تحقيقات وتقارير

فيروس كورونا.. هل سيتحول إلى داء عالمي؟

الصباح العربي

وسط انتشار الأنباء عن فيروس ”كورونا“ الجديد الذي تفشى في مدينة ووهان الصينية، وظهور حالات في عدة دول أخرى، يتساءل العالم عما إذا كان الفيروس سيتحول إلى وباء عالمي.

عاملان يفسران سبب القلق من ظهور أحد الأمراض المعدية الجديدة، الأول هو أنه ينتشر على نطاق واسع في البداية، فمع تحول عشرات الحالات إلى مئات وآلاف، تسببت هذه الأعداد في انتشار التكهنات حول انهيار الرعاية الصحية والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية وانتشار الوباء المميت.

ويتمثل العامل الآخر في حالة عدم اليقين العميق تجاه الفيروس، فالبيانات الشحيحة والتقارير المتضاربة تعني أنه لا يمكن للعلماء استبعاد أسوأ سيناريو، مما يمهد الطريق لانتشار المعلومات الخاطئة.

ووفقا لمجلة ”الإيكونومست“، ما يحدث مع فيروس كورونا الجديد، والذي يعرف باسم 2019-ncov، ارتفع عدد الحالات المبلغ عنها من 282 في 20 يناير الماضي إلى ما يقرب من 7800 بعد 9 أيام فقط، وفي تلك الفترة تضاعف عدد الحالات التي ظهرت خارج البر الرئيس للصين من 4 إلى 105 في 19 مقاطعة.

ويعمل الشك على تشويش الخصائص الأساسية للمرض، بما في ذلك كيفية انتقاله ونسبة الوفيات بين المصابين، ووسط حالة عدم اليقين، قدمت جامعة ”جونز هوبكنز“ في أكتوبر الماضي محاكاة لتفشي فيروس كورونا، والتي تضمنت فقد 65 مليون شخص لحياتهم.

ومع ذلك تتضمن الأسئلة الصحيحة ما إذا كان الفيروس الجديد سيصبح وباءً عالميا؟ وإلى أي مدى سيكون مميتا؟ وهناك إجابة محددة على بعد أسابيع أو شهور، ولكن على سلطات الصحة العامة أن تخطط اليوم، فأفضل تخمين هو أن المرض قد انتشر في الصين، وهناك خطر كبير في أن ينتشر في جميع أنحاء العالم، كما يمكن أن يصبح عدوى موسمية متكررة، ولكن من الممكن أيضا أن يكون مثل الأنفلونزا الموسمية، وعلى المدى القصير سيضر ذلك بالاقتصاد العالمي، واعتمادًا على كيفية التعامل مع انتشار المرض، قد تكون له أيضًا آثار سياسية في الصين.

بدأ تفشي المرض في ديسمبر الماضي، إذ يرجح الاختلاط المتكرر للأشخاص والحيوانات في الصين تطور الطفرات الفيروسية التي تصيب البشر، كما سهلت الهجرة الجماعية إلى المدن انتشار الفيروس بين الناس.

ويعتقد بعض العلماء أن هذا الفيروس قد نشأ في الخفافيش قبل الانتقال إلى الثدييات مثل ”زباد النخيل الآسيوي“، وانتهي به المطاف في سوق ”ووهان“ الرطب، حيث كانت الحيوانات البرية معروضة للبيع.

تشبه أعراض فيروس ”كورونا“ الجديد الأنفلونزا، ولكنها قد تشمل الالتهاب الرئوي، والذي قد يكون قاتلاً، وحوالي 20 % من الحالات المبلغ عنها شديدة وتحتاج إلى رعاية في المستشفى؛ وحوالي 2 % منها كانت قاتلة، وحتى الآن، لا يوجد لقاح أو علاج مضاد للفيروس.

ويعتبر أكبر مصدر لعدم اليقين هو عدد الحالات التي لم يتم تسجيلها، فالرعاية الصحية الأولية بدائية في الصين وبعض المرضى تم تجنبهم أو رفضتهم المستشفيات المزدحمة، كثير منهم قد يكون لديه أعراض خفيفة لدرجة أنهم لا يدركون أنهم مصابون بالمرض.

وتشير توقعات الأكاديميين في هونغ كونغ إلى أنه حتى يوم 25 يناير الماضي، أصيب بالفعل عشرات الآلاف من الناس وأن الوباء سيصل إلى ذروته في غضون بضعة أشهر، وإذا صحت هذه التقديرات، فإن الفيروس أكثر انتشارا مما كان متوقعا سابقا، وبالتالي سيكون من الصعب احتواؤه داخل الصين.

إلا أن ذلك يعني أيضا أنه أقل فتكا، لأن عدد الوفيات يجب أن يقاس مقابل قاعدة أكبر بكثير من العدوى، وكما هو الحال مع الأنفلونزا، يمكن أن يموت الكثير من الناس، ففي 2017 و2018، شهد موسم الإنفلونزا السيء انتشار العدوى إلى 45 مليون أمريكي، ووفاة 61 ألفا منهم.

