الصباح العربي
الأربعاء، 8 مايو 2024 03:37 صـ
الصباح العربي

تحقيقات وتقارير

نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقًا لـ«الصباح العربي»: اختيار موسكو لتنفيذ المشروع النووي رؤية «سياسية بحتة»

الصباح العربي

كتب:قناوى الصغير 


توقيع عقود «الضبعة» خلال شهر أكتوبر الجاري.. ومبارك لم يكن يحب المشروع النووي

يتم حاليا اختيار الصفوة من شباب مصر لتشغيلهم فى مرحلة إنشاء المحطات النووية

قال الدكتور على عبد النبى، نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقًا، إن اختيار روسيا لتولى بناء المحطة النووية، يرجع إلى «رؤية سياسية بحتة»، موضحا أن مصر ترى أن روسيا لا تمارس عليها أية ضغوط من قبل دول الغرب لوقف المشروع النووي المصري.

وأضاف «عبد النبي» فى حواره لـ«الصباح العربي»، إن مصر لديها كوادر قادرة على الجلوس على طاولة المفاوضات أثناء توقيع العقد، ووضع الشروط الدائمة، وإتمام مرحلة التفاوض والتعاقد، أن روسيا ليس لديها أى خلافات سياسية مع مصر.

 وأشار إلى أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بشخصه كان يرفض دخول المشروع النووى إلى مصر، كاشفًا عن معلومات أخرى غاية فى الأهمية، فإلى نص الحوار.

 

متى بدأ التفكير فى المشروع النووي المصري؟

بعد ثورة 1952، بدأت مصر تفكر في الطاقة النووية، وتم إنشاء هيئة الطاقة الذرية عام 1955، وبعد ذلك فُتحت معامل نووية تجريبية،  وتم تشغيل المفاعل النووي التجريبي في «أنشاص»، وإنشاء قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، وأول مفاعل نووى وصل إلى مصر في 1960، وهو روسي الصنع، ولكن تم إيقافه بضغوط من قبل «اللوبي الصهيوني الأمريكي»، وبعد حرب 6 أكتوبر، طلب «السادات» من أمريكا عمل مشروع نووي في «سيدى كرير»، وفى عام 1974، كانت أول مناقصة عالمية لمحطة نووية، وكانت تشمل إقامة مصنع وقود نووي، ومحطة لتحلية المياه، ولكن توقف هذا المشروع بعد ذلك نتيجة أيضا ضغوط اللوبي الصهيوني، وبعد ذلك اتجه السادات إلى فرنسا في عام 1979، وأرسل في ذلك التوقيت الدكتور ماهر أباظة، وزير الكهرباء آنذاك، وتم عقد اتفاقية بالأمر المباشر على شراء مفاعلين، قدرة الواحد تصل إلى 900 ميجا وات لإنتاج الكهرباء، وكان مقرهما الضبعة، ولكن المفاعلين توقفا، وفى عهد «مبارك» طرحت مناقصة عالمية على مفاعلات 900 ميجا وات في 1983، وتم اختيار مكتب استشاري عالمي من سويسرا، وكان سعر العرض الواحد لا يقل عن 2 مليار دولار، وفازت حينها دولة ألمانيا بتولي بناء المفاعل المصري، وكل هذا أغضب أمريكا، فضغطت على «مبارك» لوقف المشروع، واستجاب لها.

هل تقصد أن الرئيس «مبارك» تعمد إيقاف المشروع النووى المصري؟

كان الرئيس حسنى مبارك دائمًا ما يسعى إلى إرضاء الجانب الأمريكي، وبسبب ميوله إلى أمريكا ساعدهم على إيقاف تنفيذ المشروع النووى نهائيا، وبالدليل القطعى نستطيع القول بأنه كان سببًا فى تأخير المشروع النووى فى مصر منذ عام 1983 حتى عام 2007.

كما أن «مبارك» بشخصه كان يرفض دخول المشروع النووى إلى مصر، حتى إنه كان يرفض من أى شخص الحديث عن المشروع النووى أمامه حتى وزير الكهرباء كان يرفض أيضا الحديث عنه بسبب الضغوط التى يتعرض لها من الرئاسة بعدم التفكير فى تنفيذ المشروع النووى فى مصر.

وتحولت رؤية «مبارك» بعدها تدريجيًا حتى جمع العاملين بالطاقة النووية يوم 27 أكتوبر 2007، ووعد ببدء سعيه لدخول المشروع النووى مصر، لكن لم يكن هناك أى توثيق مكتوب لكلامه بشكل رسمى، وكان مجرد قرار استراتيجى شفوى، حتى إن وزارة المالية كانت لا تعتد بهذا الكلام وترفض صرف أى مبالغ مالية لإنجاز أى خطوة، وكانت كل الجهود المبذولة ناتجة عن الجهود الذاتية من العاملين بهيئة المحطات النووية.

