العاشر من رمضان.. يوم العزة والكرامة والانتصار فى معركة المصير

رمضان شهر البركة والخير والرحمة، وهو أيضا شهر الانتصارات قديما وحديثا، نعم، بطولات وفتوحات كبيرة فى تاريخ أمتنا الإسلامية، قدَّر الله لها أن تكون فى رمضان.
وفى تاريخ مصر أيام لا تنسى، منها العاشر من رمضان عام الموافق السادس من أكتوبر 1973م، والذى تمكنت فيه القوات المصرية من عبور قناة السويس التى كانت توصف بأنها أصعب مانع مائى فى العالم، وتحطيم أكبر ساتر ترابى وهو خط بارليف الذى كان جبلا من الرمال والأتربة، ويمتد بطول قناة السويس من بورسعيد شمالًا وحتى السويس جنوبًا، ويتركز على الضفة الشرقية للقناة، وهذا الجبل الترابى، الذى كانت تفتخر به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته ـ كان من اكبر العقبات التى واجهت القوات الحربية المصرية فى عملية العبور والانتصار، وقد اعتبر المؤرخون المعاصرون هذا الحدث أول انتصار عسكرى للمسلمين والعرب فى العصر الحديث على إسرائيل.
لقد خاض الجيش المصرى البطل تلك المعركة وهو يعلم أنها معركة مصير، لأن هزيمة الجيش المصرى فيها لو حدثت فإنه يعنى سيادة إسرائيل على المنطقة كلها، وذلك لأن مصر كانت قد انكسرت قبلها بست سنوات انكسارًا شديدًا بهزيمة يونيو 1967م، التى أتاحت للعدو الصهيونى أن يقدم نفسه للعالم كسيد وحيد، وأن جيشه هو الجيش الذى لا يُقهر، وظل بالفعل يعربد فى أجواء مصر طوال سنوات ما عُرِفَ بحرب الاستنزاف.
إن الجندى المصرى فى حرب 1973 هو نفسه فى حرب 1967 من حيث الشكل والمظهر، ولكنه يختلف من حيث الباطن والجوهر، فالإنسان يُقاد ويتغير من داخله لا من خارجه، ولا يقود الناس فى بلادنا شىء مثل الإيمان بالله عز وجل.
لقد أنهت حرب العاشر من رمضان أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، وسيظل هذا اليوم العظيم العاشر من رمضان مصدر مجد وفخر يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ويظل وساما على صدر كل مسلم وعربى.
فلم تكن حرب العاشر من رمضان مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصرى على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة لقد ظل هذا الحلم يؤرق كل مصرى من العسكريين والمدنيين الرجال والنساء.
تلك الحرب التى تحملت فيها القوات المسلحة المسؤولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازا هائلا غير مسبوق، إلا أن الشعب المصرى بمختلف طوائفه وفئاته كان البطل الأول للحرب وتحقيق نصر أكتوبر حتى أن تلك الحرب المجيدة يطلق عليها حرب الشعب المصرى كله إذ لا توجد أسرة مصرية لم تقدم شهيدا أو مصابا أو مقاتلا فى تلك الحرب.
ويعتبر الشعب المصرى البطل الحقيقى فى تلك الحرب لأنه استطاع فى زمن قياسى تجاوز محنة النكسة وما حدث فى 1967، فرغم الحزن الشديد إلا أنه ما لبث أن ساند النظام وأرجع النكسة إلى ما كان من تآمر القوى الاستعمارية ومن هنا رفض الشعب تنحى الزعيم جمال عبد الناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر.
واتخذت العديد من الإجراءات والقرارات لم تجد معارضة أو تذمرا منه فى ظل الإحساس الشعبى بضرورة ترشيد الاستهلاك فتحمل الشعب المصرى نفقات زيادة الإنفاق العسكرى من الناتج المحلى، وتحمل الشعب أيضًا تمويل احتياجات القوات المسلحة.
كما يؤكد الخبراء العسكريون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمر الحال على ما هو عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وإمكانات العدو فى مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية وهو ما مكن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذى تملكه.
لقد تولد شعور وطنى لدى الشعب أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبدأ الإعداد لمعركة الكرامة ورد الاعتبار، وتشير وقائع الأحداث إلى أن الفترة التى فصلت بين 5 يونيو 67 ويوم 6 أكتوبر 1973 كانت تنبأ بحدوث العبور العظيم.
