الصباح العربي
السبت، 4 مايو 2024 12:55 مـ
الصباح العربي

فن وثقافة

أحـمـد الـخـمـيـسـي يكتب: الإرادة الــفــرديــة والـقــضــايــا الــعــامــة

الصباح العربي

في حياة كل منا حلم يسعى لتحقيقه، لكن المأساة أن معظمنا لا يحقق أحلامه أيا كانت، سواء أكانت طموح إلى ثروة، أو إلى مجد، أو إلى تأثير فكري. معظمنا يعيش في المسافة ما بين حلمه، وبين تجسيد ذلك الحلم، مسافة يتمدد فيها عجز الانسان عن استجماع الإرادة. ويشهد تاريخ الأدب والفن بأنه كثيرا ما توفرت للبعض كل عناصر النجاح ما عدا مزيج الشغف والتصميم السحري المسمى"إرادة"، فلا يتمكن المرء من التقدم خطوة للأمام! لهذا كتب الروائي العبقري بلزاك يقول إنه: " ما من موهبة عظيمة من دون إرادة عظيمة". وهو قول لا ينطبق على الأدباء والفنانين فحسب بل على كل من يتطلع في الحياة الاعتيادية إلى تجسيد أحلامه أينما كان مجالها. ومعظم الخيبات في حياتنا تعود إلى غياب الإرادة ومعظم المعجزات ترجع إلى حضورها. ويكفي القول إن كل الكبار العظام الذين تركوا أثرا ظاهرا في الفن والسياسة والعلوم كانوا يتمتعون بإرادة هائلة مكنتهم من الاشتباك بالقضايا العامة وتغيير مجرى الأحداث. ويصطدم كل منا في حياته اليومية بتلك الحقيقة، حين لا يستطيع إجبار نفسه على النوم مبكرا، أو الالتزام بجدول أعمال وضعه مسبقا، أو العكوف على عمل لابد من انجازه، لا لشيء إلا لضعف إرادته. وعندما بدأ نجيب محفوظ رحلة الكتابة رافقه منذ البداية كاتب آخر هو عادل كامل، لامع الموهبة إلى حد مذهل، لكنه لم يستجمع إراداته للاستمرار، فأقلع عن الأدب، وطواه النسيان. ويعرف الأدب العالمي نماذج كثيرة لانكسار الإرادة أشهرها الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، رائد المدرسة الرمزية، الذي أبدع أعظم الشعر حتى سن العشرين ثم توقف تماما. ولم تكن تعوزه الموهبة الهائلة، ولا القدرة على التأثير، لكنه لم يستطع أن يشحذ ارادته الفردية ليظل مشتبكا على ضوء الموهبة بالقضايا العامة، مما يذكر بعبارة ليف تولستوي: " الجميع يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه"، ومن دون تلك الإرادة الفردية لم يكن بوسع نجيب محفوظ أن يصبح مؤثرا وفاعلا في القضايا العامة، وانظر إليه يقول: " كنت أجلس على مكتبي عندما تدق الساعة الرابعة بعد الظهر وأبدأ بالكتابة لمدة ثلاث ساعات، ثم تليها ثلاث ساعات أخرى للقراءات المتنوعة". هذا النظام الصارم اليومي لا يحتاج إلى موهبة، يحتاج إلى إرادة. وفي تاريخ مصر الفني أسماء عجيبة لمعت ثم انطفأت رغم أنه قد توفرت لها كل عناصر النجاح، منها على سبيل المثال هند علام، المطربة، شقيقة هدى سلطان والموسيقار الكبير محمد فوزي. بدأت مشوارها الفني عام 1952 وأنهته بعد عشر سنوات، ما السبب؟ لا شيء سوى غياب إرادة الاستمرار وقوة التصميم. وفي يناير 1951 ظهر اعلان فيلم " ابن الحلال" وفيه تأتي أسماء النجوم الكبار بالبنط الضخم بالترتيب التالي : تحية كاريوكا، محمود المليجي، محسن سرحان، وفي نهايةالاعلان ببنط صغير يرد اسم فاتن حمامة التي استطاعت بإرادتها أن تقفز إلى القمة وتصبح سيدة السينما العربية! بذلك العنصر الحاسم وحده يمكن للمرء أن يحقق أحلامه، أيا أكانت، ومن دون ذلك لن يفعل شيئا مهما كانت موهبته وقدراته التي حبته بها الطبيعة. وبذلك الصدد يقول الشاعر الروسي العظيم ليرمنتوف: " ماالذي يمكن أن يكون عائقا أمام إرادة الإنسان الصلبة؟ في الإرادة تكمن الروح الإنسانية كلها. إن كلمة أريد تعني القدرة على الفرح والكراهية والحب والأسف والحياة. إن الإرادة هي القوة الأخلاقية لكل كائن حي ، والطموح الحر لخلق أو تدمير الأشياء، وهي القوة الإبداعية التي تصنع المعجزات من لاشئ". وعلى كل منا أن يصنع معجزته، هذا بين يديه، وفي قدرته، واستطاعته، وحينئذ سيحقق أحلامه إن كانت صغيرة أو كانت تمتد إلى حد تغيير العالم.

أحـمـد الـخـمـيـسـي يكتب الإرادة الــفــرديــة والـقــضــايــا الــعــامــة

فن وثقافة

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq