الصباح العربي
السبت، 20 أبريل 2024 07:22 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

د. أحمد الخميسي يكتب: وداعا سيبولفيدا .. كاتب المقاومة والكبرياء

الصباح العربي

لم أكد أنتهى من قراءة روايتيه:" العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية"، و" مذكرات قاتل عاطفي"، وبينما مازال اعجابي به يختمر وأجدني أفتش عن سيرة حياته، إذا بي أسمع أن الموت قد اختطفه. إنه الكاتب التشيلي لويس سيبولفيدا الذي سئل في حوار صحفي:" ما الشيء الأهم بالنسبة للكاتب؟" فأجاب : " الكبرياء"! كان الكاتب الكبير في زيارة للبرتغال ورجع إلى إسبانيا بأعراض فيروس كورونا، وقضى ستة أسابيع في مستشفى بشمال غرب إسبانيا لكن العلاج لم ينقذه من الفيروس اللعين وغادرنا في 16 أبريل الحالي عن نحو سبعين عاما. لويس سيبولفيدا ابن تشيلي، وكان والده يساريا عريقا، عاش تجربة الديمقراطية وسلفادور الليندي وكان أحد قادة الحركة الطلابية التي ناصرت الليندي، وعندما قام الجنرال أوجستو بينوشيه بانقلاب عسكري عام 1973، بدأ عهده بقتل الرئيس المنتخب الليندي والشاعر العالمي بابلو نيرودا، وأوقف العمل بالدستور ورسخ حكم المجلس العسكري، وشن حملة اعتقالات طالت الكاتب لويس سيبولفيدا فقضى في السجون عامين ونصف عام، ثم حكم عليه بالسجن مجددا لمدة ثمانية وعشرين عاما! واستبدل الحكم بالنفى، فهاجر سيبولفيدا عام 1977 إلى دول أمريكا اللاتينية وعاش مدة هناك ثم تركها عام 1982 إلى أوروبا حيث استقر هناك. خلال تلك السنوات تناول لويس سيبولفيدا فاشية وجنون الجنرال بينوشيه في كتابه " جنون بينوشيه" عام 2003، لكن شهرته الأدبية ترجع إلى روايته " العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية" التي وضعته في مقدمة كتاب أمريكا اللاتينية وترجمت لأكثر من 35 لغة منها العربية، وهي متوفرة بسهولة على النت مجانا، إلى جانب روايته الأخرى " مذكرات قاتل عاطفي". رواية " العجوز الذي.. " صدرت في 1988، واستندت إلى تجربة حياتية عاشها الكاتب في جزء من غابات الأمازون الأقرب إلى الإكوادور، حيث يعيش شعب بدائي قديم يعرف ب " الشوار"، ويعرض لويس سيبولفيدا لتقاليد ذلك الشعب، وعلاقته بالطبيعة والحيوانات في غابات يمتد عمرها لأكثر من خمسمئة مليون عام، ويظهر في المقابل همجية وقسوة البيض المنقبين عن الذهب والاخلال بتوازن الطبيعة وأسرارها من أجل المال. يقدم لنا الروائي كل ذلك عبر شخصية العجوز" بوليفار" الذي يصارع نمرة توحشت بعد قتل صغارها، فتمضى لتفتك بسكان القرى، وتذكرالرواية - إلى حد ما - برواية هيرمان ملفيل الشهيرة " موبي ديك" الصادرة عام 1851 حيث يدور الصراع بين الانسان وحوت مهول ويصبح الصراع الدموي نافذة للنظر إلى جوهر علاقة البشر بالوجود، إلا أن رواية لويس سيبولفيدا " العجوز الذي .. " تجربة أصيلة حقيقية حية لا علاقة لها بمنجز أدبي سابق عليها، تجربة لا تتكرر داخل الغابات ومع حيواناتها وأشجارها بعين أديب كبير. حزنت للغاية على رحيل ذلك الكاتب اليساري الكبير، الذي لم تجذبه صرعة الواقعية السحرية، وظل يرى أن الواقعية السحرية طريقة من طرق كثيرة، وظل يعتقد أن " الكبرياء " أهم شيء بالنسبة للكاتب، وربما تكون الكبرياء أهم شيء بالنسبة لكل انسان. كان سيبولفيدا إلى جوار أعماله الروائية كاتبا صحفيا مرموقا، وسينمائيا، لم يحصل على أي جائزة أدبية دولية لكنه شق طريقه إلى الذيوع بقلمه، وبأعماله الأدبية الممتعة فنيا قبل أي شيء آخر رغم اختلاف مواضيع وقضايا تلك الأعمال، ففي روايته " مذكرات قاتل عاطفي" لا يطرح لويس سيبولفيدا قضية كبرى كتلك التي تناولها في " العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية"، ويكتفي فقط بتقديم رواية بوليسية مشوقة تبرز لنا إلى حد مدهش نفسية قاتل محترف، وعلاقته بعالم الجريمة والمال. أقول إنني لم أكد أنتهى من قراءة روايتيه وبينما مازال اعجابي به يختمر إذا بي أسمع بنبأ رحيله، ويذكرني ذلك برحيل الكاتب العراقي سعد محمد رحيم. كنت قد التقيت به في معرض الشارقة للكتاب عام 2017، وأحببت شخصه الدمث الكريم، وهناك أهداني روايته الجميلة " مقتل بائع الكتب"، ثم أرسل إلي لاحقا مجموعته القصصية" كونكان"، وظللنا نتبادل الرسائل بالايميل حتى فوجئت بخبر موته، وكان ذلك في أبريل أيضا، لكن عام 2018. وداعا لويس سيبولفيدا، مبدعا، ومقاوما، يمجد الكبرياء، فيذكرنا بقول المتنبي:" فلا عبرت بي ساعة لا تعزني، ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما".

د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري

د. أحمد الخميسي يكتب وداعا سيبولفيدا .. كاتب المقاومة والكبرياء

مقالات ورأى

click here click here click here altreeq altreeq