اليونسكو تحيي اليوم العالمي للغة العربية 2014
تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو" بعد غد اليوم العالمي للغة العربية 2014 تحت شعار"الحرف العربي" ، وذلك لما يمثله من قيمة في الرمز للغة العربية المحتفى بها. وما يمثله كذلك من حضور لافت على مستوى الثقافات والحضارة البشرية بوصفه أحد الصور التي تجاوزت الرسم التواصلي الى الأعمال الفنية و الابداعية.
وأكد رئيس الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، الدكتور زياد الدريس أن قرار الهيئة جاء بالتنسيق مع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الذي اقترح على الهيئة الدولية أن يكون الحرف العربي العنوان الرئيسي للاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي يوم 18 ديسمبر 2014 .
وأضاف الدكتور الدريس أن الاحتفاء بالحرف العربي يكرس إعادة لفت الانتباه إلى أهميته وجماله والاستحضار لقيمته العالية التي تمثل ما يشبه الاتفاق الجمعي العالمي على مكانته في الحضارة البشرية، حيث سيشارك في الندوات المخصصة لهذا الموضوع عدد من الخبراء اللغويين مع جمهرة الكتاب والباحثين والدبلوماسيين والإعلامين والعاملين في اليونسكو، كما سينظم معرض للخط العربي على هامش الاحتفالية يشارك فيه عدد من الخطاطين من مناطق جغرافية متنوعة.
ودعا رئيس الهيئة الاستشارية المؤسسات والهيئات الثقافية والتعليمية والإعلامية في العالم العربي إلى حشد الطاقات للتحضير لهذه المناسبة بما يليق بمكانة اللغة العربية ومدلولاتها الحضارية.
يذكر أن المجلس التنفيذي لليونسكو قد قرر في دورته 190 في أكتوبر 2012 ،تكريس يوم 18 ديسمبر للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها و لكافة المنظمات الدولية المنضوية تحتها.
وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، في رسالتها بهذه المناسبة، إلى أن اليوم العالمي للغة العربية يمثل فرصة للاحتفال بإسهام هذه اللغة في التراث المشترك للإنسانية . ويشهد التاريخ على الدور الذي اضطلعت به اللغة العربية منذ القدم في تداول المعارف بين الثقافات المختلفة وعلى مر العصور من الفلسفة إلى الطب ومن الفلك إلى الرياضيات. وقد أوجدت اللغة العربية فناً فريداً هو فن الخط الذي يجري تكريمه هذا العام من خلال أعمال العديد من الفنانين ، بمن فيهم الخطاط البارز والمعلم الكبير "عبد الغني العاني" وريث مدرسة بغداد والفائز بجائزة اليونسكو – الشارقة للثقافة العربية في عام 2009، وتمثل قوة اللغة العربية أيضاً المادة الحية للعديد من التقاليد والفنون الشعبية المدرجة في قائمة التراث الثقافي غير المادي ومنها : الزجل وهو شعر يلقي أو يغني في لبنان ، والأرغان أي الممارسات والدراية المرتبطة بشجرة الأرغان في المغرب ، والعيالة وهو فن أداء تقليدي في سلطنة عمان والإمارات ، وطقوس ومراسم الاحتفال بعيد السبيبة في واحة جانت في الجزائر. وتبين كل هذه التقاليد مدي ارتباط هويات الشعوب باللغة .
وأضافت بوكوفا أن اللغة العربية تمثل أيضاً رمز الوحدة في التنوع ،ومن خلال إقامة روابط ثقافية وتضامنية عبر الحدود يتيح تعزيز اللغة العربية لملايين من الرجال والنساء إسماع أصواتهم والمشاركة علي قدم المساواة في بناء مجتمعت أكثر عدلاً وأكثر شمولاً واستدامة . ودعت بوكوفا في هذا اليوم جميع الدول الأعضاء سواء أكان مواطنوها ناطقين بالعربية أم لا إلي حمل رسالة التعدد اللغوي هذه كقوة دافعة نحو التفاهم وبناء السلام .
ووفق برنامج "العربية للجميع" غير الربحي لنشر اللغة العربية، فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد المتحدثين باللغة العربية كلغة أولى يبلغ اليوم 279 مليون نسمة، هم سكان الدول العربية، يضاف إليهم 130 مليونا آخر يتكلمونها لغة ثانية. وتتوقع الإحصاءات نفسها، أن يتحدث بها عام 2050 نحو 647 مليون نسمة كلغة أولى، أي ما يشكل نحو 6.94% من سكان العالم، ها. وتأتي اللغة العربية حاليا في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، من حيث ترتيب اللغات في الكرة الأرضية، وهي تعد من أكثر اللغات انتشارا في العالم، ويعزز وجودها أنها لغة القرآن الكريم والدين الإسلامي، الذي يعتنقه كل يوم أفواج من البشر من مختلف أنحاء الأرض، ولا تتم الصلاة إلى بإتقان بعض كلماتها.
واللغة العربية هي أكثر اللغات تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا. والعربية هي أيضاً لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي ، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثر انتشار الإسلام وتأسيسه دولاً في ارتفاع مكانة اللغة العربية ، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون ، وأثرت العربية تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية ، وبعض اللغات الأوروبية وخاصة المتوسطية كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية، كما أنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.
وتعتبر العربية لغة رسمية في كل دول الوطن العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في تشاد وإريتريا وإسرائيل. واللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن13 أكثر من 80 ألف مادة ، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون ، وهو من أوائل من وضع قاموساً إنجليزياً من القرن 18 يحتوي على 42 ألف كلمة.
