سيناريوهات حرب إيران وإسرائيل - هل يتجه الصراع إلى مواجهة شاملة أم استنزاف طويل؟

أطلقت إسرائيل حملة عسكرية مباغتة منذ فجر الجمعة الماضي، مستهدفة مواقع استراتيجية داخل إيران، في محاولة لتدمير منظومتها الصاروخية ومنشآت تخصيب اليورانيوم المنتشرة في البلاد، وتهدف من خلال هذه الضربات إلى تقويض قدرات طهران العسكرية إلى الحد الذي يهدد استقرار النظام نفسه.
في خضم هذا التصعيد، تنظر طهران وتل أبيب إلى التدخل الأميركي المحتمل كعامل قد يقلب موازين المواجهة، خاصة إذا قررت واشنطن تزويد إسرائيل بذخائر خارقة للتحصينات، يُعتقد أنها الوحيدة القادرة على تدمير منشأة "فوردو" النووية المحصنة تحت الجبال، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز.
حتى الآن، تُدار المعركة على بُعد مئات الكيلومترات دون نشر قوات برية، حيث تعتمد إيران وإسرائيل على الطائرات المسيرة، والصواريخ الهجومية، وأنظمة الدفاع الجوي، مما حوّل النزاع إلى حرب استنزاف جوية تستنزف مخازن السلاح لدى الطرفين بشكل متسارع.
ويرى محللون أن هذا الصراع أشبه بـ"حرب مدن طويلة الأمد"، كما وصفها الخبير العسكري سيد كوشال، مشيرًا إلى أن استمرار المواجهات في غياب وساطة فعالة أو تدخل أميركي مباشر، قد يدفع البلدين نحو مرحلة يصعب احتواؤها.
وتتواصل الإنذارات الليلية في المدن الإسرائيلية مع إطلاق دفعات متتالية من الصواريخ الإيرانية، فيما تواصل الطائرات الإسرائيلية تنفيذ غارات مركزة داخل العمق الإيراني، حيث تستهدف منشآت عسكرية، ومستودعات أسلحة، وتُنفذ عمليات تصفية ضد قيادات في مناطق مأهولة.
ورغم التفوق الجوي الإسرائيلي، تُظهر طهران قدرة على امتصاص الخسائر، مستندة إلى خبرتها خلال حربها الطويلة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، حيث أكد مستشار في الحرس الثوري استعداد بلاده لأي سيناريو، وقلل من تأثير حرب طويلة، بينما تحدثت وزارة الصحة الإيرانية عن سقوط أكثر من 200 قتيل في الغارات الإسرائيلية.
في المقابل، أشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن المواجهة أسفرت عن مقتل 24 شخصًا وإصابة ما يقارب 600 آخرين في صفوف الإسرائيليين، وسط تصريحات تؤكد استمرار العمليات العسكرية "لأي مدة تطلبها الأمر"، بحسب بنيامين نتانياهو.
مع استمرار تبادل الضربات، يصعب على المحللين تقدير عدد الصواريخ التي لا تزال بحوزة إيران، أو معرفة مستوى تطورها بدقة، بينما تستمر إسرائيل في تشغيل منظومات الدفاع متعددة الطبقات، مثل القبة الحديدية وسهم ومقلاع داوود، والتي نجحت في اعتراض نسبة كبيرة من الهجمات، غير أن كميات الذخائر الاعتراضية محدودة، وقد تتراجع فعاليتها إذا طال أمد القتال.
وطرح مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، بادي ماكغينيس، تساؤلات حول قدرة طهران على الحفاظ على وتيرة إطلاق الصواريخ الحالية، وعن مدى صمود منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية تحت الضغط المتواصل، مشيرًا إلى أن الضربات الإسرائيلية بدت أكثر دقة وتأثيرًا، في حين جاءت الردود الإيرانية أقل فاعلية من الناحية العسكرية.
وأوضح ماكغينيس أن كل ضربة إسرائيلية تُضعف البنية القتالية الإيرانية وتؤثر على قدرة طهران في إدارة الحرب، في حين ركزت إيران على إطلاق صواريخ أقل دقة نحو مدن ساحلية مثل تل أبيب، وبعض المنشآت الأمنية والطاقة، دون أن تُحقق الأثر المتوقع.
يُذكر أن إيران بدأت النزاع بمخزون يضم أكثر من ألفي صاروخ قادر على بلوغ الأراضي الإسرائيلية، بحسب تصريحات رسمية إسرائيلية، ومع ذلك، لم تُطلق سوى 350 صاروخًا تقريبًا خلال أربعة أيام من التصعيد، ما يعكس سياسة تدريجية في استخدام الترسانة، أو ربما استعدادًا لمعركة أطول.
قدّر الخبير العسكري داني سيترينوفيتش عدد الصواريخ الإيرانية المتبقية بأكثر من ألف، لكنه لفت إلى أن طهران مضطرة إلى الموازنة بين الكثافة النارية والزمن، خاصة في حال استمر النزاع لفترة مفتوحة.
وتعتقد طهران أن الأسلحة الأشد فتكًا لا تزال خارج ساحة المعركة، بانتظار اللحظة المناسبة التي قد تتزامن مع استنزاف قدرات الدفاع الإسرائيلي، وفق ما صرحت به مصادر أمنية إيرانية، بينما يُرجّح المحللون أن الجيش الإسرائيلي يسعى لتدمير تلك المنصات قبل دخولها حيز الاستخدام.
أوضح المحلل ديكر إيفيليث أن فعالية الاستراتيجية الإسرائيلية تعتمد على استمرار الهيمنة الجوية على الأجواء الإيرانية، وهو أمر يصعب ضمانه مع تعقيد الظروف الميدانية، وتنامي الضغط الدولي.
أشارت مصادر مطلعة على التخطيط العسكري الإسرائيلي إلى أن القوات تمكنت من تحقيق نتائج أسرع من المتوقع في تدمير الأهداف المحددة داخل إيران، ما قد يسمح باختصار المدة الزمنية للمرحلة الأولى من العمليات، دون أن يعني ذلك بالضرورة تحقيق الهدف السياسي الأوسع.
كما أكد إيفيليث أن التفوق التكتيكي لا يكفي وحده، إذا لم يترافق مع شلّ البرنامج النووي الإيراني أو إلحاق ضرر يُصنّف على أنه "غير قابل للقبول"، وهو معيار يصعب تحديده في ظل غياب تعريف واضح له.
في النهاية، يرى الباحث الأميركي جون ألترمان أن نتائج الحرب ستُحسم على الأرجح بفعل أحداث نادرة وعالية التأثير، مثل مجازر جماعية، أو صدمات سياسية داخل أحد الطرفين، مؤكدًا أن طبيعة هذه الحرب تتجاوز الحسابات العسكرية الكلاسيكية، وتخضع لتفاعلات سياسية معقدة تمثل جوهر الصراع القائم.