بأقلام القراء

بقلم محمد فؤاد البري.. مجتمع بلا حروب

الصباح العربي

مع وصول عدد سكان الدنيا إلي 8 مليار نسمة يواجه هذا الجيل البشري مخاطر عديدة أبرزها ( التغيرات المناخية / نقص الغذاء /إنتشار الفيروسات الفتاكة/ ارتفاع نسبة الجريمة والبطالة/ تدني مستوي الذوق العام والأخلاق..) وبدلاً من مواجهة تلك المخاطر بسلاح العلم والدين أصبح الدواء داء بعدما تعارض العلم مع القيم في العالم الغربي وتم تسييس الدين في العالم الشرقيفذهب السلام وعمت الحروب. كشف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الانفاق العسكري في العالم في السنة الماضية قد بلغ 1.981 تريليون دولار،في وقت انخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي 4.4%.

وعلي الرغم من المشكلات الإقتصادية التي تعاني منها الشعوب تنفق الحكومات معظم ميزانيتها علي التسليح ، لاشك أن الدول العظمي التي تصنع السلاح هي المستفيدة الأكبر لأنها من تصدره لباقي دول العالم .وكأنها تنفق أكبر ميزانية علي البحث العلمي من أجل أن تنتج أكبر كمية من الأسلحة المتطورة !

فالأرضية التي قامت عليها الحضارة الغربية المعاصرة هي المادية الدنيوية التي لا تعطي الدين في الحياة دوراً مؤثراً وتعزله عن التأثير في الناس لذا نجد معظم حروب دول الشمال نتيجة لصراعات سياسية أو إقتصادية(الحرب الأوكرانية الروسية مثال علي ذلك ) علي النقيض من ذلك يشهد العالم الإسلامي العديد من الصراعات الطائفية والعرقية من ليبيا غربا إلي باكستان شرقا ، ومن العراق ولبنان شمالا إلي اليمن والصومال جنوباً .

التصالح مع الماضي وأخطائه من أجل حاضر أفضل ومستقبل يليق بالإنسانية ، وشجاعة الاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبت باسم الدين أعلنت هذه الوثيقة التاريخية للعالم كله في الرابع من فبراير عام 2019 من أجل أن تعيش الأجيال القادمة في أجواء من الثقافة والاحترام المتبادل والعيش المشترك ،أخوة في الإنسانية حتي الوصول الي سلام عالمي.

لا يجب أن تفرض علي المجتمع الذي تعيش فيه تدينك لأن ببساطة هذا التدين يأمرك بذلك ، أنت تعامل المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي ومن لا دين له من خلال القيم الإنسانية لا النصوص اللاهوتية والشعائر الدينية ومع ذلك لا يمكن إهمال هذه الشعائر والطقوس من أجل تحقيق نوع آخرمن السلام وهو ( السلام الروحي ) وهذا لا يقل أهمية عن السلام بين الناس، إن لم يتحقق السلام النفسي لا يتحقق السلام العام ..إنك لا تستطيع أن تحب الناس إلا إذا أحببت الله ونفسك أولاً، لو كرهت نفسك فستكره الناس كلهم ، وتسخط علي الناس كلهم ومن هنا تأتي أفكار الإلحاد والانتحار، والعزلة ..

ومن حسن الحظ أن الإسلام الحقيقي لا يتناقض مع القيم الإنسانية المتعارف عليها في الأرض ذلك الإسلام تحيته هي السلام كم من محبة يحثنا عليها بين الناس في كل مكان وكل شارع وكل بيت نذهب إليه نقول "السلام عليكم" هذا الإسلام الذي يقول فيه نبيه أن الابتسامة في وجه أخيك صدقة لكن الإسلام الذي يكفر الناس ويحلل قتل الأبرياء ويحكم بالجنة والنار ويسمي الإرهاب جهاد في سبيل الله لا نعرفه، كيف تكون نفس النصوص والآيات التي وضعت لبدوي ساذج في القرن السابع هي نفسها التي تطبق علي إنسان متحضر في القرن الواحد والعشرين ، يحكمه قانون مدني ودولة مؤسسات !؟