ولماذا اختارت مصر بالتحديد روسيا؟

تم التعاقد معها بالأمر المباشر، واختيار  روسيا «رؤية سياسية بحتة»، لأن مصر رأت أن التفاوض مع روسيا هو الأمثل للقضاء على أية ضغوطات تمارس من قبل اللوبي الصهيوني الأمريكي؛ لوقف إنشاء أي محطات نووية في مصر، وكنت أفضل أن يتم التعاقد مع روسيا على إنشاء محطة واحدة،  وأن يتم التعاقد مع الصين لإنشاء المحطة الثانية حتى يكون هناك تنافسية، كما أن الجيل الثالث «بلس +» من المفاعلات النووية لم تتم تجربته حتى الآن.

ماذا سيحقق المشروع النووى لمصر؟

إنشاء المحطات النووية بمصر يحقق نقلة نوعية فى التكنولوجيا، والمستفيد هو الصناعة المصرية فى المقام الأول، مما يؤدى إلى نقلة فى الارتقاء بتأكيد الجودة والرقابة وتعظيم المكون المحلى فى المحطات النووية بنسبة لاتقل عن 20%، ويستفاد من الدخول فى العصر النووى لتوليد الطاقة فى دعم منظومة التعليم والتطوير والبحث العلمى، ولم تكن المحطات النووية مصدرًا لإنتاج الطاقة الكهربائية، بل لإدخال التكنولوجيا وتطوير الصناعة، وستمثل محطة الضبعة النووية مصدرًا للطاقة النظيفة فى مصر.

متى سيتم توقيع عقد إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة؟

أتوقع أن يتم توقيع العقود خلال شهر أكتوبر الجاري، وفقًا للمعلومات المتوفرة لدي، ولكن قبل توقيع العقود، يجب أن نضع أمام أعيننا تجارب الدول مع روسيا فى إنشاء المحطات النووية، فهناك تجربتان، إحداهما فاشلة مثل تعامل الهند مع روسيا في إنشاء المفاعل النووي من الجيل الثالث، حيث تأخر المشروع 7 سنوات، وزادت تكاليفه بحوالي 136%. والثانية، تجربة الصين التي أخرجت 3 آلاف ملاحظة على مشروعها النووي، وطلبت من روسيا معالجة هذه الملاحظات، وهذا ما حدث بالفعل وتم تصحيحهم، وتم إنشاء المفاعل طبقا للشروط الصينية، لذلك أطالب القيادة السياسية أن تتعاقد مع مكتب استشاري صيني خلال تنفيذ مشروع الضبعة؛ لأن أفراد هذا المكتب هم «الأقدر» على فهم الروس، منعًا لتكرار تجربة الهند، والدخول في «نفق مظلم»، وفشل المشروع.

هل أصبح القرض الروسى عنصر عبء جديد على موازنة الدولة؟

يعتبر القرض الروسى الذى يبلغ 25 مليار دولار، مبلغ رهيب جدًا، فى حين أنه يغطى 85% من قيمة أربع محطات فقط، ويصنف هذا المبلغ على أنه المكون الأجنبى للمشروع، فى حين أن المكون المحلى يمثل 15% من إجمالى المشروع.

ويظهر ذلك العبء جليا إذا حدث أى عطل أو تأخير فى المواعيد المقررة، ويكمن العبء الفعلى فى حدوث غرامات وتشتيت للمشروع، ومن جانب آخر تسهل منظومة تسديد القرض من إنتاج المحطة، تخفيض حدة الأزمة المالية، من جهة، وفترة السماح لسداد القرض والتى تبلغ 10 سنين، من جهة أخرى.

وتستطيع مصر أن تتفادى ذلك العبء إذا تم إنشاء المشروع بخطوات منتظمة وتوقيتات محددة، وخير نموذج على ذلك تجربة فرنسا النووية، التى بدأت فيها منذ 10 أعوام، ببناء محطة نووية بعمالة وكوادر فرنسية محلية لديها، وكان تكلفتها 3.5 مليارات، ولكن لم تكن خطة التنفيذ محكمة ودقيقة، حتى جاء التأخير والتخبط فى الوقت المقرر لبناء المحطة، ووصلت التكلفة الآن إلى 12 مليار دولار.

