مقالات ورأى

كرم جبر يكتب: «سر البقاء !»

الصباح العربي

إذا سألت مصريًا عن العلامات التى تميز المسلم عن القبطى، فلن يعرف الإجابة، فملابسنا واحدة وأشكالنا واحدة ونسكن متجاورين، وتجمعنا نفس العادات والتقاليد، ونحترم المشاعر الدينية ونجامل بعضنا فى الأفراح، ونتشارك فى الأحزان، ويربط المسلم بالقبطى ميراث تاريخى عريق من تفاهمات الحياة، التى تجعلهم دائمًا يرتفعون فوق أى خلاف.

إذا سألت مسلمًا عن مذهبه فلن يعرف الإجابة، وكل المصريين إلا قليلًا لا يعرفون الفرق بين السنّة والشيعة مثلًا، ويجمعهم أذان واحد ويصلون خلف إمام واحد، ومساجدهم واحدة لها نفس الشعائر، ويعشقون آل البيت ويقدسون الصحابة، ولم يحدث على مدى التاريخ أن وقعت بينهم حروب دينية، وعندما أرادت الجماعة الإرهابية ورئيسها المعزول، أن يُدخلوا فى مصر نوعًا من الصراع الدينى بين السنّة والشيعة، لفظهم المصريون وأسقطوهم من فوق كرسى الحكم، فلم تكن مصر هكذا ولن تكون.

منح الله مصر نعمة تلاحم النسيج الشعبى التى يجب الحفاظ عليها، والتمسك بها وعدم السماح باختراق قانونها الراسخ فى وجدان الأمة، وانعكس فى أسلوب حياة هادئة توحد المصريين فى الشدائد والأزمات، وتجعلهم روحًا واحدة فى جسد واحد، كما تقول الحكمة الفرعونية القديمة، ضد كل صنوف الصراعات القبلية والمذهبية والعرقية والدينية، التى مزقت دولًا وأفنت شعوبًا.

النيل الذى تجرى مياهه فى عروقنا، جعلنا شعبًا متجانسًا فى طباعه، متسامحًا فى حياته، فقد وحدهم المجرى حوله، ولم يتشتتوا فى الصحراء جماعات وقبائل، ولم يتحاربوا من أجل نقطة مياه، فلديهم كل الخير والخضرة والنماء، واكتسبوا تجانسًا وانسجامًا وتعاونًا وسلامًا، ولم يحدث على مدى التاريخ، أن دخل المصريون حروبًا ضد بعضهم البعض، كما فى معظم الدول والشعوب، وكانت حروبهم ضد أعدائهم والغزاة، صونًا للاستقلال والكرامة والعزة، وحفاظًا على وحدة التراب الوطنى.

جيش مصر هو المنقذ الذى تنشق عنه الأرض فى المحن والأزمات، فيحمى البلاد ويصون الاستقلال ويحفظ أمن المصريين وسلامتهم، وترسخ هذا المفهوم ثبوت الجبال، بعد 25 يناير وما تلاها من أحداث صاخبة، حدث مثلها فى دول مجاورة، فمزقتها وأوقعتها فى أتون صراعات مهلكة، أما مصر فقد خرجت من المحنة سالمة، بأقل قدر من الخسائر، بفضل جيشها الذى حمى نفسه وأنقذ البلاد من الانهيار، وشكل حائط صد للذود عن سلطات الدولة الأخرى كالقضاء والشرطة.

ومن سلطات الدولة التى تحفظ هيبتها وقوتها أجهزة الأمن، بالمفهوم الحرفى لكلمة «أمن».. الشرطة التى تعلى راية القانون وتصون حقوق الإنسان، لا تظلم ولا تتجبر ولا تنتهك، وترتدى فوق قبضة القانون الحديدية قفازًا حريريًا حتى لا تؤلم ولا تجرح، وتحترم روح القانون قبل نصوصه.. الشرطة التى بحثنا عنها بعد 25 يناير، بعد أن ساد الخوف وانتشر المجرمون والبلطجية والعصابات، فنهبوا بيوت الناس وانتهكوا الأعراض وسرقوا السيارات.. الشرطة التى تحفظ هيبة الدولة هى التى تصون كرامة الشعب وتحميه من الخوف.

نقلا عن اخبار اليوم

كرم جبر يكتب سر البقاء