الصباح العربي
الجمعة، 19 أبريل 2024 01:29 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

كمال جاب الله يكتب: وصفة صينية سهلة للوقاية من الفقر والإرهاب

الصباح العربي

"أقول للمسلمين في الغرب: اندمجوا في مجتمعاتكم اندماجًا إيجابيًا، تحافظون فيه على هويتكم، واعلموا أن هذه المجتمعات أمانة دينية تُسألون عليها أمام الله".

خلال زيارتي ضمن وفد إعلامي وصحفي مصري لولاية خوتيان، شمال غربي الصين، تمنيت أن هذه الرسالة، التي وجهها فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، أمام مؤتمر أبوظبي للتعايش والتسامح الديني، تصل إلى عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبالذات، في المجتمعات التي يمثلون فيها أقليات دينية.

في الصين تعيش 56 قومية، من بينها 10 قوميات تدين بالإسلام، أهمها القومية الويغورية، التي تسكن في منطقة شينجيانغ، ذاتية الحكم، في شمال غرب البلاد.

في منطقة شينجيانغ يوجد 24400 مسجد، تراها منتشرة على جانبي الطرق في القرى والمدن، لمسلميها البالغ تعدادهم نحو 13 مليون نسمة، ما يعني أن هناك مسجدًا لكل 530 مسلمًا، في المتوسط،، مقارنة بتركيا، مثلا، التي يوجد فيها مسجد واحد لكل 910 أشخاص.

في شينجيانغ، يتمتع الأشخاص المنتمون إلى المجموعات القومية المختلفة بحرية الاعتقاد الديني، والحرية الكاملة في استخدام لغتهم القومية الخاصة، المنطوقة والمكتوبة، بالإضافة إلى الاحترام الكامل لحقوقهم الثقافية التي يكفلها القانون.

تأكد الوفد الصحفي والإعلامي المصري الزائر، بنفسه، من تطبيق هذه المعاني والتوجهات، واستمع إليها من الشيخ محمد، إمام مسجد "عيد كاه" الكبير بكاشغر، الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من 570 عامًا، وكذلك من الشيخ أبا الحسن، إمام الجامع الكبير في خوتيان، الذي أعيد بناؤه منذ فترة بتمويل حكومي، واحتفظ بالنمط الأصلي لعمارته.

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، حظيت الحقوق والنشاطات الدينية الطبيعية لمسلمي شينجيانغ بالاحترام الكامل في ظل حرية العقيدة الدينية التي ينص عليها الدستور والقوانين، ولطالما حرص رجال الدين وجموع المسلمين في المنطقة علي صون العهد مع القوميات المختلفة، وساهموا في بناء شينجيانغ وجعلها تتمتع بالاستقرار والازدهار.

في تسعينيات القرن الماضي، طفا على سطح الأحداث عدو مشترك للإنسانية جمعاء، مرتديا ثوب التطرف والإرهاب، وكما اكتوت مصر منه، تسلل هذا العدو اللعين إلى منطقة شينجيانغ، ذات الأغلبية المسلمة، ليبقوا هم الأكثر فقرًا في بر الصين، وبالذات، في الولايات الجنوبية: كاشقر وخوتيان وأكسو وقيرغيز، ولتقع المنطقة الويغورية، فريسة لقوى شر ظلامية، ثلاثية، هي: قوى انفصالية قومية، قوى تطرف ديني، قوي العنف والإرهاب.

خسائر بشرية ومادية وأضرار باهظة التكاليف، دفعتها الصين، وتحملها- بصبر- سكان منطقة شينجيانغ من جميع القوميات، نتيجة لآلاف الهجمات الإرهابية، التي نفذتها قوى الشر، الثلاثية، علي مدى العقدين الماضيين، وهي موثقة- بالصوت والصورة- في متحف مخصص لهذا الغرض بمدينة أوروموتشي عاصمة المنطقة.

