فن وثقافة

فـــــتـــــاة الــمــعــــادي ... دكتور أحمد الخميسي

الصباح العربي

جاء في تقرير النيابة أنها انتقلت لمناظرة جثمان فتاة قتيلة في المعادي فلم تجد النيابة سوى: " آثار دماء ملطخة بالرمال قرب إحدى السيارات". بقايا دماء ملطخة بالرمال هذا كل ما تبقى من شابة جميلة هي مريم ، لم تتجاوز الرابعة والعشرين، تعمل في أحد البنوك، مخطوبة، وتستعد للزواج، فلم يبق منها سوى " بقايا دماء ملطخة بالرمال"، بعد أن خرجت مع صديقة لها يوم الثلاثاء 13 أكتوبر، ومشيتا تثرثران حول أحلام الفتيات العذبة، فإذا بإذا بسيارة ميكروباص بيضاء اللون، بلوحة معدنية مطموسة المعالم، يستقلها اثنان، تأتي من الخلف، ويمد المرافق الجالس بجوار السائق يده لينتزع حقيبة مريم التي كانت تعلقها على ظهرها، لكن الحقيبة لم تنخلع بسهولة، وجرت مريم مع السيارة التي تجري، فاختل توازن الفتاة وارتطم رأسها بمقدمة سيارة ملاكي واقفة في الشارع، ومن شدة الضربة طار جسد مريم في الهواء عدة أمتار، ثم هوت على الأرض وفارقت الحياة قبل وصول الاسعاف. وبذلك لم يبق من الآمال الشابة، والأحلام، والثرثرات البريئة عن الحب، سوى " آثار دماء ملطخة بالرمال ". بالطبع تمكنت الشرطة من القاء القبض على المجرمين الاثنين، وتم حبسهما للتحقيق معهما بتهمة القتل المقترن بالسرقة بالاكراه. لكن أشد درجات العقاب ولو كانت الاعدام ليست كفيلة بنزع جذور التحرش، والقتل، والعنف الموجه إلى المرأة، لأن المشكلة أكبر من مجرمين اثنين، لا يجدان بأسا في الهجوم على الفتيات ولو أدى ذلك لقتلهن. الاجراءات القانونية وحدها لن تحل مشكلة نظرة التحقير والاستهانة بالمرأة، فهذه مشكلة كان لابد لوزارة الثقافة والتعليم أن تساهما بقسط لحلها، هي مشكلة ثقافة تاريخية متوارثة تسبح في أفق مما يردده الدعاة الاسلاميون الجهلاء، والخطاب الذي يرى أن المرأة هي أساس الفساد، فيخرج علينا أولئك الدعاة كل يوم بتحقير المرأة التي ترتدي ما يعجبها، وينادون بإلزامها البيت، لكي لا تثير غرائز الرجال. وهكذا ، بدلا من تربية الرجل الحيوان الذي لا يستطيع التحكم في غرائزه فإن علينا وفقا للدعاة أن نقتل ما يثير غرائزه، أي المرأة ! فنلزمها اعتزال الحياة، والقعود في البيت، والكف عن العمل وعن نشاطها الاجتماعي، أي نقوم بتحويلها إلى قط أو ببغاء في قفص بلا عقل ولا تجربة ولاشعور ولاعلم. ومن الطبيعي في ظل تلك النظرة أن يعلق أحدهم في فيس بوك على قتل مريم بقوله:" لو أن هذه الأخت لم تكن تعمل، وكانت قعدت في بيتها معززة مكرمة كان ممكن جدا ألا يحدث لها ذلك". في ظل هذا الخطاب المنحط، الذي يوجه الاتهام للمرأة منذ اللحظة الأولى، يكون من السهل على كل مجرم أن يعتدي على المرأة، أو يتحرش بفتاة، لأن هناك تبريرا نظريا قائما في ذهنه وفي وجدانه يهيئه للعدوان. ويظهر قتل مريم مقترنا بحوادث أخرى في التوقيت ذاته، فقد قام في الاسماعيلية أربعة رجال بينهم مسجل خطر بالهجوم على رجل وزوجته في مقابر الاسماعيلية، شل شل ثلاثة منهم حركة الرجل، وقام الرابع باغتصاب الزوجة تحت تهديد السلاح الأبيض. هناك في كل ذلك تلك الاستهانة، وذلك التحقير الضمني للمرأة، ولقيمتها، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة من أهمها التعليم الذي لا يلقن الطفل منذ الدرس الأول أن المرأة هي شجرة الحياة، وهي الأم والأخت والزوجة والصديقة والزميلة، وطالما طالبت بأن يكون هناك كتيب خاص بهذا الموضوع في التعليم، وهناك أسباب أخرى للنظرة التي تحقر المرأة منها أن عمل المرأة المنزلي بلا سعر في سوق السلع، فهي تطبخ وتكنس وتتولى كل شئون البيت، وتلك كلها جهود ومشقة بلا سعر في المجتمعات الرأسمالية. والمؤكد أن الفقر والسرقة والتحرش بالمرأة ظواهر تلازم مجتمعات كثيرة بما في ذلك المجتمعات الأوروبية، لكن البلدان العربية تأتي في المقدمة لتسجل تفوقها ولو في ذلك المجال، وحسب تقرير أعدته وكالة رويترز في عام 2010 فإن مصر تعد الأسواء من بين دول العالم في موضوع التحرش بالنساء، وحسب تقارير أخرى فإن نحو 99 بالمئة من المصريات تعرضن للتحرش بدرجة أو بأخرى. وشغلت العراق المركز الثاني والسعودية المركز الثالث. في كل الأحوال نتمنى أن نصحو على يوم تمشي فيه الفتيات بحرية في الشوارع، آمنات، يذهبن إلى أعمالهن ويعدن إلى بيوتهن، ترافقهن الأحلام وتبقى لنا منهن المحبة، وليس الدماء المختلطة بالرمال على الإسفلت.

فـــــتـــــاة الــمــعــــادي دكتور أحمد الخميسي