منوعات

مسجد المؤيد شيخ ... السجن الذي تحول لمسجد

الصباح العربي

يعتبر مسجد "المؤيد" أحد مساجد القاهرة القديمة الذي يعود تاريخ بناءه إلى عصر المماليك الجراكسة وجاء موقعه ملاصقا لباب زويلة بشارع المعز لدين الله من جانب الأزهر الشريف وينسب اسمه إلى مؤسسه المؤيد شيخ المحمودي أحد مماليك الظاهر برقوق الذين اعتقهم وظل يترقي مناصب الدولة حتي استطاع الاستيلاء علي السلطنه وعزل الخليفه المستعين العباسي سنه 815 ه /1412م الذي تولي الحكم بعد مقتل السلطان فرج بن برقوق وظل في الحكم خمسه اشهر فقط حتي عزلة الامير شيخ الذي لقب بالمؤيد وموقع المسجد كان سجنا عرف باسم "خزائن شمايل" وصاحب المسجد السلطان المؤيد كان مسجونا في هذا الموقع في ظروف سياسية تعرض لها قبل توليه السلطنة وفي أثناء سجنه نذر المؤيد أن يهدم السجن بعد خروجه ويقيم مكانه جامعا ومدرسة إذا مَن الله عليه بنعمة الحرية وعقب خروجه من السجن وتوليه حكم مصر أوفى المؤيد بنذره وشرع في بناء مسجدة هذا سنه 818 هجريا /1415م واتمه سنه 823 هجريا/1420م بشارع المعز لدين الله علي يسار الداخل من باب زويلة، فكان أجمل المساجد والمدارس وأغلاها في القاهرة

وتعد الواجهة الجنوبية الشرقية هى الواجهة الرئيسية للجامع، وتطل على شارع المعز لدين الله القبلي، وتشتمل على كتلة المدخل بالطرف الشرقي، يليها من جهة الجنوب واجهة القبة ويعلوها القبة، ثم واجهة ظلة القبلة، وقد قسمها المعمار إلى خمس دخلات رأسية كبيرة وصغيرة بالتبادل، الدخلة الأولى تطل على القبة الشرقية، ثم الدخلات الأربع التي تطل على الظلة الجنوبية الشرقية، وشغلت هذه الدخلات من أسفل بصف من فتحات الشبابيك مغشاة بمصبعات معدنية، يعلوها قمريات قندلية بسيطة، ويعلو دخلة محراب ظلة القبلة قمرية مستديرة، وتنتهي هذه الدخلات بصدور مقرنصة، ويتوج الواجهة صف من الشرافات على هيئة الورقة النباتية، وزخرفت القبة من الخارج بأشكال دالية "الزجزاج" تعد واحدة من آيات الإبداع الفني.

ويقع المدخل بالطرف الشرقى من الواجهة الرئيسية، ويتكون من دخلة عميقة "حجر المدخل"، على جانبيها جلستان "مصطبتان" يتوجها عقد مدائنى، وشغلت كوشتى العقد بزخارف نباتية، ويتوسط الدخلة فتحة باب الدخول ويتوجها عتب مستقيم مزخرف بزخارف نباتية مورقة "أرابيسك"، ويحيط بفتحة الباب شريط "إزار" زخرفي، يشتمل على زخارف هندسية متشابكة ملونة، ويغلق على فتحة الباب بابا خشبيا من مصراعين مصفح بالبرونز نقله السلطان المؤيد من مدرسة السلطان حسن.

وتفضي فتحة باب الدخول إلى دركاة مربعة ذات أرضية رخامية يغطيها قبو مروحى يتوسطه شكل متقاطع غائر بالحجر المشهر، ويقع على جانبى الدركاة بابان معقودان بعقود مدائنية، الأيمن يؤدى إلى دهليز له أرضية رخامية وبنهايته فتحة باب تؤدى إلى صحن الجامع، والأيسر يؤدى إلى القبة ومنها إلى الظلة الجنوبية الشرقية.

ويشغل صحن المسجد مساحة مربعة، تتوسطها فسقية رخامية مثمنة، تعلوها قبة خشبية لها رفرف محمول على ثمانية أعمدة رخامية، وكانت تحيط بهذا الصحن أربع ظلات، لم يبق منها إلا ظلة القبلة فى الناحية الجنوبية الشرقية، وهى عبارة عن مستطيل قسم إلى ثلاث بلاطات موازية لجدار القبلة بواسطة ثلاثة صفوف من أعمدة مختلفة تحمل عقودا مدببة، وبهذه الظلة أربعة أبواب مربعة، يغلق على كل منها مصراعان خشبيان قوام زخارفهما أطباق نجمية مطعمة بالعاج والسن والزرنشان، يفضى اثنان منها إلى قبة المنشئ، ويفضى واحد فى مؤخرة الظلة إلى الدهليز، وواحد بالركن الجنوبى الشرقى لجدار القبلة إلى برجى باب زويلة، وتحمل هذه الظلة بدائع الفن المعماري، فقد كسي جدارها الشرقي بالرخام الملون إلى ارتفاع المحراب فى زخارف هندسية، وأعلا جدار قبلتها شبابيك جصية دقيقة ذات بخاريات ومستطيلات منقوشة ومذهبة.

