تحقيقات وتقارير

معضلة الميليشيات تحاصر السلطة الليبية.. جمر تحت الرماد

الصباح العربي

بينما كانت السلطة التنفيذية الجديدة تعقد أولى اجتماعاتها الرسمية في العاصمة طرابلس للدفع نحو توحيد البرلمان وتحقيق المصالحة قبل جلسة منح الثقة للحكومة، كانت الشوارع القريبة من مقر اجتماعها في منطقة جنزور مسرحا لصدام مسلّح بين ميليشيات تابعة لوزير الداخلية فتحي باشاغا وأخرى موالية للمجلس الرئاسي، تبعه انفلات أمني في العاصمة طرابلس بعد اقتحامها من قبل ميليشيات مدينة الزاوية.

هذان المشهدان المتناقضان أثارا المخاوف والشكوك بشأن المستقبل السياسي والأمني في ليبيا، الذي يقع بين سلطة جديدة منتخبة تدفع نحو توحيد البلاد وميليشيات مسلّحة غير منضبطة تتحكم في الأرض وتتحرّك وفقا للمصالح والولاءات.

ورغم أن السلطة الجديدة لم تواجه منذ انتخابها قبل نحو 3 أسابيع أي ردّ عسكري أو هجوم أمني من قبل الميليشيات المسلّحة، فإن الحادث الذي تعرض له موكب وزير الداخلية باشاغا يوم الأحد، وما أعقبه من توتر أمني وتهديدات متبادلة بين الميليشيات المتحكمة في العاصمة وميليشيات الزاوية والمجموعات المماثلة لها في مصراتة، شكلّ مثالا على ما يمكن أن يعترض القادة الجدد من مشاكل بعد استلامهم لمهامهم إذا ما حاولوا الحدّ من سلطة الميليشيات، وطرح تساؤلات حول قدرتهم على تجاوز خلافات ومشاكل قادة السلاح غرب ليبيا.

معضلة الميليشيات

وفي هذا السياق، أجمع برلمانيون ليبيون على أن معضلة الميليشيات المسلحة التي تتحكم في العاصمة طرابلس وتروّع المواطنين، هي واحدة من أبرز العقبات التي تواجه السلطة التنفيذية الجديدة التي وعدت الليبيين بالسلام والوحدة والاستقرار.

وقال النائب بالبرلمان زياد دغيم في تصريح لـ"العربية.نت"، إن الحادثة التي تعرض لها باشاغا باختلاف رواياتها، جاءت لتؤكد أن "حكومة الوفاق بكل وزرائها فشلت في الحد من فوضى السلاح في العاصمة طرابلس، وفي تجاوز سلطة الميليشيات"، وأبرزت كذلك استحالة استقبال العاصمة طرابلس للسلطة الجديدة بوضعها الأمني الحالي، وباتت مدينة سرت مقترحة كمقر للحكومة".

أما عن الكيفية التي يمكن أن تساهم في تفادي أي اضطرابات أمنية مستقبلية، فرأى دغيم أنها تتمثل في تفكيك الميليشيات المسلحة وتجفيفها وكسر شوكتها.

ومن شأن هذه التطورات الميدانية أن تؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا، كما أنها ربما تبدّد آمال الليبيين التي صاحبت انتخاب سلطة جديدة.

المرتزقة والأجانب

بدوره، أبدى النائب علي التكبالي تفاؤلا ضئيلا يكاد يكون منعدما، تجاه قدرة السلطة الجديدة على حل مشاكل البلاد وتنفيذ خارطة الطريق التي انتخبت من أجلها، بوجود ميليشيات مسلّحة تتحكم في المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية، موضحا أن "استمرار الميليشيات المسلحة في مواقعها سيعيق كثيرا تنفيذ سلطة القانون تحت مظلة أي حكومة"، لافتا إلى أن "حل مشكلة ليبيا يتمثل بالأساس في تفكيك هذه المجموعات الخارجة عن القانون ونزع سلاحها وطرد المرتزقة والأجانب من التراب الليبي وليس في استبدال حكومة بحكومة".

كما رأى في تصريح لـ"العربية.نت"، أن "فبركة" حادثة محاولة اغتيال باشاغا هو "نوع من الابتزاز أو التهديد الذي افتعلته الميليشيات الموالية له للخروج إلى الميدان وفرض باشاغا وزيرا للداخلية في الحكومة القادمة".

هل تتجاوز التشكيلة الوزارية سلطة الميليشيات؟

ومن المتوقع أن يعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة عن تشكيلته الوزارية نهاية الأسبوع الحالي.

من جهته، رأى المحلل السياسي محمد الرعيش لـ"العربية.نت"، أن الميليشيات التي تسبّبت في الفوضى الليبية واستثمرت فيها مازالت تدار بنفس الأشخاص وبنفس العقليات، وترى أحقيتها في الاستمرار بالمشهد السياسي والأمني والعسكري.

من منتهكين إلى مناصب في السلطة

والأسبوع الماضي، طالبت منظمة العفو الدولية في أحدث تقاريرها حول ليبيا، قادة السلطة الجديدة بـ"ضمان عدم تعيين المشتبه في ارتكابهم جرائم بموجب القانون الدولي في مناصب يمكنهم فيها الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات وتعليق عمل الأفراد المتهمين بجرائم حرب في مناصب السلطة".

وأشار التقرير إلى ترقية وإضفاء الشرعية على العديد من قادة الميليشيات كلاعبين سياسيين على الرغم من أنهم لم يحاسبوا قط على جرائمهم، حيث قام المجلس الرئاسي بتعيين عدد منهم في مناصب مهمة، من بينهم عبد الغني الككلي قائد ميليشيات الأمن المركزي بطرابلس، الذي تم تعيينه كرئيس لـ"جهاز دعم الاستقرار"، وكذلك هيثم التاجوري نائبا له، إلى جانب ترقية عماد الطرابلسي إلى منصب نائب رئيس جهاز المخابرات.

كما أكدت المنظمة أن لجانها ولجان خبراء الأمم المتحدة، أثبتت تورط أصحاب هذه الأسماء في انتهاكات واسعة، وموضحة أن منحهم وظائفهم الجديدة بصلاحيات واسعة وتوفير المرتبات لأفراد مجموعاتهم المسلحة، يعد ضربا من التعمية واستمرارا لظاهرة الإفلات من العقاب.

معضلة الميليشيات تحاصر السلطة الليبية جمر تحت الرماد