تحقيقات وتقارير

مصر تحتفل بـ ”جبال الصبر” في عيد الأم

الصباح العربي

يتفق المثقفون والمفكرون المصريون، على أن إحتفال مصر،اليوم 21 مارس/ آذار، بعيد الأم، هو احتفالا وتقديرا لـ «جبال الصبر» من المصريات اللاتي ضربن المثل في العطاء والتضحية وخاصة أمهات المناطق النائية من ريف مصر وعمق الصعيد حيث الإمكانيات تكاد تكون محدودة، أو شبه معدومة، والظروف المعيسية قاسية، ورغم ذلك قدّمن للوطن نوابغ في مختلف فروع العلم.

الفكرة خرجت مصر إلى بلاد الشرق الأوسط

وترجع قصة اختيار يوم 21 مارس فى مصر إلى الكاتب الصحفي الراحل علي أمين و اخيه مصطفي امين – مؤسسي جريدة أخبار اليوم ـ حيث كتب علي أمين في زاويته الصحفية اليومية «فكرة»، مطالبا بتخصيص يوم للاحتفال بالأم، وكان الدافع الإنساني وراء مقال «علي امين»، زيارة قامت بها احدى الأمهات للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من اجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً.

وكتب علي أمين في 9/ 12 /1955: لم لا نتفق علي يوم من أيام السنة نطلق عليه «يوم الأم»، ونجعله عيدا في بلادنا وبلاد الشرق..وفي هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرا يا أمى .. لماذا لا نشجع الأطفال في هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل.. ويتولوا هم في هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها ولكن أي يوم في السنة نجعله عيد الأم؟

وبعد نشر المقال بجريدة الأخبار، اختار القراء تحديد يوم 21 مارس وهو بداية فصل الربيع ليكون عيدا للأم ليتماشي مع فصل العطاء والصفاء والخير، وكان أول احتفال بعيد الام في 21 مارس سنة 1956.

وهكذا خرجت الفكرة من مصر إلى بلاد الشرق الأوســط الأخرى.

الاحتفال بالأم عبر العصور

ويؤكد علماء المصريات وخبراء الآثار، أن تكريم «الأم المصرية» أمر ضارب بجذوره في التاريخ.. وأن تكريم الأمهات ليست وليدة العصر الحديث، بل هى عادة اعتاد الناس عليها من قديم الزمان ، وأن المجتمع المصري منح المرأة مكانة متميزة وحقوقا اجتماعية واقتصادية وسياسية مساوية للرجل قبل أكثر من 5000 عام،حيث كشفت البرديات أن الرجال في مصر القديمة كانوا يقدرون المرأة ويكرمونها، ويحتفلون بها في احتفالات شبيهة بما يحدث فى عيد الأم الآن .

وعُثر في إحدى رسائل تل العمارنة التي تركها القدماء المصريين ورقة كتبها طفل يحتفل بعيد أمه واعد رسالة تثبت احتفال المصريين قديما بعيد الأم.

الأم المصرية «ست بر» أي ربة البيت

فالمصري القديم كان مخلصًا لبيته وكان من صفات المصريين القدماء – كما تؤكد ذلك الشواهد الأثرية الفرعونية – احترام الأمهات وتبجيل الأم في الأسرة الكبيرة والاهتمام باحتياجات النساء، فنقرأ في إحدى البرديات المصرية القديمة: «أحب زوجتك في إخلاصك لبيتك كما هو واجب عليك، أطعمها واكسها وأسع إلى ما يدخل السرور إلى نفسها طالما أنت على قيد الحياة». وكان الزوج يقوم بتوفير متطلبات زوجته حتى في حال انفصالها عنه وكان الزواج يتم من خلال عقد يضمن للزوجة حقوقها .

بالإضافة لذلك قد وجدت برديات تتضمن مئات الحكم والأمثال الخاصة بالأم، وكذلك نصائح الملوك لأبنائهم، وذلك أن مصر كمجتمع شمسى زراعى فهى «مجتمع أممي» تلعب فيه الأم الدور الأساسي.

وتشهد آثار مصر القديمة بلوحاتها ونقوشها الرائعة هذه المكانة المتميزة للمرأة عموماً وللأم خصوصاً. حيث تخيل الفراعنة السماء (أما) تلد الشمس كل صباح، بالإضافة إلى أن عدد كبير من آلهة الفراعنة كانوا من الامهات مثل ايزيس و نفتيس وغيرهم ولقب قدماء المصريين الأم (ست بر ) ومعناها ( ربة البيت ) .

تقدير واحترام الأم..أحد مظاهر الحضارة المصرية

وتعتبر المكانة الخاصة بالمرآة في نظام المجتمع المصري القديم، وخاصة الأم والزوجة، أحد مظاهر الحضارة الفرعونية التي عرفت كيف تجعل من الأم ومن الزوجة أو الابنة رمزا لأكمل مظاهر المساواة. وكانت المرأة المصرية توصف بأنها «الفريدة المحبوبة التي لا نظير لها» .

وترجع يذكر أن بدايات الإحتفال بعيد الأم، ترجع إلي احتفالات فصل الربيع منذ العصور القديمة عند الإغريق، حيث كان الاحتفال بـ «بريا» وهي أم الآلهة .. وفي عام 1600، احتفلت إنجلترا بيوم الأمومة وكان يوافق يوم الأحد ويتم فيه تكريم الأمهات في إنجلترا .

مصر تحتفل جبال الصبر في عيد الأم