الجمعة 11 يوليو 2025 01:41 مـ 15 محرّم 1447 هـ
×

عادات السهر الجديدة: لماذا يجتمع العرب حول الشاشات؟

الجمعة 11 يوليو 2025 12:23 مـ 15 محرّم 1447 هـ

خلال السنوات الأخيرة، شهدت المجتمعات العربية تحولاً لافتاً في عادات السهر، حيث لم تعد الأمسيات تقتصر على الجلسات التقليدية أو الحكايات العائلية.

اليوم أصبحت الشاشات بأنواعها المختلفة – من التلفزيون وحتى الهواتف الذكية – محور اللقاءات الليلية في المنازل والمقاهي.

هذا التغير يعكس تأثير الثقافة الرقمية وانتشار الإنترنت، ما جعل الشاشات مساحة رئيسية للترفيه، التواصل الاجتماعي، وحتى تبادل المعرفة والاطلاع على الجديد.

في هذا المقال نستعرض الدوافع التي تقف وراء هذا التحول، ونتناول كيف ساهمت التكنولوجيا الحديثة في إعادة تشكيل تفاصيل الحياة والسهر عند العرب.

كيف غيّر التحول الرقمي مشهد السهر في البيوت العربية

في السنوات الأخيرة، أصبح من المستحيل تجاهل تأثير التحول الرقمي على عادات السهر داخل العائلات العربية.

لم يعد التلفزيون هو الحاكم الوحيد للسهرة، بل ظهرت العديد من البدائل الرقمية التي تتنافس على انتباه الجميع.

الإنترنت فَتَح الأبواب أمام منصات البث المباشر مثل نتفليكس وشاهد، ما منح العائلة خيارات لا حصر لها لمتابعة الأفلام والمسلسلات وقتما تشاء.

لكن ما لاحظته فعلاً هو انخراط أفراد الأسرة في أنشطة ترفيهية جديدة كلياً، حيث باتت الألعاب الإلكترونية وتصفح المواقع الترفيهية عادة ليلية ثابتة للكثيرين.

من أبرز الأمثلة على ذلك تجربة الترفيه عبر الإنترنت التي تقدمها اون لاين كازينو مصر.

هذه المنصات اجتذبت جمهوراً واسعاً ممن يبحثون عن التشويق، سواء عبر ألعاب الطاولة الكلاسيكية أو الخيارات التفاعلية الحديثة، وكل ذلك من راحة منازلهم.

لاحظت أيضاً أن التواصل الاجتماعي تحول إلى جزء أساسي من هذه السهرات الرقمية، حيث يجتمع الأصدقاء افتراضياً للعب أو الدردشة أو حتى مشاهدة حدث رياضي مباشر معاً عبر الإنترنت.

ومع هذا التنوع في خيارات التسلية، صار لكل فرد حرية اختيار نوع المتعة المناسب له، دون الحاجة لمغادرة غرفة المعيشة أو الالتزام بجدول بث معين كما كان الحال سابقاً.

هذه التحولات لم تقتصر على الشباب فقط. حتى كبار السن باتوا يشاركون أبناءهم وأحفادهم بعض هذه التجارب الرقمية، وهو ما أعاد تعريف معنى السهرة العائلية في كثير من البيوت العربية.

الشاشات كساحة ترفيهية جديدة: ما الذي يجذب الساهرين؟

في السنوات الأخيرة، لم تعد الشاشات مجرد أدوات للعرض أو التسلية العابرة.

تحولت إلى قلب السهرة في المنازل العربية، تجمع حولها العائلة والأصدقاء من مختلف الأعمار.

سواء كانت شاشة التلفاز الكبيرة أو شاشة الهاتف المحمول الصغيرة، صارت المسلسلات والألعاب والمنصات الاجتماعية جزءاً أساسياً من الروتين الليلي.

هذه البيئة الرقمية ألغت الحدود الجغرافية، وخلقت عالماً افتراضياً يسمح بالتواصل الفوري والمشاركة الجماعية حتى بين الأفراد المتباعدين.

من تجربتي، لاحظت كيف أصبح النقاش حول حلقة مسلسل أو التنافس في لعبة جماعية يضفي حياة جديدة على ليالي البيت العربي ويملأها بالحماس والتفاعل.

المسلسلات والدراما: طقوس جماعية على الشاشات

لا يوجد شيء يجمع العائلة مثل متابعة مسلسل جديد في موسم رمضان أو نقاش أحداث دراما مشوقة كل مساء.

تحولت متابعة الأعمال الدرامية إلى عادة ليلية تنتظرها الأسر بشغف، وتكون محور الحديث حتى اليوم التالي في العمل أو المدرسة.

الجلسة أمام الشاشة لا تقتصر فقط على المشاهدة بل تمتد إلى التحليل والنقاش وتبادل الآراء حول الأحداث والشخصيات.

في كثير من البيوت المصرية مثلاً، يصبح التحضير للشاي أو طبق الحلوى جزءاً من طقس المساء قبل عرض الحلقة المنتظرة.

هذا الطابع الجماعي يمنح السهرة بعداً اجتماعياً ويعيد صياغة العلاقات داخل المنزل بطريقة تجعل الشاشة نقطة التقارب لا التباعد.

الألعاب الإلكترونية: تنافس وتواصل عبر الإنترنت

ما كان يُنظر إليه سابقاً كأنشطة فردية أصبح اليوم ساحة جماعية حقيقية بفضل الألعاب الإلكترونية الجماعية عبر الإنترنت.

هذه الألعاب فتحت الباب أمام الشباب لتكوين صداقات خارج حدود الحي أو المدينة وأحياناً حتى خارج حدود الدولة نفسها.

الأجواء تصبح أكثر إثارة حين يتحول اللعب الليلي إلى منافسات شرسة أو تعاون ضمن فريق واحد لتحقيق الفوز في نهاية سهرة طويلة.

دوافع استخدام الألعاب الإلكترونية: دراسة حديثة صادرة في 2023 عن جامعة النجاح توضح أن انتشار الألعاب الإلكترونية بين الشباب العرب ارتبط مباشرة بزيادة ساعات السهر ليلاً، حيث أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من المستخدمين يفضلون اللعب مساءً كمصدر رئيسي للمتعة ولتعزيز التواصل مع الأقران.

في النهاية، استطاعت الشاشات أن تخلق مساحة رقمية يتداخل فيها الترفيه مع التواصل الاجتماعي، لتصبح سهرات العرب أكثر ثراءً وتنوعاً مما مضى.

التواصل الاجتماعي في زمن السهر الرقمي

خلال السنوات الأخيرة، تحولت السهرات العربية من تجمعات تقليدية إلى لقاءات افتراضية يعيشها الكثيرون عبر الشاشات.

لم تعد المسافات الجغرافية عائقاً أمام التواصل، فالجلسات الليلية أصبحت تجمع المغتربين مع أسرهم وأصدقائهم بلمسة واحدة على الهاتف أو الحاسوب.

منصات مثل واتساب وفيسبوك أوجدت عالماً جديداً للسهر، حيث تتشارك المجموعات الرقمية تفاصيل اليوم والضحكات مهما ابتعدت المدن أو تبدلت البلاد.

المجموعات الرقمية: عائلات وأصدقاء بلا حدود

اليوم، لا يقتصر السهر على أفراد العائلة الموجودين في نفس المنزل. مجموعات واتساب وفيسبوك جمعت شمل الأهل والأصدقاء من الخليج حتى المغرب العربي.

في هذه المجموعات، يشارك الجميع أخبارهم، نكاتهم اليومية، وحتى لحظاتهم الصعبة، فتجد التفاعل حياً حتى منتصف الليل.

الأحاديث الافتراضية صارت امتداداً لطاولة القهوة التقليدية. شخصياً رأيت كيف تحولت مناسبات رمضان والعيد إلى حفلات رقمية عبر مكالمات الفيديو ومشاركة الصور الطريفة.

هذا النمط منح الجيل الجديد فرصة للشعور بالانتماء رغم الغربة أو اختلاف التوقيت، كما قلل من الإحساس بالوحدة لكثير من المسافرين العرب.

مشاركة اللحظات مباشرة: البث الحي والفيديو القصير

انتشار تطبيقات إنستغرام وتيك توك أضاف طابعاً فورياً جديداً للسهر الرقمي. البث المباشر بات وسيلة شائعة لتوثيق اللحظة ومشاركة الضحكات والمواقف مع المتابعين في الوقت نفسه.

مقاطع الفيديو القصيرة نقلت جلسة السمر إلى جمهور أوسع؛ فصوت المزحة ينتشر خلال دقائق ليصل إلى مئات وربما آلاف الأصدقاء والمتابعين في بلدان مختلفة.

نمو المحتوى الكوميدي والفيديو القصير: أطروحة دكتوراه لعام 2023 من جامعة قسنطينة تبرز تزايد استخدام البث الحي والفيديو القصير بين الشباب العرب، وتوضح كيف باتت هذه الأنماط جزءاً من عادات السهر الرقمي ووسيلة أساسية لتبادل اللحظات وتعزيز التواصل الاجتماعي ضمن التجمعات الافتراضية.

