الصباح العربي
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 10:10 صـ
الصباح العربي

دين وحياة

وزير الأوقاف في حديثه عن ”فروض الكفايات”: الدين فن صناعة الحياة وليس صناعة الموت

الصباح العربي

في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر ، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في الحلقة السابعة عشرة من برنامج "رؤية" بعنوان: "فروض الكفايات"، أن الدين ليس بمعزل عن الحياة ، فالدين هو فن صناعة الحياة وليس فن صناعة الموت ، ودورنا عمارة الدنيا بالدين ، وليس كما تفعل الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تقتل وتسفك الدماء ، وتهتك الأعراض ، وتنهب الأموال ، وتخرب ، وتفسد باسم الدين ، والدين من ذلك براء ، وواجبنا هو التصدي بكل قوة لهذه الجماعات وأفكارها الهدامة ، لافتًا إلى أن هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي ناقشها كتاب : "قضايا الدين والحياة رؤية عصرية" الصادر ضمن سلسلة "رؤية" للفكر المستنير ، مؤكدًا أننا درسنا وتعلمنا أن هناك فرقًا بين فرض العين ، وهو الذي تفعله بشخصك كالصلاة فرض عين عليك أنت ، أن تصلي عن نفسك ، الصيام فرض عين ، الزكاة فرض عين ، الحج لمن استطاع إليه سبيلا فرض عين ، هذه العبادات ، وهناك فروض الكفايات ، الفرض العين لا يسقط عنك ، ولا يمكن لأحد أن يقوم به نيابة عنك إلا لضرورة مقدرة شرعًا كالعاجز عن الحج شرعًا وأناب من يحج عنه ، أما فروض الكفايات فإذا فعلها بعض الناس سقط الإثم عن الجميع ، وإن لم يفعلها أحد منهم أثم الناس جميعًا ، كتشييع الجنازة ، فإذا مات واحد من الناس ، ولم يقم أحد بغسله ، وتكفينه ، ودفنه، والقيام بواجب الميت أثم الناس جميعاً ، فإن قام به بعض الناس سقط الإثم عن الجميع ، وكتشميت العاطس ، لو قال أحد الموجودين يرحمك الله كفى ، أما إذا لم يشمته أحد أثم الجميع ، وكرد السلام إذا جاء إنسان فسلم على الناس " السلام عليكم" ، ولم يرد أحد من الجالسين أو المسلَّم عليهم قط أثم الجميع ، فإن رد واحد أو اثنين أو ثلاثة أي رد بعضهم سقط الاثم عن الباقين ، لكن فرض الكفاية أوسع من ذلك بكثير ، لأننا نؤكد أن إطعام الجائع وكساء العاري ، ومداواة المريض كل ذلك من فروض الكفايات ، يقول (سبحانه وتعالى): "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، فنحن جميعًا في سفينة واحدة نرجو أن تصل بنا جميعًا إلى بر الأمان ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى"، ومن أهم جوانب فروض الكفايات : قضاء حوائج المحتاجين ولا سيما في وقت الشدائد ، والأزمات ، والنوازل ، والنوائب ، والمحن ، والحاجات حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له ، فذكَر مِن أصنافِ المالِ ما ذكَر حتَّى رأَيْنا أنْ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضلٍ" ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم"، هذا هو التكافل ، وهذا هو التراحم الذي جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : "هم مني وأنا منهم" ، ومن فروض الكفايات قضاء حوائج الناس ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرًا ، يعني مسجده الشريف بالمدينة المنورة عليها وعلى ساكنها أزكى السلام ، ثم يكمل النبي (صلى الله عليه وسلم): "ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" ، فالوقوف إلى جانب الفقراء والمحتاجين ، قضاء حوائجهم ، سد جوعة الجائعين ، كسوة من يحتاج إلى الكسوة ، من أدخل السرور على إنسان كان حقًا على الله أن يرضيه يوم القيامة، فالدين ليس بالكلام، والمواساة ليست مجرد كلام ، الشكر الحقيقي : شكر يكون بالعمل ، حيث يقول (سبحانه وتعالى): "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"، شكر نعمة المال ليس بتقبيل اليد ظاهرًا أو باطنا ، شكر المال بالإنفاق ، شكر العلم أن تعلمه للناس ، شكر كل نعمة تكون من جنسها ، أن تقف إلى جانب الفقراء والمحتاجين ، أن تقضي حوائجهم ، أن تكرم الأيتام ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرَّت عليها يده حسنات"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أنا أول من يفتح باب الجنة، فأرى امرأة تبادرني - أي تسرع خلفي لتدخل معي إلى الجنة - فأقول لها: مالكِ؟ من أنتِ؟ فتقول المرأة: أنا امرأة قعدت على أيتام لي"، ويؤتى بالأيتام وكافليهم يوم القيامة ، فيقول اليتيم إلهي عبدك هذا أطعمني يوم كذا ، إلهي عبدك هذا سترني يوم كذا ، إلهي عبدك هذا سقاني يوم كذا ، إلهي عبدك هذا سد جوعتي يوم كذا ، إلهي عبدك هذا آواني وسترني في مسكنه يوم كذا ، فيقول رب العزة ليأخذ كل يتيم بيد صاحبه ويدخل الجنة ، فيدخلون الجنة قبل الناس ، إكرام الأيتام ، والفقراء ، والمساكين ، ثم لا تنس أن الأيام دول يوم علينا ، ويوم لنا ، ويوم نساء ويوم نسر ، فغني اليوم قد يكون فقير الغد ، وفقير اليوم قد يكون غني الغد :

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى

وأن الغنى يخشى عليه من الفقر

حيث يقول (سبحانه وتعالى): "وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، فمن فضل الله أن جعلك معطيا ، وهو القادر على أن يبدل الأحوال فيجعل المعطي آخذًا ، والآخذ معطيًا ، فإن شكرت والشكر يكون بالإنفاق فهذا قوله (سبحانه وتعالى): "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"، ولا تمتن على أحد ، لا تتبع ما أنفقت منا ولا أذى يقول (سبحانه وتعالى): "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"، كان أحد الصالحين يقول : "إذا أنعم الله علي بنعمة فوفقني لشكرها ، أو أعطاني مالا فوفقني في إنفاقه ، لعلمت أن الإنفاق نعمة جديدة من الله تستحق شكرا جديداً ، يقول (سبحانه وتعالى):"‌هَاأَنْتُمْ ‌هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ"، ويقول الشافعي (رحمه الله) :

تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ

يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ

وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً

فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ

وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ

فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ

وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي

وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ

وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ

وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ

إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ

فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ

وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا

فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ

وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن

إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ

قضاء حوائج الناس من فروض الكفايات التي إن قام بها البعض سقط الاثم عن الباقين ، وإن لم يقم بها كل من قدر أو كان عالمًا على سد الكرب ، أو رفعه وقع في الحرج والمخالفة.

وزير الأوقاف حديثه فروض الكفايات الدين فن صناعة الحياة وليس صناعة الموت

دين وحياة

click here click here click here altreeq altreeq