الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يعيدان ترتيب تحالفاتهما وسط توتر العلاقات مع الولايات المتحدة

في ظل التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، يسعى الاتحاد الأوروبي لإعادة تشكيل تحالفاته وبناء شراكات جديدة على الساحتين الأوروبية والدولية، ويبرز في هذا السياق القمة التاريخية التي جمعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي مؤخرًا، والتي كانت الأولى منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، "البريكست"، لتؤكد أهمية التعاون رغم الانفصال السياسي.
حملت قمة بريطانيا والاتحاد الأوروبي دلالات سياسية واستراتيجية واسعة، حيث بحث الطرفان إمكانية توحيد الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المشتركة، وشدد المشاركون على ضرورة تجاوز الخلافات القديمة لتعزيز التعاون في مجالات متعددة، خصوصًا في ظل تراجع الدور الأمريكي في قضايا الأمن الأوروبي.
من الناحية الاقتصادية، أسفرت المباحثات عن اتفاقيات جديدة تفتح الباب أمام دول الاتحاد الأوروبي للتصدير إلى بعض المناطق الاقتصادية الخاصة في بريطانيا لمدة تصل إلى 12 عامًا، هذه الخطوة تعزز فرص التبادل التجاري وتفتح آفاقًا جديدة لتوطيد العلاقات الاقتصادية بعد سنوات من التوتر عقب "البريكست".
في ملف الأمن والدفاع، أبدى الاتحاد الأوروبي حرصه على تعزيز شراكته مع بريطانيا، مستفيدًا من القدرات العسكرية والتكنولوجية القوية للمملكة المتحدة، خصوصًا لمواجهة التهديدات المتزايدة، وعلى رأسها التهديد الروسي المتصاعد، هذه الشراكة الدفاعية تأتي في وقت تشهد فيه أوروبا تراجعًا واضحًا في الدعم الأمريكي للأمن الإقليمي.
في السياق نفسه، تواصل دول الاتحاد الأوروبي تعليق إجراءات الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في انتظار استئناف المفاوضات التجارية التي تعاني من تعثر مستمر، ويواجه الاتحاد الأوروبي عجزًا تجاريًا كبيرًا مع الولايات المتحدة، مما يحفز الأوروبيين على البحث عن بدائل استراتيجية لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
على الصعيد الجغرافي والاستراتيجي، يتوسع الاتحاد الأوروبي في علاقاته نحو شمال بحر البلطيق، كما يعمل على تعزيز التعاون مع الصين كخيار بديل للأسواق التقليدية التي تشهد توترًا مستمرًا، يأتي ذلك في ظل مخاوف متزايدة من احتمال انسحاب أمريكي من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مما دفع الأوروبيين إلى تعزيز استثماراتهم في برامج الدفاع المستقلة.
التعاون المتجدد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي يعد حجر زاوية في هذه الاستراتيجية الجديدة، حيث تمتلك بريطانيا إمكانيات عسكرية واقتصادية مؤثرة يمكن أن تساهم في إعادة التوازن الأمني والاقتصادي داخل أوروبا وخارجها، ويبدو أن الطرفين ملتزمان بمواصلة الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات المقبلة.
يظل ملف إعادة ترتيب التحالفات الأوروبية وتوطيد الشراكات مع بريطانيا محورًا أساسيًا في السياسة الأوروبية، وسط تغيرات جيوسياسية متسارعة وحاجة ملحة لتأمين مصالح أوروبا في ظل بيئة دولية معقدة ومتغيرة.