من خلال تجربتي في أحد المجتمعات الخليجية، لاحظت كيف أصبح تصوير مقاطع الطبخ أو استعراض المواهب الفنية نشاطاً روتينياً بين الشباب والشابات بعد منتصف الليل. هذا النوع من المشاركة الفورية عزز الإبداع وشجع على التقارب رغم اختلاف الاهتمامات والأذواق.

تأثير السهر الرقمي على الصحة والعادات اليومية

السهر أمام الشاشات صار جزءاً أساسياً من حياة الكثير من الأسر العربية، لكنه لا يخلو من آثار جانبية.

ورغم أنه يوفر وسيلة سهلة للتسلية وتوسيع دائرة التواصل، إلا أن الانغماس المطول فيه يمكن أن يترك بصماته على الصحة الجسدية والنفسية.

هنا تظهر تحديات مثل ضعف جودة النوم، تراجع التفاعل الأسري الحقيقي، وانخفاض الإنتاجية خلال النهار بسبب الإرهاق أو قلة التركيز.

النوم وجودته: بين المتعة والإرهاق

يصعب مقاومة إغراء المسلسلات أو الألعاب الإلكترونية في نهاية اليوم، خاصة بعد ساعات عمل طويلة.

لكن التأخير المستمر في الذهاب للنوم مع التعرض الطويل للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤدي إلى اضطراب الإيقاع الحيوي للجسم.

شخصياً لاحظت أن القيلولة لم تعد تعوض عن السهر إذا طال الجلوس أمام الهاتف ليلاً، وأسمع هذه الشكوى كثيراً في محيطي أيضاً.

تأثير الشاشات على الأرق وجودة النوم جاء واضحاً في مقال حديث على العربي الجديد (2023) الذي عرض نتائج دراسة تربط بين السهر الطويل أمام الشاشات وخطر الإصابة بالأرق بنسبة تصل إلى 59 بالمئة بين المستخدمين، مشيراً أيضاً لتراجع واضح في جودة النوم وزيادة الشعور بالإرهاق لدى الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً ليلاً أمام الأجهزة الرقمية.

نصيحة عملية: جرّب تخصيص ساعة خالية من الشاشة قبل النوم حتى لو مرة أسبوعياً وستشعر بفرق كبير في راحة الجسم والذهن صباحاً.

توازن العلاقات الأسرية في عصر الشاشات

من الجميل أن تجتمع العائلة حول مسلسل رمضاني أو لعبة مسلية على الإنترنت، فهذه لحظات تصنع ذكريات دافئة وتساعد أفراد الأسرة على التواصل رغم مشاغل اليوم الطويلة.

ومع ذلك لاحظت شخصياً أن كثرة الانشغال بالهاتف أو الحاسوب قد تخلق نوعاً من الانفصال الصامت داخل البيت الواحد؛ كل فرد منشغل بعالمه الافتراضي حتى وهو جالس وسط أسرته.

هذا التباعد الخفي يتطلب وعياً جماعياً للحفاظ على دفء العلاقات الحقيقية.

  • خصصوا أوقاتاً محددة بلا شاشات للنقاش أو تناول العشاء سوياً

  • اجعلوا مشاركة المحتوى الرقمي سبباً لفتح الحوار وليس استبداله

  • راقبوا أثر العادات الجديدة وعدّلوا الروتين عند الحاجة

الاعتدال هو مفتاح الاستفادة من مزايا العالم الرقمي دون خسارة الروابط الإنسانية التي تمنح الحياة معناها الحقيقي.

خاتمة

عادات السهر في العالم العربي لم تعد كما كانت قبل عقد أو اثنين.

الليالي اليوم تدور حول الشاشات، بين الترفيه، التواصل، والتعلم عن بعد.

هذا التحول الرقمي أتاح للأسر والشباب فرصاً جديدة للتقارب والمعرفة، حتى لو كان كل فرد في غرفة مختلفة أو بلد آخر.

مع كل هذه الإيجابيات، يبقى من المهم التفكير في بناء توازن يومي يحفظ الصحة وجودة العلاقات الأسرية.

العالم الرقمي يفتح آفاقاً لا حدود لها، لكن جودة الحياة تبدأ حين نعرف متى نغلق الشاشة ونمنح أنفسنا فرصة للراحة والتواصل الحقيقي.