هل لديك مخاوف من الاتفاق مع الجانب الروسي لإنشاء المشروع النووى؟

أخطر ما في هذا المشروع، هو كتابة العقد؛ فإذا لم يكن مكتوبا بصيغة جيدة ولا يحتوى على أخطاء، ونستطيع تنفيذه بسهولة، ستتحقق الجدوى الاقتصادية للمشروع، أما إذا كان غير ذلك سنصبح أمام مشكلة وسندخل فى طريق مظلم وسيتحول المشروع بدلا من أن يكون مصدر خير لمصر، إلى مشروع يسبب مشاكل كبرى ستؤدى إلى فشله فى النهاية؛ فلابد من التعبئة والتجييش الكامل لهذا المشروع من قبل الدولة بجميع مؤسساتها، وأن يتم جمع الخبراء والمتخصصين لبحث هذا المشروع، فهناك 59 مفاعلًا على مستوى العالم تحت الإنشاء، 65% متأخرة فى التنفيذ، وهذا التأخير يؤدي إلى ارتفاع التكاليف، حيث إن تكلفة اليوم الواحد للمشروع تصل حوالى 1.8 مليون دولار،فأرجو أن يضعوا كل التجارب السابقة الخاصة بالتأخر في إنشاء المفاعلات النووية أمام أعينهم، ولابد من  إنشاء وزارة للطاقة النووية لضخامة المشروع، وتكون هي المسئولة عن تنفيذه، مثلما حدث من قبل أثناء إنشاء السد العالي،

لماذا الإصرار على منطقة الضبعة لإقامة المشروع عليها؟

الضبعة تتميز بأن أعداد سكانها بسيطة، كما أنها منطقة غير زلزالية وقريبة من البحر المتوسط، لتوفير المياه للتبريد، فالموقع متميز بنسبة كبيرة، وعندما قمنا بعمل تجربة انتشار المواد المشعة فى حالة حدوث حادثة، وجدنا أنه في أصعب الظروف، وفي حالة وجود رياح شديدة جدًا، فإن المواد المشعة تسير فقط 20 كليو، كما أن هناك دراسات موسعة حول موقع الضبعة، قامت بها شركة «سوفراتوم» الفرنسية، توصلت إلى أن المنطقة آمنة تماما وبعيدة كل البعد عن أى اعتداءات خارجية. فاختيار الضبعة، اختيار مناسب، وهو من أفضل المواقع على مستوى العالم لإنشاء المحطات النووية، أنا مشيت برجلى على كل شبر فى أرض المشروع، ومستحيل تبقى فيها ألغام ذى البعض ما روج.

ما المدة الحقيقية للانتهاء من إنشاء أى محطة نووية؟

المحطات النووية على مستوى العالم تصل المدة الزمنية للانتهاء منها إلى 5 سنوات، وأرى أن فترة الـ 9 سنوات المعلنة للانتهاء من مشروع الضبعة، هي فترة طويلة جدًا، ولكن الجانب الروسي لديه مبررات، منها أن التجهيزات وإعداد تقرير الأمان الأولي ومراجعته من الجهات الحكومية، سيأخذ سنوات طويلة.

هل تمتلك مصر كوادر ذات رؤية قادرة على إدارة الملف النووى؟

بالفعل مصر لديها كوادر قادرة على الجلوس على طاولة المفاوضات أثناء توقيع العقد، ووضع الشروط الدائمة، وإتمام مرحلة التفاوض والتعاقد، وهؤلاء لا بد أن يكونوا من العلماء والخبراء والكوادر الكبيرة التى لها ثقل فى المجال النووى، الذين تم إعدادهم وتأهيلهم بالفعل منذ عام 1976.

وفى الجانب الآخر، توجد كوادر قادرة على تشغيل المحطات النووية بعد ذلك، وفى تلك الحالة يتم الاعتماد على الشباب، الذين يتم تدريبهم وتأهيلهم فى المفاعلات الروسية خلال فترة إنشاء مشروع الضبعة.

وتمتد فترة تدريبهم لمدة عامين على الأقل، ومن بعدها يتم مباشرتهم للعمل تدريجيا، كما يتم حاليا اختيار الصفوة من شباب مصر فى جميع التخصصات، ويتم تشغيلهم فى مرحلة الإنشاء بعد مرحلة التدريب، وبعد مرحلة الإنشاء يتم عمل اختبارات للمحطة النووية تمتد لمدة سنة كاملة بالتعاون مع الجانب الروسى، وبعد الانتهاء من اكتمال عملية الإنشاء واختبارات بدء التشغيل تتم مباشرتهم للعمل.

الضبعة المشروع النووى روسيا

تحقيقات وتقارير

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq