخير لمسيرة التقدم المصرية. هو موضوع يليق بالعصر الذى تفتح فيه الملفات الصعبة والمسكوت عنها، إما لاعتقاد أنها مستحيلة الحل أو أن التوافق المصرى العام هو أن تبقى الأوضاع على ما هى عليه خشية آلام التعامل، أو الخوف أن ما سوف يأتى لن يكون أفضل مما ذهب. ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية كان فتحا شجاعا لموضوعات معقدة، لأنه لم يعد ممكنا أن نبقى تفكيرنا الدينى على ما هو عليه، وبات مستحيلا استمرار الاقتصاد المصرى قائما على خداع الذات، وأصبح عصيا البقاء فى أحضان النيل وقد بلغنا مائة مليون نسمة بينما نعيش فوق مليون كيلومتر مربع.

ما هى وظيفة المحافظ على وجه التحديد؟ وهل يمكن أن نعرف الوظيفة دون أن نعرف معنى المحافظة؟ لدينا ٢٧ محافظا ومحافظة، وقبل أعوام أضفنا محافظتين ثم جرى إلغاؤهما، لا كانت فى الحالتين إضافة أو نقصا. نقطة البداية أننا إزاء نوع من التقسيم الإدارى للبلاد، جاء تطورا طبيعيا للمديريات والمراكز التى كانت مهمتها هى القيام بوظائف البلدية التى تخص الأمن والنظافة والتطعيم والتجنيد وما شابه. الرئيس السادات، رحمه الله، كان له رأى آخر، هو أن المحافظ هو ممثل رئيس الجمهورية فى محافظته. أصبح المحافظ وزيرا من أصحاب المعالى تابعا لرئيس الدولة مباشرة، وساد الظن أنه سوف يقوم بذات المهام. فى واقع الأمر أن منصب المحافظ لم يتغير كثيرا عن مدير المديرية، فما لديه من موارد تخص النظافة والإعلانات ورسوم مواقف السيارات، ومع الزمن أضيف لها مهمة التحقق من الانضباط العام فى المدارس والمستشفيات والسير الحسن فى الطرق ودوران العمل فى المشروعات القومية. ربما يكون هناك ما هو أكثر أو أقل، ولكن فتح الموضوع على مصراعيه يفرض اجتهادا قوامه أن تكون وظيفة المحافظ هى تحقيق التنمية فى محافظته، والتنمية تقاس بالناتج المحلى والتنمية البشرية المقاسة بالدخل والتعليم والعمر المتوقع عند الميلاد ونوعية الحياة بشكل عام. أما المحافظة فهى كيان جغرافى من الوطن فيه أرض وماء ومواطنون وموارد ونفقات ومساهمة فى بناء وطن عزيز.

الأوضاع الحالية للمحافظ والمحافظات ليست على ذلك الحال الذى يجعل المحافظة وحدة من وحدات الوطن المنتجة للاقتصاد، وللبشر المتعلمين والأصحاء، فهذه المهمة كلها تدار من قبل الحكومة المركزية فى القاهرة عن طريق مديريات تابعة لها واقعة فى كل محافظة، وهذه هى التى تحصل على نصيب المحافظة من التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والنصيب من المشروعات القومية. تقرر القاهرة لقنا والمنوفية، والإسكندرية وأسوان، على بعد المسافة والبيئة بينهم، ما هو مناسب لهم، ثم يأتى لهم محافظ قادم من مهنة قليلة العلاقة بالتنمية، وعلى الأرجح قليل المعرفة بالمحافظة التى سوف يصبح مسؤولا عنها، لكى يحقق معجزات لم يتوفر له إلهامها، وينجز منجزات لم تتوفر له مواردها. فتح الموضوع الصعب يعنى التنمية المحلية للتقسيمات الجغرافية بكل ما يعنيه ذلك من موارد وسلطات ومطالبات وطنية وواجبات قومية. وخلال المرحلة الانتقالية التى سوف تستلزم الكثير من القوانين واللوائح الحديدة، لربما يكون مفيدا عقد دورات للمحافظين حول ما يمكن عمله فى مجالات مثل الاستثمار الخاص أو العمل الأهلى، أو مراقبة مؤشرات التنمية البشرية، وربما فحص المحافظة بما فيها من بشر وحجر، وتنمية العلاقة بينها وبين أبنائها فى الخارج، وتحريك ما لديها من مراكز للشباب وقصور للثقافة. هناك الكثير الذى يمكن عمله حتى نفتح الملف الكبير على مصراعيه.