ويتوسط جدار القبلة المشار إليه محراب مجوف عبارة عن حنية نصف دائرية مرخمة وحافلة بمختلف الزخارف والألوان، ويجاور هذا المحراب من جهة اليمين منبر خشبى كبير مطعم بالسن والزرنشان، كما فرشت أرضية هذه الظلة ببلاطات حجرية، وغطيت بسقف خشبى من أرقى نماذج السقوف الخشبية فى عمارة مصر الإسلامية، ويتكون من براطيم خشبية ذات مربوعات مذهبة وملونة فى سقفى البلاطتين الأولى والثانية، أما سقف البلاطة الثالثة المطلة على الصحن فهو حديث وخال من الزخارف، وفى مؤخرة هذه الظلة دكة مبلغ رخامية مستطيلة ترتكز على ثمانية أعمدة رخامية مثمنة.

أما الظلات الثلاثة الأخرى فقد تهدمت، وعلى الرغم من كثرة الترميمات بالمسجد والمدرسة فإنها اقتصرت على ظلة القبلة فقط، وأثبتت الحفائر التي قامت بها لجنة حفظ الآثار العربية، والمسقط الذى أورده "بسكال كوست" أن كل ظله من الظلات الثلاث تتكون كل منها من رواقين بواسطة بائكتين معقودتين، تسير عقود الظلتان الجانبيتان عموديتان على جدار القبلة، بينما عقود الظلة الشمالية الغربية موازية لجدار القبلة، وقد قامت هيئة الآثار بإعادة بناؤهما على هيئتهما الأولى.

وقد ألحقت بهذا المسجد قبتان ضريحيتان إحداهما شرقية للمنشئ، وهى عبارة عن حجرة مربعة ذات أرضية رخامية تزينها أشكال هندسية بلقاء، فى جدارها الجنوبى الشرقى محراب مجوف خال من الزخارف، وتضم هذه القبة تركيبتان رخاميتان، أولاهما فوق تربة المنشئ، وثانيهما فوق تربة أبناء المؤيد من الذكور وهم، الصارمى إبراهيم وإخوته المظفر أحمد وأبو الفتح موسى، كما ألحقت به فى الناحية الجنوبية قبة ضريحية ثانية لزوجة المؤيد وابنته، وهى عبارة عن حجرة مربعة ذات سقف خشبى مستو، وأرضية حجرية بها تركيبتان رخاميتان غير مزخرفتين، خصصت الشرقية منها لزوجة المؤيد، والغربية لابنته الصغرى، وفى الجدار الجنوبى الشرقى لهذه القبة محراب مجوف خال من الزخارف.

لمسجد المؤيد شيخ مئذنتان منفصلتان، شيدت إحداهما سنة 1419، والثانية بنيت في 1420 بعد هدمها لظهور ميل بها، وهما عاليتان رشيقتان ومتشابهتان من حيث تكونيهما المعماري، ومقامتان على برجي باب زويلة، حيث أقيمت القاعدة المربع لكل مئذنة على الجزء السفلى المصمت من البرج، أي أنه ثقب سقف حجرة الدفاع، وبدأ قاعدة المئذنة من أرضية حجرة الدفاع، وارتفع بها إلى أعلى البرج، يلى ذلك ثلاث طوابق، أولها مثمن تزينه حنايا ذات عقود مدببة، وثانيها مثمن أيضا زينت أضلاعه بخطوط متموجة، وثالثها عبارة عن جوسق به ثمانية أعمدة رخامية تحمل شرفة مثمنة، ترتكز على مقرنصات مقعرة ذات دلايات، تعلوها خوذة كمثرية يتوجها هلال من المعدن.

وبما أن هذا المسجد يعد من الآثار المصرية ذات الطراز الخاص، وكنوع من الاهتمام بالمعالم السياحية والآثرية، فقد تم تزيين وجه العملة الورقية فئة المائة جنيه برسم لمنارتى المسجد فوق باب زويلة فى إصدارات قديمة، كانت تطبع خلال الفترة من الأول من مارس 1921ميلادية، حتي الثالث من أبريل 1945 ميلادية.