فقد بدأ الجيش المصرى بتجميع المعلومات عن طريق الكمائن المصرية شرق قناة السويس، إذ أفادت بأن الجندى الإسرائيلى لا يتمكن من إبداء أى مقاومة تذكر عندما يدهمه هجوم مفاجىء مما ساعد الدوريات المصرية على تنفيذ مهامها المحددة بالسرعة والدقة المطلوبتين والدرس الأهم الذى تم استخلاصه هو أن الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هى الاقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة بعد توفير وسيلة العبور الآمنة لهم من غرب القناة إلى شرقها.
لم يكن إنشاء خط بارليف لاعتبارات دفاعية فقط تبتغيها إسرائيل وإنما كان الهدف سياسيا فى المقام الأول دون النظر لأى اعتبارات عسكرية فالمهم هو فرض أمر واقع على الأرض وإظهار جدية التمركز بطول خط المياه على حافة قناة السويس مباشرة، ولم يرد فى ذهن إسرائيل أن مصر يمكن أن تمتلك خيارات وبدائل للتعامل مع خط بارليف الذى كانوا ينظرون إليه فى تل أبيب على أنه رمز القوة الإسرائيلية التى لا تقهر.
وكان هناك شبه إجماع بين معظم الخبراء العسكريين فى العالم بأن عملية العبور واقتحام خط بارليف شبه مستحيلة إلا إذا خاطر المصريون بعشرات الألوف من الضحايا، ووسط هذا المناخ وفى ظل حالة اللاسلم واللاحرب بعد توقف حرب الاستنزاف اتخذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرار الحرب.
وفكرة العبور حدثا تنبهر له العقول، فضلا عن عبقرية التخطيط فإن قدرة مصر على خداع الجميع كان أهم عوامل تمكين القوات المصرية من أداء مهامها بامتلاك كامل لزمام الأمور وحرمان إسرائيل من أية ضربة مضادة، والحقيقة أن ملف الخداع يعتبر واحدا من أهم وأخطر ملفات التحضير لحرب أكتوبر حيث أكدت مصر من خلال هذا الملف أنها استوعبت كل دروس المواجهات السابقة مع إسرائيل ولعل ذلك هو سر نجاح مخطط الخداع فى تحقيق هدف تضليل إسرائيل بعيدا عن النوايا الحقيقية لمصر وأذاقتها من نفس الكأس.
وبدأت نسمات النصر عندما أشارت عقارب الساعة نحو الثانية من بعد ظهر يوم العاشر من رمضان حيث بدأ أكثر من ألفى مدفع ثقيل قصفه لمواقع العدو فى نفس اللحظة التى عبرت فيها سماء القناة مائتان وثمانى طائرات تشكل القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى التى أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية بالشلل التام، وفى نفس الوقت كان أكثر من ثمانية آلاف مقاتل بدأوا النزول إلى مياه القناة واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطىء الشرقى للقناة، بعد ذلك بدأت عمليات نصب الكبارى بواسطة سلاح المهندسين الذى استشهد فيه اللواء أحمد حمدى فى الساعات الأولى للحرب.
لقد كانت سيمفونية رائعة اشترك فيها جنود مصر البواسل، فكان لكل واحد منهم دوره وكانت دليلا حيا على قدرة الإنجاز للتخطيط الجيد والإعداد الكافى والتجهيز النفسى والمعنوى واتخاذ القرار الصحيح فى الوقت السليم تحت مظلة المفاجأة واستخدام أساليب الخداع التعبوى والتكتيكى والإستراتيجى.
ويرى المراقبون أن نصر العاشر من رمضان أعاد رسم خريطة القوى فى العالم، فلم تكن حرب 1973 مجرد حرب للعبور وتحرير الأرض، لكنها كانت نقطة تحول كبرى فى تاريخ أمة، لقد علا الصوت العربى وأفاق العالم أجمع على قوة المصريين والعرب، وأحست أوروبا والولايات المتحدة بالقلق من ذلك السلاح الخطير الذى استخدمه العرب ضدهم وهو سلاح البترول الذى سار متوازيا مع انتصار أكتوبر، وأدرك الجميع أن العرب حينما يتحدون يستطيعون مواجهة أى قوة ظالمة.
عناوين الصحف العالمية بعد عبور الجيش المصرى:
قالت صحيفة "التليجراف" البريطانية، إن "نظرية الحدود التى بنتها إسرائيل منذ سنين بغرض التوسع انهارت تماما، وتحطمت الأسطورة الإسرائيلية".