قبل أن يتم تعديل المناهج الغربية كان سبب كراهية العالم المسيحي الغربي لليهود .. يرجع إلي الدين ، فاليهود هم الذين قتلوا المسيح وصلبوه ! وهذه قصة يقرؤها كل تلميذ مسيحي في كل مكان من العالم خصوصاً إن كان كاثوليكياً ، والمؤرخ اليهودي الفرنسي جول إيزاك يقول : إنه من المألوف اذا طلب طفل يهودي في المدرسة من طفل مسيحي أن يلعب معه أن يرد عليه الطفل المسيحي قائلاً : كلا لأنكم قتلتم المسيح !

السلام داخل الفصل المدرسي الصغير لا يقل أهمية عن السلام الدولي بين الشعوب فهؤلاء الأطفال هم شباب وقادة الغد ومن هنا يجب أن أروي موقف واجهني شخصياً داخل أحد الفصول المدرسية ، لفت انتباهي تلميذ يظهر عليه الالتزام والذكاء معاً كان الجميع يتكلم وهو صامت وعندما قمت بسؤاله أجاب بطريقة مبدعة حينها أخذت أمدح وأثني علي أخلاقه حتي قاطعني صوت زميلٍ له يقول ( يوسف مسيحي ، سيدخل النار !)

كانت صدمة بالنسبة لي ، كيف سيسود السلام في العالم وهؤلاء الأطفال يفكرون بهذه الطريقة ، سينمو الكره معهم .

يجب أن نتعامل علي أساس الدين فيما بيننا إن كان مشترك كعقيدة لكن إن اختلف فالتعامل هنا يجب أن يكون علي أساس القيم الإنسانية فهي ثابتة في جبال الألب وهضبة التبت ونهر الآمازون في أي بقاع الأرض القيم الإنسانية متعارف عليها ، إن التربية وفقاً لهذه القيم ستساهم في نشر الحب والسلام والمودة بين الأفراد بما أننا لا نعيش في مجتمع منعزل بحكم عالم العولمة الذي نعيش فيه أوجه نداء لنظم التعليم في العالم أن يصدر مقرر مشترك لأطفال العالم تحت اسم " القيم الإنسانية " هذا المقرر سيوضح أن هناك أشياء مشتركة بيننا نتعامل علي أساسها .فالسبب الأكبر في شيوع التعصب الديني والقومي الذي هو أساسا السبب المباشر للحروب والصراعات والإرهاب هو طريقة شرح الدين والتاريخ الوطني للجمهور بمختلف مستوياته ، لقد انعقد مؤتمر دولي للمدرسين مرة ، وانتهي المؤتمر إلي حكمة تقول :

أننا لو درّسنا في كل مدارس العالم كتاباً واحداَ للتاريخ ، لما قامت الحروب! وهذا صحيح إلي حد بعيد !

إن كل دولة تدرس لتلاميذ مدارسها تاريخاً ينظر إلي الدنيا من وجهة نظر واحدة .. تاريخاً يثبت للتلاميذ أن بلادهم أعظم البلاد ، وأنها علي صواب دائماً، وأن ما عداها من البلاد لا تساوي شيئاَ! فالتلميذ الهندي مثلا يدرس أن الإنجليز احتلوا بلاده وأخروها واضطهدوها .. في حين أن التلميذ الإنجليزي يعلمونه أن إنجلترا كانت في الهند من أجل تمدين شعب الهند وترقيته وأن الدماء التي أريقت في الهند كانت في سبيل نشر الحضارة !

لاريب عندالعاقل أن الأديان السماوية الثلاثة القائمة اليوم علي الأرض هي " في أصلها الذي أنزله الله " تتلاقي جميعاَ علي كل معاني الحق والخير والسلام.

فالتفاضل بين دين سماوي وآخرإنما هوتفاضل بالكم لا الجوهر .

