تحقيقات وتقارير

فلسطين تكتب تاريخها.. حرب الـ 11 يوما تُبشر ببدء مرحلة جديدة

الصباح العربي

يوميات حرب الـ 11 يوما تُبشر بمستقبل واعد للمشروع الفلسطيني، وبدء مرحلة جديدة في التاريخ، تجسدت ملامحها في الكل الفلسطيني، وبالوحدة على الأرض، في حالة متقدمة قل أن شاهدناها في مراحل سابقة، ووضعت حدّاً لما حصل في العقود الثلاثة الماضية من تحريف لمسار النضال، ومن تقسيم وشرذمة للشعب الفلسطيني، ومن تقزيم لقضية كانت رمزاً لصراع عربي/ إسرائيلي على مدار قرنٍ من الزمن.

وسجلت حرب الـ 11 يوما، إعادة الحيوية، عربياً ودولياً، لقضية فلسطين، التي جرى تهميشها عمداً في السنوات الماضية، وبالتالي الأمل بتصحيح «البوصلة» العربية.

فلسطين تكتب تاريخها

ومن الواضح، بحسب تحليل الدوائر السياسية في باريس، فإن فلسطين تكتب تاريخها، وقد تغيرت المعادلة الفلسطينية خلال هذه الحرب بعد أن وضعت الحكومة الإسرائيلية أمام مواجهات غير مسبوقة في المدن المشتركة، بحسب تقديرات صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، وأن الفلسطينيين الشباب أعطوا معنى جديدا للتنشيط عبر منصات التواصل الاجتماعي، بالرغم من تشديد الرقابة عليها.

الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد أعمى

وسائل الإعلام الفرنسية ترى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي «أنطوني بلينكن» للشرق الأوسط بعد انتهاء حرب الـ 11 يوما، جاءت لتقلب صفحة دونالد ترامب، فالدعم الأمريكي لإسرائيل ما زال على صلابته لكنه لم يعد اعمى، وتقول صحيفة «لاكروا»، إن الأصوات الداعمة للفلسطينيين بدأت تلقى صدى في الإعلام وحتى في الكونجرس الأمريكي، وأن منتخبي الحزب الديمقراطي بات بعضهم ينتقد إسرائيل من دون ان يخشى عدم انتخابه مجددا.

كانت صحيفة «الجارديان» البريطانية، كشفت عن توقيع أكثر من 500 من أعضاء الحزب الديمقراطي والفاعلين في حملة جو بايدن الرئاسية لعام 2020 على رسالة مفتوحة تطالب الرئيس الأمريكي ببذل المزيد لحماية الفلسطينيين ومحاسبة إسرائيل على أفعالها في غزة وخارجها.

وبالفعل، عادت القضية الفلسطينية إلى سلّم الأولويات محليا وعالميا، بعدما كادت تختفي في غياهب عدم الاهتمام.

فشل إسرائيل في تركيع الشعب الفلسطيني

فلسطين تكتب تاريخها في يوميات حرب الـ 11 يوما، وقد أظهرت المواجهة الشعبية والعسكرية مدى فشل إسرائيل في تركيع الشعب الفلسطيني أو في القضاء على روح وحال المقاومة لديه، كما أثبتت هذه المواجهة ضحالة التفكير الإسرائيلي المدعوم من إدارات أمريكية سابقة بأنّ لا حاجة لحلٍ عادلٍ للقضية الفلسطينية من اجل إقامة «شرق أوسطي جديد» يقوم على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والحكومات العربية، بحسب تعبير المحلل السياسي ومدير مركز الحوار العربي في واشنطن، صبحي غندور.

التحولات العاصفة في فلسطين واستحقاقاتها

خلال المواجهات توحد الشعب الفلسطيني كما لم يسبق له ذلك منذ النكبة، ومن هنا تبدو مؤشرات التحولات العاصفة في فلسطين واستحقاقاتها، بحسب تعبير السياسي والإعلامي الفلسطيني نهاد أبو غوش، فكل تجمعات الشعب شاركت في المواجهات، ولم يقتصر الأمر على الجانب التضامني وأشكاله التقليدية الباهتة. صحيح أن كل تجمع اشتبك مع الاحتلال على القضايا المباشرة التي تخصه، مثل الدفاع عن الوجود والمقدسات في القدس التي مثلت قضيتها الصاعق الذي اشعل خزانات الغضب والقهر في سائر المناطق والتجمعات، ففي مناطق الـ 48 انفجر الغضب ضد سياسات التمييز العنصري والتهميش ومحاولات نزع الشرعية وسلخ الفلسطينيين الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية عن شعبهم. وفي غزة ثارت المقاومة وحاضنتها الشعبية العريضة ضد استمرار الحصار والحروب والاعتداءات المتكررة، والسجن الكبير الذي أطبق على مليوني فلسطيني وصُوّر لهم على أنه قدرهم الذي لا مفرّ منه.

وشهدت الضفة أكبر مظاهرات عارمة لها منذ وقوعها تحت الاحتلال غضبا للقدس وغزة ورفضا للاستيطان والحواجز وعمليات التنكيل والإذلال، بينما زحف عشرات آلاف اللاجئين صوب الحدود مع فلسطين للتذكير بحقهم في العودة إلى ديارهم، وأبلت الجاليات الفلسطينية في المهجر بلاء حسنا في تذكير العالم بعدالة قضية الشعب الفلسطيني. وكل هذه الجبهات مجتمعة تؤكد في تكاملها وترابطها على رفض الشعب الفلسطيني للنكبة ونتائجها وعذاباتها المستمرة حتى الآن.

طاقات فلسطينية لا حدود لها.. وحدود مقيدة لقوة الاحتلال

وأظهر الشعب الفلسطيني طاقات لا حدود لها في التضحية والصبر والإبداع، بينما ظهرت الحدود المقيّدة لقوة الاحتلال، ومحدودية قدرتها على فرض نتائج سياسية أو دفع الفلسطينيين للاستسلام، في هذه المواجهة كانت الغلبة للطاقات الشعبية على الرغم من الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل بترسانتها العسكرية وقدراتها المادية والمالية والتكنولوجية الهائلة.

العودة إلى الشارع الفلسطيني

فلسطين تكتب تاريخها تأسيسا على استحقاقات التحولات العاصفة، والتي يجب عدم السماح بالعودة بعدها إلى ما كان سائداً قبلها من حالات سلبية على المستويين الفلسطيني والعربي.. وهو الواقع الذي يُبنى عليه الآن، ولذاك بات الترقب للأهم، وهو العودة إلى الشارع الفلسطيني ومصارحته ومكاشفته بالحقائق، والخلاص من الانقسام والتشرذم والفصائلية التي تجاوزتها أوجاع الشعب الفلسطيني.

فلسطين تكتب تاريخها حرب الـ 11 يوما تُبشر ببدء مرحلة جديدة