بدأ العلماء العمل على اللقاحات والعلاجات لجعل العدوى أقل حدة، ولكن هذه العلاجات على بُعد ما بين 6 إلى 12 شهرًا، لذا يجب على العالم أن يعتمد على تدابير الصحة العامة، وفي الصين أدى ذلك إلى أكبر حجر صحي في التاريخ، حيث تم إغلاق ووهان وبقية مقاطعة هوبي، وكان تأثير هذه التدابير واضحا في جميع أنحاء الصين، فقد تم تمديد عطلة الربيع، مما أبقى المدارس والشركات مغلقة، وبات الاقتصاد يعتمد على تسليم الأغذية والسلع إلى المنزل.

ويشيد العديد من الخبراء بجهود الصين، ومن المؤكد أن علماءها قد تعاملوا مع فيروس ووهان بشكل أفضل من السارس في عام 2003، فسرعان ما اكتشفوه وحللوا جيناته وطوروا اختبارات لكشفه وأبلغوا الهيئات الدولية.

إلا أن الوضع لم يكن جيدا للسياسيين في الصين، إذ سُلط الضوء على تجاهلهم للأسواق الضيقة المليئة بالحيوانات البرية التي ولدت السارس، ومع ظهور الفيروس الجديد، قلل المسؤولون المحليون في ووهان من خطر الوباء حتى تفشى، ثم طبقوا الحجر الصحي بعد 8 ساعات من إعلانه، مما سمح لحوالي مليون شخص بمغادرة المدينة.

وربما يكون ذلك قد قوض إجراء كانت تكلفته كبيرة على الاقتصاد الصيني، فقد ينخفض نمو الصين في الربع الأول من العام الجاري من 6 إلى 2%. وبما أن الصين تمثل نحو خمس الإنتاج العالمي، فمن المحتمل أن يكون هناك تأثير ملحوظ على النمو العالمي. على الرغم من أن الاقتصاد سيتعافى عندما يتلاشى الفيروس، إلا أن سمعة الحزب الشيوعي وحتى الزعيم الصيني ”شي جين بينغ“ قد تتأثر بشكل دائم، إذ يدعي الحزب أنه مسلح بالعلم، فهو أكثر كفاءة في الحكم من الديمقراطيات، إلا أن الفشل الخطير في احتواء الفيروس يشير إلى عكس ذلك.

وخارج الصين، لا يمكن تصور مثل هذه الحجر الصحي، وتعتمد التكلفة الطبية والاقتصادية على إبطاء الحكومات لانتشار المرض من خلال عزل الحالات بمجرد اكتشافها وتعقب كل من تعامل المصابين وحجرهم.

وإذا توقف المرض عن الانتشار في الصين، فقد يوقف ذلك الوباء، ولكن إذا لم يكن ذلك كافيا، فيمكنهم إغلاق المدارس ومنع السفر والسعي إلى إلغاء الأحداث العامة، وتوفير الوقت بهذه الطريقة له مزايا حتى لو لم يوقف المرض تماما، إذ سيكون لدى أنظمة الرعاية الصحية فرصة أكبر للاستعداد وإفراغ الأسرة المليئة الآن بمرضى الأنفلونزا الموسمية.

وعلى الرغم من كل هذه الجهود، لا يزال الوباء شديدا. وبعض الأنظمة الصحية، في أفريقيا والأحياء الفقيرة في مدن آسيا الكبرى، لن تكون قادرة على عزل المرضى وتتبع من يتعامل معهم، ويعتمد الكثير من هذه التطورات على ما إذا كان الأشخاص معديين عندما تكون أعراضهم خفيفة أو قبل ظهور أي منها على الإطلاق، كما تشير بعض التقارير، إلى أنه من الصعب تحديد هؤلاء الأشخاص. وكذلك حول ما إذا كان الفيروس قادرا على التحول وأكثر فتكا.

هذا ويذكر أن العالم لم يسبق وأن استجاب لمرض ما بنفس السرعة التي اعتمدها في التعامل مع فيروس كورونا الجديد، ومع ذلك، قد يسبب الفيروس أضرارا جسيمة، ومع تعدي البشر على الموائل الجديدة، واستئناس المزيد من الحيوانات، والتجمع في المدن المزدحمة، والسفر وتسخين الكوكب، ستصبح الأمراض الجديدة أكثر شيوعًا.

وأحد التقديرات يحدد كلفة التعامل مع الأمراض الجديدة بـ 60 مليار دولار في السنة، فمع ظهور سارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وهينيبا وزيكا وأنفلونزا الخنازير المكسيكية، يعتبر فيروس كورونا الجديد آخر فيروس وليس الأخير.

فيروس كورونا سيتحول داء عالمي