الصباح العربي

من مدينة للجرعات الزائدة إلى نموذج للعلاج.. كيف تغيرت بالتيمور؟

السبت 14 يونيو 2025 05:51 مـ 17 ذو الحجة 1446 هـ
عبوات من الناركان
عبوات من الناركان

في أحد أحياء بالتيمور، المدينة التي لطالما ارتبط اسمها بالعنف والإدمان، يتجول آدم تريونفو حاملاً حقيبة مملوءة بعلب صغيرة لا يتجاوز حجم الواحدة منها حجم راحة اليد، لكنها تحمل ثقل كبير في ميزان الحياة والموت.

هذه العبوات تحتوي على دواء "ناركان"، الاسم التجاري للنالوكسون، وهو الترياق الفوري الذي يستخدم لعكس آثار الجرعة الزائدة من المواد الأفيونية، والتي لا تزال تفتك بحياة الآلاف سنويًا في الولايات المتحدة.

يعمل تريونفو ضمن فريق تابع لمنظمة "كاثوليك تشاريتيز"، ويشرف على برنامج ميداني لدعم الأشخاص المصابين بالإدمان.

يقول في حديث لوكالة فرانس برس، وزعنا 200 عبوة في الأسبوع الماضي فقط، في إشارة إلى حجم الطلب والاحتياج المتزايد لهذا الدواء المنقذ.

لا يقتصر دور الفريق على توزيع الدواء، بل يشمل تقديم الطعام ومواد النظافة، ومحاولة فتح قنوات للتواصل مع من يعيشون في الهامش.

وخلال إحدى جولاتهم، صادفوا رجل ممدد بين أكوام القمامة عند درج مبنى مهجور، أعطوه عبوة ناركان ومنشور تعريفي، ليمسكها بصمت، بينما أخفى بإحدى يديه حقنة خلف ظهره.

في مشهد آخر، تحت جدار متصدع في أحد الشوارع، علم الفريق عبوة من الإصدار الجديد للدواء بخاخ أنفي سهل الاستخدام لرجل بدت على ساقيه آثار واضحة لتعاط مزمن.

اكتسبت بالتيمور، الواقعة شرق الولايات المتحدة، سمعة مرتبطة بتفشي الجريمة وتجارة المخدرات، وهي الصورة التي عمقها مسلسل "The Wire" مطلع الألفية، وفي عام 2024، وصفتها صحيفة نيويورك تايمز، بعاصمة الجرعات الزائدة في أمريكا.

وبين عامي 2018 و2022، كان معدل الوفيات المرتبطة بالمخدرات، خاصة الفنتانيل، في المدينة هو الأعلى على مستوى المدن الأمريكية الكبرى، حيث وصل في ذروته عام 2021 إلى نحو 200 وفاة لكل مئة ألف نسمة.

ورغم هذا الواقع القاتم، بدأت المدينة في تسجيل مؤشرات إيجابية، فقد انخفض عدد الوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة بنسبة 35% خلال عام واحد، من 1043 حالة في 2023 إلى 680 في 2024.

ويرجع هذا التراجع إلى استراتيجية شاملة تتضمن التوعية، وتوزيع النالوكسون على نطاق واسع، بالإضافة إلى تشجيع المصابين على الالتحاق ببرامج العلاج.

يقول الدكتور مايكل فينغهود، رئيس قسم علاج الإدمان بمركز "جونز هوبكنز باي فيو" الطبي، إن استخدام الناركان على نطاق واسع كان له تأثير فعال، واصفًا إياه بـ"طفاية الحريق" التي تستخدم فورًا عند الخطر.

وبات هذا الدواء متوفرًا في معظم الأماكن العامة، من الصيدليات والمراكز الطبية إلى المكتبات العامة، في محاولة لتحويله إلى وسيلة إسعاف أولية في مدينة تحاول جاهدة أن تنقذ أرواح أبنائها من الموت الصامت.