وصف موقع " روسيا اليوم" توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي بأنه حدثاً تاريخيا عميق المغزي ـ وأن الوثيقة تحث كافة الشعوب علي التسامي بالقيم البشرية ونبذ التعصب واالكراهية .

وبصفة عامة أن الوثيقة تعد الحدث الأبرز والأهم خلال القرن الحالي لعدة أسباب /

1- تفتح صفحة جديدة بين الإسلام والمسيحية تتلاقي عندها القيم المادية مع القيم الروحية .

2- الأزهر الشريف يمثل جميع المسلمين في العالم ، وأن وجوده طرف في الوثيقة يرسخ قيمتها وأهميتها للعالم كله ، كما أنه دمج الوثيقة في مناهجه الدراسية التي يدرسها أكثر من مليوني طالب .

3- تكمن قيمة هذه الوثيقة أنها جمعت بين أهم شخصين علي مستوي الدين في العالم باعتبار أن البابا فرنسيس هو زعيم الكنيسة الكاثوليكية في روما والشيخ أحمد الطيب هو الإمام الأكبر لجامع الأزهر.

4- عدد معتنقين الاسلام والمسيحية هو الأكثر3 مليار نسمةولا تخلو دولة في العالم من وجود تلك الديانتين وهذا قيمة الوثيقة في نشر المحبة ليس بين الأجانب فقط بل بين أفراد الوطن الواحد .

في النهاية أدعو من الله أن تتوقف الحروب ويسود السلام وفي هذا الصدد يجب أن يظهر دور القادة بعدما ظهر دور رجال الدين من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية ، نجد في النهاية أن الحرب هي لصنع السلام ، وتجد أن القتال نفسه هو في الواقع لتقريب يوم السلام فالحرب لا تدوم والحب أقوي سلاح بين الشعوب بعدما أسقطت أمريكا القنبلة الذرية علي اليابان ندم الضمير الأمريكي مماجعل أمريكا بنفسها هي من تساعد اليابان لتعود من جديد،وعندما نتحدث عن دور القادة المؤثرين في صنع السلام لا أجد أروع من خطاب السادات لأنهي به مقال السلام :

" بشروا أبناءكم أن ما مضي هو آخر الحروب ونهاية الآلام ، وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة للحياة الجديدة ، حياة الحب والخير والحرية والسلام .

وياأيتها الأم الثكلي

ويا أيتها الزوجة المترملة

ويا أيها الإبن الذي فقد الأخ والأب

يا كل ضحايا الحروب

املؤا الأرض والفضاء بتراتيل السلام

املؤا الصدور والقلوب بآمال السلام

اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر

اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال

وإرادة الشعوب هي من إرادة الله .

المراجع

1-علي عباس مراد ، الأمن القومي ، الطبعة الأولي ، الجزائر ، 2017 ، ص 122

2-أحمد بهاء الدين ، هذه الدنيا ، مقالات نشرت في جريدة أخبار اليوم المصرية من 1959الي 1964

3-جان جاك روسو ، مبادئ القانون السياسي ترجمة عبدالعزيز لبيب ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 2011

4-ميلان كونديرا ، الهوية ، رواية ترجمة أنطون حمصي ، الطبعة الأولي ، دمشق ، 1998

5-مقدمة بن خلدون ، تحقيق المستشرق الفرنسي أ.م. كاترمير عن طبعة باريس ، 1858 ، المجلد الأول ، لبنان ، 1995

6-محمد الغزالي ، الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية ، القاهرة ، 2005

7-نجيب محفوظ ، حول التدين والتطرف ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، 1996

8-جوستاف لوبون ، حياة الحقائق ، نقله الي العربية عادل زعتر ، دار العالم العربي ، القاهرة ، 2013 ، ص 74

9-محمد حسنين هيكل ، زيارة جديدة للتاريخ ، مكتبة الإسكندرية ، 1985 ، ص 79

10-خطاب السادات في الكنيست الإسرائيلي 20 نوفمبر 1977م

11وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية ،ابو ظبي، بتاريخ 4 فبراير 2019

بقلم محمد فؤاد البري مجتمع بلا حروب