تحقيقات وتقارير

قناة اسطنبول.. مواجهة تركية جديدة بين الرئاسة والعسكر

الصباح العربي

كشف تحرك ضباط متقاعدون في تركيا، عن مؤشرات مواجهة جديدة بين الرئاسة والعسكر.. المواجهة بدأت على ضفاف مشروع «قناة اسطنبول»، التي تروج لها السلطات التركية وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان.. ومن المفترض أن تمتد القناة بموازاة مضيق البوسفور وتربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ، متجاوزة المضيق ووضعه الخاص.

واعترض 103 أميرالات متقاعدين من البحرية التركية، على قناة اسطنبول، وقاموا بالتوقيع على خطاب دفاعا عن «اتفاقية مونترو»، وهي وثيقة سارية منذ العام 1936 بشأن الوضع الخاص لمضيق البوسفور والدردنيل بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط

ووصف هؤلاء العسكريون مناقشة مراجعة وضع المضائق الذي حققته الجمهورية التركية في عهد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك بغير المقبول.

واشتعلت المواجهة باعتقال الشرطة التركية عشرة أميرالات متقاعدين.. وارتفعت حدة المواجهة مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بأن بيان الضباط المتقاعدين بشأن قناة اسطنبول يتضمن تلميحات انقلابية، ولا علاقةَ له بالدستور، واعتبره تهديدًا مباشرا له.

وأكد أردوغان خلال مؤتمر صحفي إلتزام بلاده باتفاقية مونترو الخاصة بالملاحة الدولية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.. مضيفا أن مشروع قناة اسطنبول بين بحر مرمرة والبحر الأسود لا علاقة له بهذه الاتفاقية، وأنه سيعزز سيادة تركيا على المضائق.

فما هي دوافع بيان الضباط المتقاعدين ولماذا ينتقد مشروع قناة اسطنبول؟

«قناة اسطنبول» تفسد علاقات الأتراك مع الحلفاء والخصوم

ترجع الدوافع إلى تقديرات العسكريين الأتراك لخطر مشروع أردوغان على حلفاء تركيا وخصومها.. ويؤكد الخبير الروسي، يفغيني ساتانوفسكي، أن قناة اسطنبول، مشروع أردوغان الاستراتيجي الذي يدفن اتفاقية مونترو، سيؤدي تنفيذ هذا المشروع إلى إفساد علاقات الأتراك إلى حد كبير مع كل من حلفاء تركيا وخصومها. لهذا السبب، تدخّل الأميرالات.

وقال: تركيا، ليست موحدة. هناك معارضة شديدة لكل ما يفعله أردوغان. ليس من قبيل الصدفة أنهم حاولوا الإطاحة به في العام 2016. فالجيش الذي ظل على مدى عقود يقرر من سيكون الرئيس أو رئيس الوزراء لحكم تركيا، تراه بعد أن فقد هذه المكانة لا يرضيه الوضع الآن.

ويرى الخبير الروسي، أن كثيرين من رجل الجيش مدعومون من الأمريكيين، الذين رغم أنهم يحافظون على علاقات دفاعية وثيقة مع تركيا، فهم لا يطيقون أردوغان، تقليديا. وهو بدوره يرى في ذلك محاولة لضربه وضرب مكانته.

مشروع القناة يقوض حرية الملاحة في البحر الأسود

المواجهة الجديدة اليوم في هذا الملف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأميرالات متقاعدين عبّروا عن رفضهم مشروع بناء «قناة إسطنبول» المائية، التي يعتزم شقّها الرئيس بموازاة مضيق البوسفور لتربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود.

المحتجون من العسكر يرون أن مشروعاً كهذا سيقوّض حرية الملاحة في البحر الأسود، لأن تركيا ملزمة ببنود اتفاقية تسمى «مونترو» منذ عام 1963 تفرض عليها حرية الملاحة البحرية في البحر الأسود، أي المرور من دون رسوم، وتقيّد الدول غير المطلة على البحر بالبقاء ما لا يزيد على 21 يوماً. أما الرئاسة التركية فترى أن المضيق الجديد سيخفف الضغط الهائل على البوسفور الذي يعد نقطة مرور لآلاف السفن سنوياً تساوي ضعف ما يعبر في قناة السويس وبنما مجتمعة.

النزاع بدأ مبكرا داخل تركيا

يذكر أن البحر الأسود نقطة ارتكاز بين الشرق والغرب، ومنطقة غنية بالثروات الحيوية والغاز الطبيعي والهيدروجين، وهذه القيمة الجغرافية والاقتصادية ترجحه ليكون ساحة نزاع بين القطبين. والمشكلة الأكثر أهمية أن النزاع بدأ مبكراً، ومن الداخل التركي، ومن الجيش، برفض المشروع المقترح الذي سمّاه إردوغان في عام 2011 المشروع «الخيالي».

الرئاسة التركية تقول إن أسبابها اقتصادية، هذا يعني أنها ستفرض رسوماً على العبور، ورافداً مالياً سنوياً بنحو 10 مليارات دولار، وهي تكلفة شق القناة، فلماذا يرفض العسكر مورداً اقتصادياً لبلادهم؟

العسكريون يحذرون من مخاطر تنفيذ «قناة اسطنبول»

وعن أسباب المواجهة بين الرئاسة والعسكر في تركيا.. يرى محللون وخبراء، أن تركيا بنظامها القائم تشعّبت وتدخّلت في ملفات عدة، وأصبحت أقدامها عالقة بين حبال كثيرة من كل اتجاه، كلما أرادت المضي قدماً تعثرت. هذا التشتت والفرط الحركي السياسي أضعف الموقف التركي، ولم يمنحه تأثيراً إقليمياً ودولياً كما أراد له الرئيس أردوغان.

وإصرار أردوغان على القناة، بحسب الباحثة السعودية، أمل عبد العزيز الهزاني، يؤكد استمرار شهيته على لعب أدوار خطيرة والتورط في مناطق صراع إضافية. هذا ما أقلق الضباط المتقاعدين، ويظنونه مخاطرة سيواجهون تبعاتها في المستقبل.