الثلاثاء 8 يوليو 2025 05:35 صـ 12 محرّم 1447 هـ
×

كــف الــمـــلاك عــلـــى كــتـــفــــي.. أحمد الخميسي

لم أكن مؤمنا قط بقراءة الطالع، من فنجان أو ورق أوبامعان النظر إلى الكف. ظللت أحسب أن الانسان في كل ذلك يناوش قدره، يقف على حدوده، يحدق به، لعله يرى مساره ما دام غير قادر على تغييره. لكن حدث عام 1988 أن جاءت لزيارتنا فتاة أرمينية، لم يسبق لها أن رأتني ولم تكن تعرف عني شيئا. وحين قدمنا لها قهوة، قالت صديقتها إن الأرمينية تقرأ الطالع من الفنجان. وصحت بداخلي الرغبة في مناوشة قدري، فطلبت منها أن تقرأ فنجاني وفنجان صديق عزيز كان معي. فقالت لي : إن لديك ملاكا حارسا طوال الوقت، وليس لصديقك ملاك حارس. ساعتها ضحكنا وشكرناها، وكدت أنسى تلك الجملة. لكن حياتي كلها في ما بعد، وأحداثها، كانت تؤكد لي أن كف ملاك بالنور على كتفي، فرحت أتأمل حياتي الماضية ورأيت فيها تلك الكف. حين اعتقلت عام 1968 لم نتعرض للضرب أو التعذيب، كان عبد الناصر قد أصدر أوامره بعد النكسة بعدم لمس أي معتقل سياسي، وخطر لي أن حسن الحظ ذلك لم يكن بعيدا عن كف الملاك المنيرة، لأنني لم أكن واثقا ماذا قد يحدث لو أنني تعرضت لتعذيب. ثم تأملت حياتي بعد ذلك، مرحلة مرحلة، وحيثما مددت بصري كنت أرى ذلك النور الخفيف يمتد من فوق كتفي ويلقي بضوئه على الطريق من دون أن أشعر. سافرت إلى روسيا للدراسة وتعرضت لمصاعب كثيرة، وكنت دوما أفلت منها وأخرج سالما، وعدت إلى مصر ولم يكن لدي عمل، ولا وظيفة، ولا دخل، لكن فجأة انفتحت أمامي أبواب العمل في الصحافة حتى لو كان بمردود قليل وأحيانا قليل جدا. وحين مرضت ذات يوم وداخلني شك أن الأورام في ظهري من النوع الخبيث إذا بها مجرد أكياس دهنية، وذات يوم من خمسة أعوام تعرضت لضربة عنيفة من سيارة في شارع صلاح سالم، كان المفروض أن تقضي علي، لكنها أصابت قدمي فقط. وفي كل مرة كنت أنجو فيها، أجدني أعود إلي قول الأرمينية من الفنجان : " لديك ملاك حارس"، ظلت كفه على كتفي بالنور طيلة ساعات الليل والنهار كل يوم، وكل شهر، وكل عام. أيقنت يقينا لا يتزعزع بذلك النور الخفيف، لكني لم أفهم قط لو أن ملاكي الحارس يحميني دوما فلماذا لاقيت خيبة في المحبات التي انغمست فيها بقلبي؟ تذكرت كل البنات اللواتي عشقتهن، ورأيت بوضوح أنني لم أوفق في محبة ولو محبة واحدة، كنت أمضي من إخفاق إلى اخفاق، ومن فراق إلى آخر. أين كان ذلك النور الذي يرعاني إذن؟. وحين سألت الملاك الحامي عن ذلك قال لي: " لقد حافظت عليك من كل المصائب التي يسعني دفعها، لكن حين يتعلق الأمر بالحب، فإن هناك لدي الطرف الآخر أيضا ملاكه الحارس الذي ربما كان يحميه منك. لقد وجدتني معك في الحياة كل لحظة، بيدي أن أجعل السيارة تحيد فلا تقتلك، لأني أتحكم في ما يخصك ، لكني لا أتحكم في ما يخص قلوب الآخرين". طويت روحي على عتاب، وقلت لنفسي : " يكفي أن النور كان يحميك من كل ضائقة، وأنه كان يدفع عنك كل بلاء ومحنة، لقد حافظ على حياتك، وأعطاك إياها، وكان عليك أن تعرف كيف تقطف زهورها، وقلوبها. أصحو كل يوم، وألتفت إلى كتفي، وأرى طيف نور خفيف فوقها، أود لو استطعت أن أقبله، ممتنا ممتلئا بالعرفان لكف الملاك على كتفي.