التليجراف البريطانية
أما صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فوصفت الجنود المصريون بالشجعان، مؤكدة أنهم أدوا بكفاءة عالية وتنظيم وشجاعة كبيرة خلال الحرب، مضيفة أن الجنود حققوا نصرا تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأن العرب لا يصلحون للحرب.
كما أبرزت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، هذا النصر، قائلة إن "حرب أكتوبر غيرت الخريطة السياسية لإسرائيل و مصر على حد السواء"، مضيفة أن هذه الحرب سيكون لها تداعيات كبيرة على مجرى الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط، كما وجهت الضوء على الفشل الاستخباراتى الإسرائيلى.
صفعة لإسرائيل
وفى سياق متصل، قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن "المصريين يقاتلون ببسالة ليس لها مثيل وفى نفس الوقت ينتاب الإسرائيليين إحساس عام بالاكتئاب بسبب خسارتهم للحرب وتشير الدلائل إلى أن الإسرائيليين كانوا يتقهقرون على طول الخط أمام القوات المصرية المتقدمة".
أما صحيفة "ديلى ميل" البريطانية، فقالت إن "القوات المصرية قد أمسكت بالقيادة الإسرائيلية وهى عارية، لقد كان الرأى العام الإسرائيلى قائما على الاعتقاد بأن أجهزة مخابراته هى الأكفأ، وأن جيشه هو الأقوى والآن يريد الرأى العام فى إسرائيل أن يعرف ما الذى حدث بالضبط".
فاينانشيال تايمز
ونشرت مجلة "ذا إيكونوميست" الأمريكية، تقريرا عن حرب أكتوبر، واصفة إياها بأنها "أعظم انتصار للعرب فى التاريخ الحديث، وأكبر هجوم يشنه جيش منذ الغزو الأمريكى للهند الصينية عام 1950".
حدث غير متوقع
كما تحدثت صحيفة "لومانتيه" الفرنسية، عن هذا الحدث العظيم، قائلة إن "الكفاح الذى يخوضه العرب ضد إسرائيل كفاح عادل، إن العرب يقاتلون دفاعا عن حقوقهم، وإذا حارب المرء دفاعا عن أرضه ضد معتد فإنه يخوض حربا تحريرية، أما الحرب من أجل الاستمرار فى احتلال أرض الغير فإنها عدوان سافر".
وسلطت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أيضاً الضوء على يوم النصر، قائلة إن "الشعور السائد فى إسرائيل اليوم يتميز بالحزن والاكتئاب، كما أن عدد أسرى الحرب العائدين من مصر، كان أكثر مما كان متوقعا، الأمر الذى يعنى وقوع الكثير من القتلى".
صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية، أشادت بالجنود المصريين، قائلة "لقد واجه الإسرائيليون خصما يتفوق عليهم فى كل شيء ومستعد لحرب استنزاف طويلة، كذلك واجهت إسرائيل فى نفس الوقت خصما أفضل تدريبا وأمهر قيادة".
نيو يورك تايمز
وبالطبع كان للصحف الإسرائيلية نصيب كبير من العناوين التى تحدثت عن حرب أكتوبر، فتحت عنوان "أصوات إنذار غارات الطائرات المصرية تقطع صمت يوم الغفران" أبرزت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يوم السادس من أكتوبر، صبيحة ما يسمى "عيد الغفران" فى إسرائيل.
فى هذا اليوم كان من المفترض أن تحتجب الصحف الإسرائيلية عن الصدور والإذاعات تبتعد عن التعاطى فى الشؤون السياسية والعسكرية، إل أن هجمات الجيش المصرى كسرت صمت الصحيفة التى افتتحت خبرها آنذاك بأن "صفارات الإنذار قد دوت فى أنحاء إسرائيل كلها لتقطع الصمت والسكون الذى يغلف يوم الغفران"، كما قطعت الإذاعة الإسرائيلية برامجها التقليدية عن هذا اليوم، لتعلن أن القوات المصرية بدأت هجوماً كبيراً على القوات الإسرائيلية فى قناة السويس، كما تحدثت الصحيفة عن حالة الهروب الجماعية للمستوطنين نحو الملاجىء.
أما صحيفة "هآرتس" العبرية، فقالت إن "البحرية المصرية تفوقت على البحرية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر وخصوصا فى مجال الصواريخ".