مقالات ورأى

يوسف القعيد يكتب: بالعمل نقهر التوتر

الصباح العربي

نزلت من بيتى بمدينة نصر، ذاهباً لمجلس النواب، وكانت المفاجأة التى تنتظرنى فى الأوتوستراد مفرحة. فوجئت بدولاب العمل تم استئنافه فى أربعة مشروعات لإنشاء كبارى على الأوتوستراد. وهذا ما لم أكن أتوقعه. كان الزحام رهيباً. ذكرنى بالأيام العادية التى تمتلئ فيها شوارع القاهرة بالسيارات. ويتحول الشارع لموقف طويل.

دُهِشتُ ولم أصدق ما أراه. وعندما وصلت إلى الكوبرى العلوى الأول الذى يتم تشييده ووقفت عنده. كان العمال قد استأنفوا العمل فى الكبارى العلوية والوصلات الجديدة التى تربط الأوتوستراد بالشوارع المتقاطعة معه.

أوناش وأصوات عمل وضجة وحماس. ولأن التحرك فى الأوتوستراد كان أبطأ من البطء. سألت من يعملون بالقرب منى عن الحكاية. كنت أعرف منذ أن بدأ الوباء وفُرِض حظر التجوال أن هذه المشروعات قد توقف العمل فيها لحين الانتهاء من محاصرة الوباء والانتصار عليه. فالمصريون لم يدخلوا معركة إلا وكان النصر حليفهم.

سألت عن الحكاية. قال لى من سألته، وكان الكلام يتناوب مع العمل: نحن ننفذ ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى. عندما أشار إلى أهمية استئناف العمل فى المشروعات التى توقفت. مع أخذ أكبر قدر من الحيطة والحذر. العمل مطلوب الاستمرار فيه. ولكن حياة المصرى لا بد أن تصان وأن تكون أغلى من أى إنجاز يمكن أن يتم.

لم يكتف الرئيس بما قاله. ولكنه طلب من الحكومة استئناف العمل فى المشروعات التى كانت قد بدأت قبل أن يدهمنا الوباء. طبعاً مواجهة الوباء التى تعاملت بها مصر باعتبارها قضية أمن قومى لا تعنى تأجيل مشروعات البناء والتنمية التى كانت قد بدأت. والبدء فى مشروعات جديدة إن كان هذا ممكناً. فهو مطلب من مطالب المصريين. ولا بد أن يعمل الجميع فى نفس الوقت كل فى موقعه وحسب دوره.

أدى استئناف العمل استجابة لنداء الرئيس إلى حالة من البهجة والحبور. وقف الناس على الجانبين يشاهدون ما يتم. فحدث ارتباك مرورى. وارتباكات المرور تثير أعصاب أصحاب السيارات والمشاة الذين يعبرون الطريق. ومع هذا لم أشعر بضيق الناس من استئناف العمل. بل بدوا كأنهم فى عيد.

صدقونى أننى ولأول مرة، ولا أحب أن تكون الأخيرة. لم أسمع صوت كلكس وحيد. ولم يتناه إلى سمعى التذمر الذى يبديه سواء السائقون أو المشاة. كتعبير عن رفض السير ببطء الذى لم يعمل له أحد حساب. وربما أثر على مواعيده وارتباطاته. إنه شعب مصر الذى يُعَبِّرْ عن معدنه الأصيل دائماً وأبداً.

خصوصاً بعد أن دهمنا هذا الطارئ غير المرغوب فيه الذى سميناه الوباء أو الجائحة. ورغم خطورة الوباء وأعداد الشهداء والمصابين. إلا أننى اكتشفت من جديد - ليس للمرة الأولى ولن تكون الأخيرة - معدن هؤلاء الناس الذى يحب كل منهم مصر على طريقته الخاصة. وبعيداً عن الكلمات الكبيرة يُعبِّر عن معدنه بالأفعال وليس بالأقوال.

جعلنى ما شاهدته أعود لذكريات بناء السد العالى فى ستينيات القرن الماضى. عندما حولنا البناء إلى أغان ومسلسلات وأفلام. أما الآن فاكتفينا بالعمل فقط. ليتنا نُعبِّر عما نقوم به من أجل ذاكرة التاريخ.

نقلا عن اخبار اليوم

يوسف القعيد يكتب بالعمل نقهر التوتر