تكنولوجيا

هل هواتف وشبكات 5G مضرة بالصحة: كل ما تحتاج إلى معرفته

الصباح العربي

جاءت شبكات الجيل الخامس 5G، ومعها وعود بسرعات فائقة، وقدرة على تشغيل تقنيات جديدة، مثل: السيارات الذاتية القيادة، وتجارب الواقع المعزز والواقع الافتراضي المتقدمة. ولكن مع كل ما ستقدمه لنا التقنية الجديدة، يبقى هناك قلق يساور كثيرين، وهو: ماذا ستفعله هي بنا؟

هناك مخاوف من أن الطيف العالي التردد المعروف باسم (أطوال الموجات الميلليمترية) المستخدمة في عمليات النشر المبكرة لجعل تقنية الجيل الخامس 5G حقيقة واقعة يمكن أن يشكل خطرًا على صحة الناس، مما دفع الحكومة البلجيكية في شهر نيسان/ أبريل الماضي إلى إيقاف اختبار شبكات 5G في بروكسل؛ بسبب مخاوف من أن الإشعاعات الصادرة عن المحطات الأساسية قد تكون ضارة.

وفي دول أخرى، مثل: هولندا، دعا أعضاء البرلمان الحكومة إلى إلقاء نظرة فاحصة على شبكات الجيل الخامس. كما اتخذت سويسرا خطوات لرصد تأثير التقنية على الناس. وفي الولايات المتحدة أبدى قادة في الكونجرس المخاوف ذاتها، وأوقفت مدينة في ولاية كاليفورنيا نشر التقنية.

ومع هذا، فإن هذه الأنواع من المخاوف ليست جديدة. فقد أبدى المستهلكون قلقًا لسنوات بشأن الآثار الصحية المحتملة للإشعاع في كل شيء، بدءًا من أجهزة المايكرويف إلى الهواتف المحمولة، مدفوعين بادعاءات أن موجات الهواء اللاسلكية تسبب سرطان الدماغ، وتقليل الخصوبة، والصداع عند الأطفال، وأمراض أخرى.

والآن، يثير نشر شبكات الجيل الخامس الجديدة – التي تتطلب نشر عدد أكبر من الأبراج الخلوية الصغيرة بالقرب من أماكن العيش، والعمل، والذهاب إلى المدرسة – هذه المخاوف. وقد بدأ المشرعون وواضعو السياسات في جميع أنحاء العالم الاستعداد للتقنية.

وقالت (إدارة الغذاء والدواء) FDA، و(هيئة الاتصالات الفيدرالية) FCC الأمريكيتان: إنه لا يوجد شيء يدعو للقلق، إذ لم تجد الدراسات صلة بين ترددات الراديو من الهواتف المحمولة، أو الأبراج الخلوية، والمرض. ولكن في عام 2011، قالت منظمة الصحة العالمية: إن الهواتف المحمولة قد تسبب بعض أنواع سرطان الدماغ، مما يترك احتمال وجود صلة بين السرطان وإشعاع الهاتف المحمول.

ويقول النقاد: إن سلامة استخدام الطول الموجي الميليمتري لتقنية الجيل الخامس لم يُختبر، وهناك حاجة إلى مزيد من المعلومات قبل أن تنشر الولايات المتحدة وبقية العالم الشبكات الجديدة. وتعرضت (هيئة الاتصالات الفيدرالية) لانتقادات لعدم تحديثها معايير السلامة للهواتف المحمولة منذ عام 1996.

ويقول النقاد أيضًا: إنه يجب مراجعة المستويات بناءً على أحدث التقنيات اللاسلكية. وتستخدم FCC قيمة تُعرف باسم (معدل الامتصاص المحدد)؛ لتحديد إمكانية بيع الأجهزة بأمان في الولايات المتحدة. ويقيس (معدل الامتصاص المحدد) مقدار الطاقة التي يمتصها الجسم لكل كتلة معينة. وفي شهر آذار/ مارس الماضي، أوصت المجموعة الهندسية IEEE بأن تظل مستويات السلامة على حالها، كما كانت منذ عام 1996.

 

ما المشكلة مع الإشارات الخلوية؟

يُعرّف الإشعاع بأنه انبعاث الطاقة من أي مصدر، وهذا يشمل حتى الحرارة التي تأتي من جسمك. لكن بعض أشكال الإشعاع يمكن أن تُمرضك.