لم يتوقف التخريب ووقف الحال في منطقة شينجيانغ، عند هذا الحد، بل تهدد نظام الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، إضافة إلى حدوث انتهاك خطير لحقوق الإنسان الأساسية، وأهمها: الحق في الحياة والصحة والملكية والتنمية، لأبناء جميع القوميات الأخرى.

ظلت منطقة شينجيانغ الويغورية، ذاتية الحكم، منحوسة بالفقر والتطرف والإرهاب، في حين نعم سكان مناطق الصين الأخرى بتنمية اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل، نتيجة حدوث معجزات اقتصادية، حققها بر الصين، بفضل اتباع سياسة الإصلاح والانفتاح منذ عام 1978.

فدولة الصين التي بلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2017 أكثر من 12 تريليون دولار، وحافظت علي وضعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم، كان ناتجها حوالي 150 مليارا- فقط- في عام 1978، وارتفع متوسط دخل الفرد فيها إلى نحو 9 آلاف دولار سنويا، في عام 2017، مقابل 156 دولارا فقط في عام 1978.

أيضًا، وبفضل تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح فإن الصين، التي لم يكن فيها أي استثمارات خارجية قبل أربعة عقود، بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر فيها نحو تريليوني دولار، وتخطت استثماراتها الخارجية 1.3 تريليون دولار، وارتفعت احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى أكثر من 3 تريليونات دولار.

الأهم من كل ذلك على الإطلاق هو انتشال نحو 700 مليون مواطن صيني من براثن الفقر، وفي مقدمتهم سكان منطقة شينجيانغ، التي ستحتفل العام المقبل 2020، مع باقي مناطق الصين بالقضاء نهائيًا على الفقر.

أسباب أيديولوجية واعتبارات إستراتيجية تقف وراء حملة رهيبة من الأحكام المسبقة والتشويه والافتراءات الكاذبة، تقودها بعض الدول والحكومات والشخصيات، وآخرها صدرت من نظام أردوغان، للتعريض بجهود الصين وبرامجها لانتشال مواطنيها من براثن الفقر، ومن ثلاثي قوي الشر: الانفصال، والتطرف الديني، والعنف والإرهاب، في منطقة شينجيانج.

في منطقة شينجيانغ الصينية، وبالتحديد، في ولاية خوتيان، وقبلها في ولاية كاشغر، الويغوريتين، زرت بنفسي- خلال الفترة من 25 إلى 31 يناير الماضي، المساجد والمستشفيات والمصانع والمزارع والمؤسسات التعليمية والأسواق، وأديت الرقصات الفولكلورية مع شعبها، وأكلت من طعامها الشهي: الخبز المحشو بلحم البقر والضأن والكعك والمكسرات والألبان والفاكهة والخضراوات الطازجة.

تفقدت، في هاتين الولايتين، مراكز التعليم والتدريب المهني، المقامة- خصيصًا- لمساعدة أهالي المنطقة، وبالذات، الشباب، في تعلم اللغات ودراسة القوانين واكتساب المهارات، وفقًا لمناهج وقائية عصرية صارمة، أبدعتها القريحة الصينية، وأثبتت نجاحها، بدليل عدم وقوع أي أحداث إرهابية منذ أكثر من عامين.

هذا المنهج، التعليمي والتدريبي والمهني، والتأهيلي والعصري، مع الجدية في انتشال باقي المواطنين الصينيين من براثن الفقر، في حدود عام 2020، المقبل، يصلح تقديمه كـ وصفة أو كـ "روشتة"، سهلة، ومجربة، لدول عربية وإسلامية، ولمجتمعات أخرى، تعاني من ظروف مماثلة للإرهاب والتطرف الديني، وهو ما سوف نلقي عليه المزيد من الضوء، في مقال جديد، بإذن الله.

نقلًا عن بوابة الأهرام

كمال جاب الله وصفة صينية سهلة الوقاية من الفقر والإرهاب التعليم وفد إعلامي

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq