تحقيقات وتقارير

ثورة 30 يونيو.. مصر تصحح خطأ التاريخ وتعلن مولد الجمهورية الثالثة

الصباح العربي

في لحظة من تاريخ مصر، كانت مشحونة بالخطر، ومعبأة بالقلق، أثبت الجيش المصري، أن الولاء والانتماء أولا للشرعية الشعبية، وقد استشعر إرادة الشعب منذ اللحظة الأولى، وأن عليه أن يتحمل مسؤوليته.

وشواهد وحقائق اللحظة التاريخية، تقول: إن القيمة العظمى للحظة التاريخية الفارقة في تاريخ مصر الحديث، مع الثورة الشعبية الثانية، في الثلاثين من يونيو/ حزيران، كانت حاضرة في موقف جيش الشعب من ثورة الشعب، ومنذ أن تحركت الملايين وفي طليعتها الشباب، تريد إسقاط النظام، وأن تتحرر من عبء «جماعة» أصابت أعصاب الأمة وطاقاتها ومواردها بالترهل، حتى أصبحت غير قادرة على أن تصلب عودها!!

مصر تستدعي جيشها لإنقاذ الوطن

كان الشعب المصري ـ وبحسه التاريخي الوطني ـ قد استدعى جيشه في لحظات مصيرية وفاصلة، لإنقاذ الوطن من أزمة خطيرة تهدد وجود الدولة، وذلك تحد لم تواجهه مصر على طول ما واجهه في تاريخها الحديث من تجارب.. جربت الثورة.. وجربت الحرب.. وجربت الغزو.. ولكنها لم تواجه في ذلك التاريخ الحديث تجربة تهديد الدولة!! كنا أمام سابقة يسجلها الشعب المصري في تاريخه، ولم يسبقه أحد من شعوب العالم، على امتداد التاريخ الإنساني، أن يطلب شعب تدخل الجيش في شؤونه الداخلية طلبا للإنقاذ.

وباعتبار أن القوات المسلحة المصرية، وفي هذه اللحظة هي قوة وحيدة تقف حاجزا بين مصر والفوضى الشاملة، وأن الحفاظ على الكيان الوطني سابق في جدول الأولويات عما عداه.. ولذلك لم يكن غريبا أن يراهن الشعب المصري، على الجيش منذ اللحظة الأولى عندما اندلعت شرارة الغضب لتشعل ثورة 30 يونيو.

كانت ثورة 30 يونيو 2013، تتحرك بقوة العاصفة الشعبية إلى آفاق المستقبل الذي تحلم به، وإستعادة أمل غاب طويلا وراء السحب الداكنة التي تكاثرت في سماء مصر .. وبعد أن خرج الشعب المصري كله، بأجیاله ، وبطبقاته ، وبطوائفه ، يمسك بالشرعیة في يده ، في ھذا المنعطف التاريخي ، يجسد حلم خلاص مصر ، ويفرض إملاءاته لترتیبات المستقبل

تأسيس قواعد الجمهورية الثالثة

كانت شرعیة الملايین تفتح الطريق للمستقبل، وتصحح خطأ التاريخ، وتدشن قواعد الجمھورية الثالثة:

والجمھورية الأولى في التاريخ المصري، بدأت مع ثورة يولیو 1952 التي ارتكزت على مفھومین أساسیین ھما : تخلیص الوطن من قیود الاستعمار والاستغلال ، ورد الاعتبار إلى الشخصیة المصرية ، ثم بدأ التغییر الشامل والعام سیاسیا واقتصاديا واجتماعیا .. وتحددت ملامح الجمھورية الأولى بعد سقوط الملكیة، وانھیار الفوارق الطبقیة والاجتماعیة الرھیبة، والانحیاز للفقراء، وتصاعد حركة ودور الطبقة الوسطى، وسیادة العدالة الاجتماعیة ، وأن تمارس مصر دورھا الفاعل والنافذ في محیطھا العربي والأفريقي ، ويمتد التأثیر إلى دول العالم الثالث ، ومع نھضة ثقافیة وفنیة ساھمت في تشكیل وجدان المواطن العربي.. والجمھورية الأولى التي إستندت إلى شرعیة الثورة ، كان لھا منھجھا ورؤيتھا وفلسفتھا الاقتصادية والاجتماعیة ، وثوابت ومواقف سیاسیة تحدد مسار العلاقات العربیة والدولیة.

والجمھورية الثانیة إستندت إلى شرعیة حرب أكتوبر 1973 وإنحرفت 180 درجة عن مبادئ وثوابت ورؤية وفلسفة الجمھورية الأولى ، وحدثت التحويلة الكبرى باتجاھات مغايرة تماما ، سیاسیا واقتصاديا واجتماعیا ، ومن فكر اقتصادي إشتراكي، إلى فكر اقتصادي مختلط، لا ھو رأسمالي، ولا ھو اشتراكي ، وبدأ الانحیاز واضحا لطبقة الأغنیاء، وتصدعت التركیبة الاجتماعیة المصرية، وإنھارت الطبقة الوسطى، وغابت العدالة الاجتماعیة ، وتراجع دور مصر العربي والإقلیمي، وحدث خلل كبیر في الفكر السیاسي المصري، ومن موقف عدم الانحیاز إلى الانحیاز للغرب، وجاءت الخیارات السیاسیة تفتح الأبواب لتدخل الغرب، وأن تختل رؤية المصالح الحیوية .. وتحددت ملامح الجمھورية الثانیة بتغییرات شاملة للأوضاع الاقتصادية ،والمواقف السیاسیة ، والحالة الاجتماعیة.. وشھدت الجمھورية الثانیة ولادة التجربة الحزبیة ، وھي أحزاب لم تولد ولادة طبیعیة ، بل جاءت كلھا بولادة قیصرية ، ولأنھا ولدت في أحضان النظام فقد ظلت منھكة ، ولم تواتھا الفرصة أو لم تواتھا الشجاعة لإثبات وجودھا وفاعلیتھا.. مع إستمرار صورة الحاكم «الفرعون» الذي لايرحل إلا بالموت !!

والجمھورية الثالثة والتي تستند إلى شرعیة «ثورة 30 يونيو 2013»، والتي مهدت لها شرعية «ثورة 25 يناير 2011»، كانت ملامحھا قد حددتھا مطالب الشرعیة الشعبیة ، بضمان كل الحريات الديمقراطیة والاجتماعیة للمصريین، ومع تحديد زمن ولاية الحاكم، وإجراء إنتخابات تعددية حقيقية و نزيهة لإختيار الرئيس، وهي بداية مرحلة جديدة في التاريخ المصري المعاصر مع الجمهورية الثالثة والتي بدأت بمؤشر له دلالاته، بتصحيح أخطاء سياسية واجتماعية واقتصادية، واسترداد مصر لمكانتها وريادتها ونفوذها في المنطقة العربية والعالم ، بعد التراجع البائس الذي كانت عليه مصر الدولة قبل الثورة الشعبية، حين انكمشت داخل جلدها، وتضاءلت، وداهمتها التجاعيد، وتحولت من لاعب رئيسي إلى متفرج !!

الجمهورية الثالثة، تشهد تحولات سياسية كبرى في الفكر والفعل، وهي رؤية وزير الدولة للشئون الخارجية الفرنسي الأسبق ، هيربرت فيدرين، مؤكدا «أن مصر التى تعد، تاريخياً، قلب العالم العربى، تم تحييدها لأكثر من 30 عاماً عن المنطقة، تاركة إياه مشلولاً، أما الآن فمصر الديمقراطية ستسعى لإعادة تأكيد نفوذها فى الشرق الأوسط، وهناك بداية «فجر» جديد للقومية العربية فى المنطقة، حتى وإن كان من غير المؤكد كيفية تطور الأحداث فى العالم العربى خلال المرحلة المقبلة»

ومن أبرز ملامح الجمهورية الثالثة، أن مصر بعد ثورة 30 يونيو، لن تكون هي مصر بعد هذا التاريخ ، وينطبق هذا على أوضاعها الداخلية ، ونظامها السياسي ، مثلما ينطبق علي علاقاتها الإقليمية والدولية .

