الأحد 22 يونيو 2025 04:14 مـ 25 ذو الحجة 1446 هـ
×

تطبيقات التداول على الهواتف مقابل المنصات التقليدية: أيهما أفضل؟

الأحد 22 يونيو 2025 03:06 مـ 25 ذو الحجة 1446 هـ

مقدمة حول تطور منصات التداول

شهدت صناعة الوساطة المالية تحوّلات جذرية خلال العقود الثلاثة الماضية. فمن مكالمات الهاتف التي كانت تُجرى إلى غرفة المقصورة في البورصة، إلى منصّات سطح المكتب المحمَّلة ببرامج احترافية مثل «ميتاتريدر» و«تريدستيشن»، وصولاً إلى تطبيقات الهواتف الذكية مثل «تطبيق التداول» التي باتت تُنزَّل خلال ثوانٍ من متجر التطبيقات. هذا التطوّر لم يكن وليد الصدفة؛ فقد أدى انتشار الإنترنت واسع النطاق، ثم الهواتف الذكية المزودة بمعالجات قوية واتصال دائم بالشبكة، إلى إعادة تعريف تجربة التداول بالكامل. اليوم لم يَعُد المستثمر بحاجة إلى جهاز كمبيوتر مكتبي في غرفة مضاءة وكرسي مريح كي يراقب الأسواق؛ يكفي أن يمد يده إلى جيبه ويلمس الشاشة ليبيع ويشتري فوراً. لكن هل يعني ذلك أن التطبيقات المحمولة تغلبت تماماً على المنصّات التقليدية؟ أم أنّ لكل منصةٍ دوراً لا يمكن تجاهله؟

مزايا تطبيقات التداول على الهواتف المحمولة

1. الوصول الفوري إلى السوق على مدار الساعة
من أبرز نقاط القوة في تطبيقات الهاتف أنها ترافق المستخدم أينما ذهب: في المقهى، أثناء رحلة القطار، أو حتى في صف انتظار بنكي. لا حاجة لإعادة تشغيل الحاسوب أو انتظار تحميل منصة ثقيلة؛ بضع ثوانٍ لفتح التطبيق تكفي لإدخال أمر سوقي أو إيقاف خسارة متحرك. هذه المرونة تمنح المتداولين – خصوصاً متابعي الأخبار العاجلة أو المضاربين على تقلبات العملات المشفَّرة – ميزة تنافسية في الاستجابة السريعة.

2. التنبيهات الفورية والإشعارات الذكية
تمدّ الكثير من التطبيقات مستخدميها بإشعارات لحظية عند تحقّق شروط فنية أو وصول أصل معيّن إلى سعر مستهدف. تلعب هذه الإشعارات دور «جرس إنذار» يحفظ وقت المتداول ويُبعده عن الشاشة معظم اليوم، مع ضمان عدم تفويت فرصة. بإمكان المستخدم تخصيص هذه التنبيهات وفق استراتيجياته: كسر خط اتجاه، إعلان أرباح شركة، أو حتى تغريدات مؤثرة.

3. واجهات استخدام مبسَّطة ومرتكزة على تجربة المستخدم
مع مساحة شاشة محدودة، اضطر مطورو التطبيقات إلى إعادة تصميم رحلة المستخدم لتكون سلسة ومركّزة. أصبح إدخال الأوامر، استعراض المحفظة، وحتى الاطلاع على ملخص إخباري، يتم في بضع نقرات. وبفضل دمج التحقق البيومتري (بصمة الإصبع أو الوجه) صارت عملية تسجيل الدخول سريعة وآمنة في آن واحد.

4. تكاليف أقل وتحديثات أسرع
غالبية التطبيقات مجانية التحميل، وتُحدَّث دورياً من المتجر دون عناء تنزيل ملفات تثبيت ضخمة أو مخاوف من توافق نظام التشغيل. كما أن أداءها يتكيف مع قوة المعالج في الهاتف نفسه، ما يقلل الاعتماد على عتاد خارجي مرتفع الثمن.

5. دمج خدمات مالية واجتماعية إضافية
كثير من الوسطاء يربطون التطبيق بخدمات دفع إلكترونية، أو محافظ عملات رقمية، أو شبكات تواصل اجتماعي تتيح نسخ صفقات متداولين محترفين؛ وهو ما يُصعِّب تنفيذه بذات المرونة على إصدارات سطح المكتب القديمة.

عيوب تطبيقات التداول على الهواتف المحمولة

1. محدودية حجم الشاشة والدقة في التحليل
رغم تقدّم شاشات الهواتف، يبقى رسمُ خط اتجاه بدقة أو مقارنة عدة أطر زمنية أمراً أكثر صعوبة مقارنة بشاشة عريضة أو إعداد متعدّد الشاشات. المحللون الفنيون الذين يعتمدون على نماذج السعر المعقَّدة أو يرسمون قنوات وأنماطاً قد يشعرون أنّ التطبيق يقيّد رؤيتهم للصورة الكاملة.

2. مخاطر الاتصال اللاسلكي وانقطاع الشبكة
التداول على شبكة 4G أو Wi-Fi عام يعرض المستخدم لتذبذب في الاستجابة أو انقطاعات مفاجئة قد تخلّف انزلاقات سعرية جسيمة، بخلاف الاتصال السلكي المستقر عادةً في أجهزة الكمبيوتر المكتبية. وفي الأصول عالية التقلب يمكن لثانية واحدة أن تغيّر مكاسب اليوم بالكامل.

3. تشتيت الانتباه
وجود إشعارات من تطبيقات اجتماعية، بريد إلكتروني، أو رسائل فورية على الجهاز ذاته قد يشتّت التركيز أثناء اتخاذ قرارات مالية سريعة. بينما يوفّر إعداد سطح المكتب بيئة عمل «معزولة» يمكن تخصيصها حصراً لمتابعة الأسواق.

4. وظائف محدودة للمحترفين والمتداولين الآليين
التطبيقات غالباً ما تفتقر إلى دعم كامل للروبوتات (Expert Advisors)، أو إمكانات الاختبار الخلفي المتقدم، أو الوصول إلى عمق السوق (Level 2) التفصيلي. المتداولون الذين يعتمدون على خوارزميات خاصة، أو يحتاجون إلى ربط المنصة بلغة برمجية، سيجدون أن الأجهزة المكتبية لا تزال متفوقة هنا.

5. استنزاف البطارية والموارد
التداول مع تشغيل مخططات حية وتحديثات متواترة يستنزف بطارية الهاتف سريعاً، مما قد يضطر المستخدم لحمل بنك طاقة خارجية أو فقد القدرة على الدخول إلى حسابه في لحظة حرجة عند نفاد الشحن.

مقارنة بالأداء والوظائف

عند قياس زمن تنفيذ الأوامر، تكشف الاختبارات أن التطبيقات الحديثة تقترب من منصّات سطح المكتب بفضل خوادم سحابية متطورة وتقنيات نقل بيانات منخفضة الكمون. إلا أن فارق أجزاء من الثانية يبقى في صالح الاتصال السلكي الثابت عند استخدام منصة مكتب متقدمة – وهذا الفارق قد يُحدِث تأثيراً مادياً في استراتيجيات السكالبينغ أو التداول عالي التواتر.

من جهة أخرى، تتميز المنصّات التقليدية بعمق تحليلي أكبر:

  • تخصيص الواجهة: يستطيع المتداول تقسيم الشاشة إلى أربع أو ست نوافذ لأسعار مختلفة، وحتى تخصيص ألوان وإضافة مؤشرات مبرمجة ذاتياً.

  • تكامل أدوات خارجية: الربط مع برامج إكسل، أو قواعد بيانات، أو غرف أخبار احترافية كـ«رويترز إيكون» أسهل بكثير في بيئة سطح المكتب.

  • إدارة المحافظ الكبيرة: عند إدارة عشرات الحسابات أو محافظ عملاء، تتيح المنصّات التقليدية لوحات متابعة متقدمة (Dashboard) ومخططات أداء تاريخي بدقة أعلى.

في المقابل تقدّم تطبيقات الهواتف ما يلي:

  • سرعة الوصول للأخبار العاجلة: غالبية التطبيقات تعرض موجزاً فورياً من «بلومبرغ» أو «ياهو فايننس» مع إشعارات قابلة للتخصيص.

  • تجربة مستخدم مُبسَّطة: حتى المستخدم المبتدئ يستطيع تنفيذ أمر شراء فوري بواجهة واضحة خلال ثوانٍ، بينما قد يرتبك أمام لوحة تحكم متشعّبة على الكمبيوتر.

  • التكلفة: لا حاجة لحواسيب بمواصفات عالية أو شاشات إضافية، ما يخفض حاجز الدخول للمتداولين الأفراد.

خاتمة وتوصيات

لا توجد منصة مثالية تصلح لكل المتداولين وفي جميع السيناريوهات؛ بل يتحدد الاختيار حسب نمط التداول وأهدافه:

  1. المضارب اليومي المحترف الذي يعتمد على قراءات متزامنة متعددة وإستراتيجيات آلية سيظل محتاجاً إلى منصة سطح المكتب، بشاشة واسعة وربط إنترنت سلكي منخفض الكمون.

  2. المستثمر متوسط الأجل أو المتداول «بدوام جزئي» سيستفيد من مرونة التطبيق المحمول لمتابعة الأخبار والإشعارات أثناء عمله أو دراسته، بينما يحتفظ بجلسة أسبوعية على الكمبيوتر لتحليل أعمق.

  3. المبتدئ قد يجد في التصفح عبر الهاتف نقطة بداية سهلة، ولكن من الحكمة مع الوقت تجربة المنصّة المكتبية لاكتساب مهارات تحليل فني وأدوات مخطط متقدمة.

  4. الأمان يفرض اعتماد طبقتَي حماية على الأقل: تحقق بيومتري للهاتف، ومصادقة ثنائية للحساب على المنصّة المكتبية. كما يُنصح بالامتناع عن تنفيذ أوامر حساسة أثناء الاتصال بشبكات عامة.

في النهاية، يُستحسن النظر إلى تطبيق الهاتف والمنصّة المكتبية كأداتين متكاملتين لا متنافستين. الهاتف يُشبه «ريموت كونترول» سريعاً يُمكّنك من الردّ على السوق في الوقت الحقيقي، بينما يوفّر الكمبيوتر «غرفة عمليات» متكاملة للتخطيط الاستراتيجي والتحليل المتعمّق. التوازن بينهما، واختيار اللحظة المناسبة لاستخدام كل أداة، هو ما يمنح المتداول ميزة مستدامة في أسواق تتحرك أسرع مما قبل.