الصباح العربي

في ذكري وفاتها.. أسمهان الملاك الغامض

الإثنين 14 يوليو 2014 02:36 مـ 16 رمضان 1435 هـ
في ذكري وفاتها.. أسمهان الملاك الغامض

تنبأت لها عرافة أنها ستموت غرقا ، ولذلك لم تقرب الماء طوال حياتها ، وفي يوم الجمعة 14 يوليو  1944 تتناسي النبؤءة وتذهب إلي رأس البر مع صديقتها ،وحين وصلت السيارة إلى منطقة بين قرية طلخا ومدينة المنصورة اعترضها مطب وفقد السائق سيطرته على السيارة وانحرفت بسرعة وسقطت إلى يمين الطريق حيث الترعة، وغمرتها المياه قبل أن يتمكن أحد من إنقاذهما.
إنها صاحبة "ليالي الأنس "ذات الصوت الملائكي "أسمهان"، الفنانة التي أثار موتها الحيرة بسبب اختفاء السائق بعد الحادثة الذي لم يصب فيها بأذي وبقي السؤال حتي الأن من وراء قتلها ؟.

بداية 
 من غموض لغموض هذة كانت حياتها، فلم يكن موتها هو الغموض الوحيد حولها ،بل اختلفت الدراسات في تحديد تاريخ دقيق لولادتها, فمنهم من ذكر أنه كان في 25 ديسمبر من عام 1912, في حين ذكر آخرون أنه كان في 24 ديسمبر من عام 1917, وفي مقالات أخرى يذكر أنها ولدت في العام 1918.
أسمها الحقيقى " أمال فهد أسماعيل الأطرش " ،سورية الأصل  ,من عائلة "آل الأطرش" ,ولاشك أن " أسمهان" كانت من سلالة عائلة فنية أصيلة فأخيها المطرب الكبير "فريد الأطرش" كما ان والدتها"الأميرة علياء" أيضا كانت  تمتلك صوتا ذهبيا , تزوجت ابن عمها حسن الأطرش وأنجبت منه خلال سنوات الزواج التي استمرت من 1933 إلى 1939، بنتاً أسمتها كاميليا.وعلى الرغم من المعارضة الكبيرة التى لاقتها "أسمهان" من أجل دخول الوسط الفنى إلا انها نجحت فى ذلك ,  لتخترق أبواب عالم الغناء بتميز و جدارة فائقة .
ذهبية الصوت
كانت أسمهان  تمتلك ميزة الأداء الغربي بشكل سلس غير مصطنع تدمج في ذكاء وقدرة ما بين أسلوب الغناء الأوبرالي وأسلوب الغناء الشرقي للنوتات فيأتي غناؤها تراجيديًا في كلا الأسلوبين وقلة هن المغنيات في عالمنا العربي اللائي تمكن من التصويت بهذه الطريقة السلسة, وفي شكل متساو لكل الدرجات في الأداء والجودة فينثني صوتها في تصاعده أو هبوطه مثل حرير أصيل, ومثل ذهب رنان يصدح بتدفق وحيوية وعذوبة.

و امتلكت أسمهان قدرة على التعبير التراجيدي بشكل فائق وبليغ, بحيث وصلت إلى مستوى أداء الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب في هذا المجال, وبخاصة في التعبير المسرحي في مغناة (قيس وليلى).كما غنّت من ألحان شقيقها فريد الأطرش, مثل: (نويت أداري آلامي), (عليك صلاة الله وسلامه), من كلمات بديع خيري. وفي فيلم (انتصار الشباب) غنت له: (يللي هواك شاغل بالي), (يا ليالي البشر), كلمات يوسف بدروس, (كان لي أمل), (إيدي ف إيدك), (الشمس غابت أنوارها), و(أوبريت انتصار الشباب), لأحمد رامي, و(يا بدع الورد) لحلمي الحكيم.
وفي فيلم (غرام وانتقام) غنت لفريد: (ليالي الأنس) شعر أحمد رامي و(أهوى) لمأمون الشناوي, وموال (يا ديرتي) من شعر بيرم التونسي و(أنا اللي أستاهل).

ولم يكن صوتها الملائكي يأثر قلوب المستمعين فقط وإنما كان ملهما للشعراء والملحنين حيث أبدع الراحل محمد القصبجي  أغنية " يا طيور " خصيصًا لصوتها بعد أن عرف إمكاناته وقدراته الهائلة, فوجد فيه ضالته, حيث الخامة التي تمكّنه من إبراز قدراته التلحينية وتنفيذ أفكاره التطويرية التي يتطلع من خلالها إلى بلوغ قمة في التلحين والقفز سنوات نحو مستقبل الغناء ورقيه.

الاستخبارات
في يوم الجمعة 23 مايو1941 اتصلت أسمهان هاتفياً بمحمد التابعي  رئيس تحرير "مجلة أخر ساعة" والذي كان صديقا مقربا لها وأبلغته أ نها ستزوره في المساء، وعند زيارتها له استحلفته بالقرآن أن لا يبوح لأحد بكلمة مما ستقوله له . وحينها أفشت له سرّ معرفتها ببعض ضباط الاستخبارات البريطانية ،وأنها زودتهم بمعلومات حصلت عليها من بعض السياسيين المصريين واكتشفت بذلك أنها الطريقة المثلى للحصول على المال.
وكشفت أسمهان بذلك الكثير من أسرار الاستخبارات الألمانية " الغستابو" في القاهرة، وألحقت بعملائهم وعملياتهم الجاسوسية أضراراً كبيرة، ولقي بعضهم مصرعه على أيدي الاستخبارات البريطانية.
 
ونتيجة ذلك أصدروا حكماً بالتخلص منها، وعندما علمت الاستخبارات البريطانية بأن عميلتها مهددة بالإعدام قرروا تهريبها من مصر بتكليفها بمهمة جاسوسية جديدة في الشام عن طريق القدس.
وبعدها شعرت الاستخبارت  بأن أسمهان بدأت تذيع الأسرار في السهرات, وأثارت الشكوك حول بذخها وأموالها الطائلة التي كانت تصرفها من دون أن تعمل كثيرًا في الفن, وكانت هفوة كبيرة منها سفرها مع العميل الألماني فورد, ووبذلك قامت السلطات البريطانية بإعادتها من الحدود السورية - التركية.، وبذلك ينتهي عملها مع الاستخبارات البريطانية  .

النهاية 
 
بعدها بمدة قليلة ماتت أسمهان  وهي في الواحدة والثلاثون من عمرها في طريقها لرأس البر مع صديقتها ماري قلادة ،ومن غريب المصادفات أنها قبل أربع سنوات من وفاتها، كانت تمر في المكان نفسه فشعرت بالرعب لدى سماعها صوت آلة الضخ البخارية العاملة في الترعة، وألقت قصيدة أبي العلاء المعري (غير مجد) التي لحنها لها الشيخ زكريا أحمد، وكانت تتمرن على أدائها حينذاك استعدادًا لتسجيلها في اليوم التالي للإذاعة. وقالت للصحافي محمد التابعي والذي كان يرافقها "كلما سمعت مثل هذه الدقات تخيلت أنها دفوف جنازة"