استدعاء الشعب لجيشه .. وتفويض وزير الدفاع

كانت بداية السفر لتأسيس الجمهورية الثالثة، مع استدعاء الشعب المصري لجيشه ـ ومفوضا وزير الدفاع ، وقتئذ ، المشير عبد الفتاح السيسي ـ للخروج من أزمة خطيرة تهدد وجود الدولة، وفي تحد لم تواجهه مصر على طول ما واجهته في تاريخها الحديث من تجارب.. ويرى المؤرخون، أن الشعوب والأمم الحّية دائما تستدعي رجالها وأبطالها في اللحظات الحرجة من تاريخها، وقد حدث هذا بالفعل كثيرا:

حدث في فرنسا..حينما استدعت الجنرال «شارل ديجول» ليتولى قيادة فرنسا الحرة، ونقلها من فوضى ما بعد التحرير 1945 إلى مرحلة تثبيت الدولة الفرنسية واستعادة رواسيها.. والجنرال ديجول صاحب دور مشهود في تاريخ فرنسا، وبعد أن أسقط الجمهورية الفرنسية الرابعة عام 1958، وأقام الجمهورية الخامسة وانطلاق فرنسا إلى قمة الدول الكبرى .

وحدث في أمريكا.. حين استدعى الشعب الأمريكي الجنرال «دوايت أيزنهاور» القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، إلى رئاسة الولايات المتحدة لدور مقصود، هو أن يقود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وبين أمريكا ، وكان للجنرال «إيزنهاور» دورا مشهودا في تاريخ بناء الدولة الأعظم.

وكان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية «عسكريون»، بدءًا بأول رئيس أمريكي «جورج واشنطن»، القائد العام للقوات المسلحة للجيش القاري، ومرورا بالرئيس السابع «أندرو جاكسون»، قائد القوات الأمريكية في معركة «نيو أورليانز»، والرئيس التاسع «ويليام هنري هاريسون»،أحد قادة البحرية الأمريكية .

وفي بلد ديمقراطي عريق مثل بريطانيا.. وفي أزمة عام 1975 حين فقدت الثقة تماما في رئيس الوزراء المنتخب «هارولد ويلسون»، وأحاطت به الشكوك تتهمه بأنه شيوعي مدسوس على حزب العمال البريطاني، إتجهت الأنظار إلى رئيس هيئة أركان حرب الإمبراطورية اللورد «لويس مونتباتن»، وتم إستدعاؤه للتدخل لدى الملكة «إليزابيث»، وعرض المخاطر أمامها، رغم أنها لا تملك دستوريا غير حق «النصيحة أو القبول»، ولكن ما حدث أجبر رئيس الوزراء «هارلد ويلسون» على الاستقالة !!

وفي مصر.. حين ثار الشعب في العام 1805على الوالي «خورشيد باشا» ممثلا للأوضاع المتردية والمهينة التي عانت منها مصر، وغاب عنها مستقبلها، استدعى أعيان البلاد، رجلا عسكريا «محمد علي باشا» نائب رئيس الكتيبة الألبانية في مصر، وصحيح أنه لم يكن مصريا، ولكن كان عسكريا، وله أيضا دوره المشهود في بناء مصر الحديثة

وهكذا .. كانت ثورة 30 يونيو / حزيران 2013 تجسيدا لحقيقة استدعاء الشعب المصري ـ وبحسه التاريخي الوطني ـ لجيشه، لينقذ الوطن من مخطط إخواني كان يستهدف حاضر ومستقبل الوطن وهويته ودوره، ويعلن عن أمة استيقظت وراحت تسترد ما سرق منها .

ثورة 30 يونيو مصر تصحح خطأ التاريخ وتعلن مولد الجمهورية الثالثة