كتاب يحمل بين طيّات صفحاته أسرارًا، يرويها فارس في اللغة حريص على إعلاء قيمتها مدرك لأهمية وجودها.. إنه فقه "اللغة وسر العربية" لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل، الذي يروي فيه ما تحويه هذه اللغة من ثروات وما تمثله من حصن حصين لأهلها، فيستهدف الكاتب الذي يُشهد له بالبيان في هذا الإصدار تبصير الناس بلغتهم من خلال طرح يقف على فقه اللغة وكنوزها.

الكتاب لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل (350 هـ - 429 هـ / 961 1038م) الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري، وكان واعية كثير الحفظ فعُرف بحافظ نيسابور وأوتي حظًا من البيان تميّز فيه أقرانه فلقّب بجاحظ زمانه، وعاش بنيسابور حجَّة فيما يروي، ثقة فيما يحدِّث، مكينا في علمه، ضليعا في فنه فقصد إليه القاصدون يضربون إليه آباط الإبل بعد أن سار ذكره في الآفاق سير المثل.

ألف الثعالبي كتابه خدمة للنص القرآني، وتوصلا إلى فَهم أحكامه، حيث يقول:" أما بعد حمدًا لله على آلائه والصلاة والسلام على محمد وآله، فإن من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الرسول أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم، ومن أحب العربية عُني بها وثابر عليها وصرف همته إليها".

اعتمد الثعالبي في كتابه هذا على كتاب ابنِ فارس المسمى فقه اللغة أيضًا اعتمادًا كبيرًا، حتى إنه نقل عنه أبوابًا بأكملها لم يغير عناوينها ولا المادة التي تحتويها، حيث قسّم الكتاب إلى قسمين: سُمى القسم الأول: (فقه اللغة) ضمّنه ثلاثين بابًا، ويشتمل كل باب على عدة فصول، وهذا القسم عبارة عن (معجم) من نوع خاص، جمع فيه الألفاظ المتصلة بموضوع واحد، ثم رتبها حسب الموضوعات، بدأها بباب في الكليات، وهي ما أطلق أئمة اللغة في تفسيره لفظةَ كل، كما جمع فيه عددًا من الألفاظ يقارن فيها بين العربية والفارسية والرومية.

أما القسم الثاني فسماه (سر العربية) وقد صرح هو بذلك في مقدمة الكتاب حين قال: (وشفعته بسر العربية)، وهو سر العربية في مجاري كلام العرب والاستشهاد بالقرآن على أكثرها، وهذا القسم يشتمل على جوانب مختلفة من الدرس اللغوي دون أن يكون بينها رابط، ودون أن يكون هناك منهج يدرج موضوعاتها أقسامًا محددة، أراد أن يعرض لبعض الخصائص أو القوانين التي تتميز بها العربية في استعمالاتها المختلفة.

ويحمل هذا الكتاب ثروة لفظية هائلة مقسمة على مجموعة من الأبواب والفصول عرضها وقف طرائق مختلفة، معتمدًا في ذلك على مجموعة من التصانيف التي سبقت مؤلفه، ويُعد من معاجم المعاني، ورغم اختصاره فهو كتاب شامل محيط.