وتحتوي العربية على28 حرفاً مكتوباً ، ويرى بعض اللغويين أنه يجب إضافة حرف الهمزة إلى حروف العربية ليصبح عدد الحروف 29. وتكتب العربية من اليمين إلى اليسار ، ومثلها اللغة الفارسية والعبرية وعلى عكس الكثير من اللغات العالمية ، ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها. ويعتبر تطور نظام الكتابة العربية منذ القرن 9 إلى القرن 11، حيث كتبت البسملة بخط كوفي غير منقط ولا مشكل. ثم جاء نظام أبي الأسود الدؤلي المبكر ويعتمد على تمثيل الحركات بنقاط حمراء تكتب فوق الحرف(الفتحة )أو تحته ( الكسرة) أو بين يديه ( الضمة) وتستعمل النقطتان للتنوين. ثم تطور النظام بتنقيط الحروف وجاء نظام الخليل بن أحمد الفراهيدي المستعمل إلى اليوم، وهو وضع رموز مختلفة للحركات فيما تبقى النقاط لتمييز الحروف. واللغات العربية القديمة كانت تكتب بالخطين المسند والثمودي ، ثم دخل الخط النبطي على اللغة العربية الحديثة ( وقيل أنه نسبة لنابت بن إسماعيل( فأخذ ذلك الخط مكان الخط الثمودي في شمال الجزيرة، وأصبح الخط المعتمد في "لغة مضر العربية الحديثة" (نسبة إلى قبيلة مضر( . أما لغة حمير "العربية الجنوبية" فحافظت على الخط المسند. هذا بينما أخذ الخط النبطي الذي هو أبو الخط العربي الحديث يتطور أيضًا ، وكان أقدم نص عربي مكتشف مكتوبًا بالخط النبطي وهو نقش (النمارة) المكتشف في سوريا والذي يرجع لعام 328 ميلادي . وفي الفترة السابقة للإسلام كانت هناك خطوط أخرى حديثة للغة مضر مثل: الخط الحيري نسبة إلى الحيرة، والخط الأنباري نسبة إلى الأنبار. وعندما جاء الإسلام كان الخط المستعمل في قريش هو الخط النبطي المطور، وهو الخط الذي استخدمه كتاب النبي محمد في كتابة رسائله للملوك والحكام آنذاك. ويلحظ في صور بعض تلك الخطابات الاختلاف عن الخط العربي الحديث الذي تطور من ذلك الخط. وبعض المختصين يعتبرون ذلك الخط النبطي المطور عربيًا قديمًا، وأقدم المكتشفات المكتوبة به "نقش زبد" 568م ، و"نقش أم الجمال" 513م ، وأما النقوش السبئية فهي أقدم النقوش العربية والتي يرجع بعضها إلى 1000 ق.م.
وكان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي ، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الإمام علي بن أبي طالب حين بدأ أبو الأسود الدؤلي الكناني بتنقيط الحروف. ثم أمر عبد الملك بن مروان نصر بن عاصم الليثي الكناني ويحيى بن يعمر العدواني بتشكيل الحروف ، فبدؤوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه ، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه. ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح ، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم. ثم تطور مجدداً للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم. ويقول القلقشندي : "الخط العربي هو ما يسمى الآن بالكوفي، ومنه تطورت باقي الخطوط"، إلا أن البعض يوضح أن الخط العربي ذو الزوايا الحادة الذي عرف لاحقا بالخط الكوفي ترجع أصوله إلى ما قبل بناء الكوفة بقرن من الزمان ، إذ أن العربية قبل الإسلام كان تكتب بأربعة خطوط أو أقلام : الحيري والذي منه اشتق الخط الكوفي ، الأنباري ، المكي ، والمدني ، كما أن المسلمين الأوائل قاموا بتدوين القرآن بالخط المكي ، وانتشر هذا الخط الموزون المسوَي قبل غيره، بما أن هذه الكتابة هي كتابة المصاحف الأولى التي تمت في زمن عثمان بن عفان، الذي أرسل هذه المصاحف إلى الأمصار بما فيها الكوفة فصارت هي القدوة في الكتابة. وتنوعت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار مع ازدياد رقعة الدولة الإسلامية وازدهار العلوم والفنون التي عبر عنها العلماء والأدباء بلسان عربي ، ومن أبرز الخطوط العربية الخط الكوفي ، خط الطومار أو الخط الطوماري وهو نوع كبير من خط النسخ يتميز بضخامة الحجم ووضوح المعالم ودقة النهايات ، وحرفا الفاء والقاف في هذا الخط تكون أواسطها محدودة وجنباتها مدورة؛ خط النسخ أو الخط النسخي الذي كان يستخدمه النساخون في نسخ الكتب ؛ الخط الأندلسي الذي تطور في بلاد الأندلس وظهرت فيه بعض مؤثرات الحروف الأفرنجية، وغيره كثير مثل خط الثلث والخط الفارسي والخط المغربي.
ومن الخطوط العربية ما يعرف باسم الخطوط التفننية ومن هذه:الطغراء والخط المثنى وخط المعمى. أما الطغراء أو الطغرى أو الطرة فهي شكل جميل يكتب بخط الثلث على شكل مخصوص، وفي الغالب تكون مزيجًا من خط الديواني وخط الثلث. وأصلها علامة سلطانية استعملها السلاطين العثمانيون لتوقيع الفرمنات والرسائل السلطانية وكان أول من استعملها هو السلطان أورخان الأول بن عثمان .