ويمكننا تنظيم أنواع الإشعاع حسب مستويات قوتها على الطيف الكهرومغناطيسي. لذا فإن الأطوال الموجية الكبرى ذات التردد المنخفض تكون أقل قوة، في حين تكون الأطوال الموجية الصغرى في الترددات الأعلى أقوى. ينقسم هذا الطيف إلى فئتين مختلفتين: المؤينة وغير المؤينة.

وتعد الإشعاعات المؤينة – التي تشمل الأشعة فوق البنفسجية، والأشعة السينية، وأشعة جاما – من الأشكال الضارة. ويمكن للطاقة الناتجة عن الإشعاعات المؤينة أن تتفكك الذرات، ومن المعروف أن تَكسُّر الروابط الكيميائية في الحمض النووي يمكن أن يلحق الضرر بالخلايا، ويسبب السرطان. ولهذا السبب تحذر إدارة الأغذية والعقاقير من وجود أشعة سينية غير ضرورية. وهذا هو السبب في أن التعرض لأشعة الشمس يمكن أن يسبب سرطان الجلد.

أما الإشعاعات غير المؤينة فلها ترددات أقل، وأطوال موجية أكبر، ولا تنتج طاقة كافية لتفكيك الروابط الكيميائية للحمض النووي. ومن الأمثلة على ذلك: ترددات الراديو، أو الإشعاع اللاسلكي، مثل: راديو FM، وإشارات التلفاز، والهواتف المحمولة، التي تستخدم شبكات الجيلين الثالث، والرابع الحاليين.

أما إشعاع الطول الموجي الميليمتري – الذي يعد أحد الكتل الرئيسية للطيف الذي ستستخدمه خدمة 5G – غير مؤين؛ كما هو الحال بالنسبة للضوء المرئي، ولا ينتج نوع الطاقة الذي يضر الخلايا مباشرةً. وتستخدم الأجهزة الشائعة، مثل: أجهزة توجيه (رواتر واي فاي)، والماسحات الضوئية لأمن المطار، وأجهزة الاتصال اللاسلكي، أمواجًا ميكروية منخفضة التردد.

 

هل هذا يعني أن إشعاع الهاتف المحمول لا يسبب السرطان؟

إن الأمر أكثر تعقيدًا مما يُظن، إذ يشتبه بعض الخبراء في أن الإشعاع الناتج عن هذه الأجهزة يمكن أن يُلحق الضرر بالخلايا عبر آلية بيولوجية أخرى، مثل الإجهاد التأكسدي في الخلايا، مما يؤدي إلى الالتهاب، وقد وجد أنه يسبب السرطان، والسكري، وأمراض القلب، والأوعية الدموية، والعصبية، والرئوية.

ومن بين آلاف الدراسات التي أُجريت على مدى العقدين الماضيين، كانت النتائج مختلطة. فلم تَجدْ معظم الدراسات المنشورة حتى الآن – بشأن استخدام خدمة الهاتف المحمول التقليدية، في نطاق الترددات اللاسلكية – رابطًا مع تطور الأورام، وفقًا لجمعية السرطان الأمريكية. لكن المجموعة تعترف بأن غالبية هذه الدراسات مقيدة بقيود كبيرة، الأمر الذي يترك بعض الشك.

ومع ذلك، لم تصنف (وكالة حماية البيئة) ولا (البرنامج الوطني لعلم السموم) إشعاع الترددات اللاسلكية رسميًا على أنه سبب للإصابة بالسرطان. ولكن في عام 2011 صنفت (الوكالة الدولية لأبحاث السرطان) التابعة لمنظمة الصحة العالمية إشعاع الترددات اللاسلكية على أنه “قد يسبب السرطان للإنسان”، بعد أن أشارت الدراسات إلى وجود ارتباطات بنوع معين من أورام المخ. لكن الوكالة اعترفت أيضًا بأن الأدلة محدودة.

ونتيجةً لذلك، لم تستطع اللجنة أن تؤكد على وجه اليقين أن الهواتف المحمولة آمنة، لكنها أيضًا لم تستطع أن تقول إنها غير آمنة. ويقول الخبراء: إنه من الواجب إجراء المزيد من الأبحاث العالية الجودة بشأن كيفية تسبب الإشعاعات غير المؤينة، مثل: الترددات اللاسلكية، في حدوث تغييرات في الخلايا.

وفي العام الماضي، نشر (البرنامج الوطني لعلم السموم) أيضًا النتائج النهائية لدراسته التي استمرت عشر سنوات على الفئران، والتي وجدت صلة بين التعرض لمستويات عالية من إشعاع الهواتف المحمولة من الجيل الثاني والجيل الثالث، وأورام القلب السرطانية لدى الفئران الذكور. ووجدت الدراسة أيضًا أن الفئران التي تعرضت للإشعاعات عاشت أكثر من الفئران التي لم تتعرض لأي إشعاع.

ونبّه الباحثون المشاركون في الدراسات إلى أن مستويات التعرض للإشعاع الخاصة بالفئران لا يمكن مقارنتها بالتعرض الذي يتعرض له البشر، إذ تعرضت الفئران لإشعاع لاسلكي عبر أجسامهم بأكملها، بمستويات شدة أعلى بأربع مرات من المسموح به للهواتف المحمولة. وفي الوقت نفسه، يكون تعرض الإنسان لإشعاع (التردد الراديوي) محددًا في الرأس ويكون بمستويات طاقة منخفضة.

وأقر هؤلاء الباحثون أيضًا بأن هذه الدراسات لا يمكنها أن تخبرنا كثيرًا عن تأثيرات الجيل الخامس. وقال (مايكل وايد) – كبير علماء السموم – في الدراسات: “إن الجيل الخامس لا تزال تقنية ناشئة لم تُحدد بعد”. وأضاف: “مما نفهمه حاليًا، فمن المحتمل أن تختلف اختلافًا كبيرًا عما درسناه”.

ويؤكد القائمون على قطاع الهواتف على أنه لا توجد تأثيرات ضارة من إشعاع الهاتف المحمول، بما في ذلك: شبكات الجيل الخامس. وقالت (رابطة صناعة الاتصالات اللاسلكية) CTIA في بيان: “لم تُظهر طاقة الترددات الراديوية من الأجهزة والشبكات اللاسلكية، بما في ذلك: 5G، أنها تسبب مشكلات صحية، وفقًا لإجماع المجتمع العلمي الدولي”.

 

ماذا يقول الناشطون؟

يشير الناشطون إلى الأبحاث التي يقولون إنها تُظهر أن إشعاعات الهواتف المحمولة تؤثر على صحة الإنسان، ويريدون إيقاف عمليات نشر 5G حتى يمكن تحديد سلامة هذه الأجهزة.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات الأخرى عبر الإنترنت بالمخاوف ذاتها. وهناك أيضًا الكثير من الحديث في هذه المنتديات بشأن محاولة صناعة الهواتف إخفاء البيانات المتعلقة بأخطار إشعاع الهواتف المحمولة. ويقول المشاركون في تلك المنتديات: إن الأساليب الخادعة نفسها التي تستخدمها صناعة التبغ لإخفاء مخاطر تدخين السجائر؛ تستخدمها صناعة الشبكات.

 

ماذا يقول العلم؟

يقول خبراء مثل (كينيث فوستر) – أستاذ الهندسة الحيوية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية – الذي كان يدرس الآثار الصحية لطاقة الترددات الراديوية منذ ما يقرب من 50 عامًا: إن الناشطين الرافضين لنشر شبكات الجيل الخامس ينتقون من الدراسات ما يدعم وجهات نظرهم، مع تجاهل البحوث الأخرى التي تناقض، أو لا تجد أي صلة بين إشعاع الهاتف المحمول، والمخاطر الصحية.

ويعترف فوستر – الذي يشارك في لجنة معايير معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE لوضع حدود التعرض للترددات الراديوية  – بأنه على عكس مستويات إشعاع الجيل الثالث والجيل الرابع – التي دُرست على مدى ما لا يقل عن عقدين؛ لا يوجد الكثير من الأبحاث بشأن الآثار البيولوجية لاستخدام الطول الموجي الميلليمتري لخدمة الجيل الخامس.

 

إذن؛ هل خدمة الجيل الخامس 5G آمنة؟

وفقًا لوكالات الخبراء والدراسات التي أُجريت حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن الموجات الميلليمترية لشبكات الجيل الخامس 5G تشكل خطرًا كبيرًا على الصحة. لكن معظم الخبراء يقولون: إن هناك حاجة إلى مزيد من البحوث الجيدة.

وقال فوستر: “يبدو أن الجميع – بمن فيهم أنا – يدعون إلى إجراء مزيد من الأبحاث بشأن التأثيرات البيولوجية المحتملة لخدمة الجيل الخامس”. وأضاف: “لكن ما لا نحتاج إليه هو المزيد من التصيد والانتقاء. نحتاج إلى مزيد من المراجعات المنهجية للبحوث الحالية، وإلى المزيد من الدراسات الجيدة التي تركز على النقاط النهائية المتعلقة بالصحة”.

هواتف وشبكات 5G مضرة بالصحة: ما تحتاج معرفته