الإثنين 25 أغسطس 2025 09:54 مـ 1 ربيع أول 1447 هـ
×

بدر عبدالعاطي يكتب.. مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق

الإثنين 25 أغسطس 2025 11:13 مـ 1 ربيع أول 1447 هـ
بدر عبدالعاطي وزير الخارجية
بدر عبدالعاطي وزير الخارجية

فى خضم عدوان غير مسبوق يشن على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وبينما تتصاعد آلة القتل ضد المدنيين العزّل، فوجئ الرأى العام الدولى بسلسلة اعتداءات طالت بعض السفارات المصرية فى الخارج، بزعم أن مصر تحاصر القطاع وتمنع دخول المساعدات الإنسانية. تلك الادعاءات، التى تفتقر إلى أى أساس واقعى، لا تصمد أمام الحقائق، وتكشف عن دوافع سياسية مشبوهة ومريبة تخدم الاحتلال وتُضلل الرأى العام العربى والدولى.

إن استهداف البعثات الدبلوماسية المصرية لا يُعد تعبيرًا عن احتجاج، بل هو اعتداء على السيادة، وضرب للذات الوطنية، وتشجيع على الانقسام الداخلى، وانحراف عن مسار النضال الحقيقى، بما يخدم أجندات لا تمت للوطن بصلة. فهل من الطبيعى أن يهاجم مواطن مصرى سفارة بلاده فى الخارج؟ أليست هذه البعثات تمثل الدولة المصرية، ويعمل بها مواطنون مصريون؟ إن الاعتداء عليها يصب فى مصلحة من يسعى إلى تقويض دور مصر الإقليمى والإنسانى، كما أنه يعد انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التى تلزم الدولة المضيفة بمسئولية حماية البعثات المتواجدة بها، وبالتالى تمثل الاعتداءات إخلالاً بأمن السفارات المصرية.نقلا عن الأهرام

الغضب من حصار غزة مشروع، بل واجب أخلاقى وإنسانى. غير أن توجيه هذا الغضب نحو مصر يُعد قلباً للحقائق وتزييفا للوعى. فإسرائيل هى الطرف الذى يشن حربا غير إنسانية على غزة، قتلت خلالها أكثر من 62 ألف فلسطينى، وجرحت أكثر من 100 ألف، بينهم أكثر من 12 ألف طفل. استخدمت أدوات القتل والتجويع ومنع توفير الدواء والخدمات الطبية، واستهدفت المستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنية التحتية.

فى المقابل، أبقت مصر معبر رفح مفتوحًا منذ اندلاع الحرب، لتسهيل عبور المساعدات الإنسانية، والفلسطينيين قاصدى العلاج فى مصر. أما الجانب الفلسطينى من المعبر، فقد خضع لاحتلال وسيطرة إسرائيلية، وتعرض للقصف عدة مرات، مما حال دون دخول الكثير من الشاحنات رغم جاهزية مصر.

ولم تكتفِ مصر بفتح المعبر، بل تجاوزت ذلك بتقديم دعم إنسانى غير مسبوق، إذ دفعت بآلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات إلى قطاع غزة، مساهمةً بأكثر من ٧٠٪ من إجمالى المساعدات الإنسانية التى وصلت إليه، كما نفّذت عمليات إسقاط جوى للمساعدات، وخاضت مفاوضات شاقة مع الجانب الإسرائيلى لضمان مرور المساعدات الانسانية للقطاع. وفى السياق ذاته، وفى خطوة تعكس التزامها العميق بالقضية الفلسطينية، استضافت القاهرة فى ديسمبر 2024 المؤتمر الوزارى لتعزيز الاستجابة الإنسانية فى غزة، بمشاركة أكثر من 100 وفد دولى، فى تأكيد واضح على ريادتها الإنسانية والدبلوماسية لصالح الشعب الفلسطينى، كما تعتزم مصر استضافة مؤتمر دولى من أجل التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى قطاع غزة لتنفيذ الخطة العربية - الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة فور التوصل لوقف إطلاق النار فى القطاع.

موقف مصر من القضية الفلسطينية واضح وحازم؛ لا لتهجير الفلسطينيين، لا لتصفية القضية، لا للمساس بحقوق الشعب الفلسطينى. وفى المقابل، تسعى إسرائيل إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، فى انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية. كما أن التهجير يفتح الباب أمام موجات نزوح وهجرة غير شرعية غير مسبوقة، سوف تهدد أوروبا والعالم بأسره.

وعلى الصعيد السياسى، تضطلع مصر بدور محورى فى جهود الوساطة الدولية، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، فى مفاوضات صعبة ودقيقة بين إسرائيل وحركة حماس تهدف إلى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وبحث ترتيبات ما بعد الحرب، بما يضمن إعادة إعمار القطاع دون تهجير أهله. هذه الوساطة ليست مجرد تحرك دبلوماسى، بل تعبير عن مسئولية تاريخية تتحملها مصر تجاه القضية الفلسطينية، وذلك فى وقت يبدو فيه وجود حرص من جانب الائتلاف الحكومى الاسرائيلى على مواصلة الحرب.

ويبقى السؤال؛ من له مصلحة فى تشويه صورة مصر؟ من يستفيد من تحويل الغضب الشعبى عن إسرائيل إلى مصر؟ إن استهداف السفارات المصرية يكشف دوافع سياسية داخلية، لا إنسانية، ويصب فى مصلحة الاحتلال عبر تشتيت الضغط الدولى عنه، وتحميل مصر مسئولية جرائم لا ترتكبها.

الخلاصة أن استهداف السفارات المصرية بزعم حصار غزة هو قلبٌ للحقائق، وتزييفٌ للدور المصرى الذى كان ولا يزال صمام أمان للقضية الفلسطينية. من يغلق بوابات سفارات مصر، تاركاً المعتدى، لا يدافع عن غزة، بل يهاجم من يقف معها، ويخدم أجندات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. إن الضغوط التى تتعرض لها مصر، على إثر موقفها الداعم للقضية الفلسطينية ورفضها لتهجير الفلسطينيين، هو أمر متوقع، والتصدى لذلك يتحقق بقوة مؤسسات وأجهزة الدولة، وقبل ذلك بوحدة الشعب المصرى ووعيه، وإدراكه لحجم التحديات، وصلابة جبهته الداخلية.. نقلا عن الأهرام