منشآت نووية تحت النار ورسائل إسقاط النظام.. ماذا تريد إسرائيل من إيران؟

في يوم الجمعة، وبعد تنفيذ إسرائيل هجومًا هو الأوسع من نوعه على الأراضي الإيرانية، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برسالة مباشرة إلى الشعب الإيراني، مستخدمًا اللغة الإنجليزية، دعاهم فيها إلى الوقوف في وجه ما وصفه بـ"النظام القمعي والشرير".
وأكد أن العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل "تمهد الطريق أمامكم لنيل الحرية"، على حد تعبيره.
ومع تزايد حدة المواجهة بين الجانبين واتساع نطاق الضربات، يتساءل الكثيرون عن الأهداف الحقيقية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال هذا التصعيد.
فهل الهدف يقتصر على القضاء على الخطر النووي والصاروخي الذي يشكله النظام الإيراني، كما قال نتنياهو في بداية الضربات؟
يعرف نتنياهو منذ سنوات بتبنيه خطابًا تحذيريًا ضد إيران، سواء من خلال خطبه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عبر مواقفه المتكررة خلال الفترة الماضية، التي يشدد فيها على أن إيران تمثل أكبر تهديد للمنطقة.
ورغم معارضة رؤساء أمريكيين سابقين، إلى جانب قيادات عسكرية إسرائيلية، للقيام بضربات مباشرة على منشآت إيران النووية، فإن نتنياهو يبدو اليوم أكثر انخراطًا في هذا التوجه.
فقد قال أحد المسؤولين الغربيين إن نتنياهو بات متمسكًا تمامًا بهذا المسار، مؤكداً أن الهدف الرئيس حاليًا هو تقويض قدرات إيران النووية.
لكن هذا النهج قوبل برفض واسع إقليميًا ودوليًا، فقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبر مديرها رافائيل غروسي، من استهداف المنشآت النووية أياً كانت الظروف، كما رأى خبراء قانون دولي أن الضربات تفتقر إلى الشرعية القانونية الدولية.
ومع ذلك، هناك من يشكك في أن نتنياهو يسير فعلاً على نفس الخط الذي ترسمه له مؤسسات الأمن والسياسة في إسرائيل.
وترى الدكتورة سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "تشاتام هاوس" أن نتنياهو يراهن شخصيًا على إسقاط النظام الإيراني، بينما ينصب تركيز المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل على تعطيل مشروع إيران النووي.
وتعتقد وكيل أن هذا الهدف، رغم صعوبته، يبقى أكثر واقعية من تغيير النظام في خضم صراع قصير الأمد.
وفي تصريحاته، وصف نتنياهو الضربات الإسرائيلية بأنها "هجوم استباقي لمنع خطر وجودي"، مؤكدًا أن إيران كانت على وشك إنتاج قنبلة نووية.
وهو تصريح لقي تأييد لفظي من بعض الحلفاء الغربيين الذين شددوا على ضرورة عدم السماح لطهران بتجاوز "الخط الأحمر"، لكن في الوقت نفسه، كان هناك تشكيك واسع في مدى دقة التقديرات الإسرائيلية.
إيران من جهتها تنفي باستمرار نيتها تصنيع قنبلة نووية، وأكدت ذلك مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي جابارد في مارس، قائلة إن التقييم الاستخباراتي لا يرى أن طهران تسعى حاليًا لامتلاك سلاح نووي.
أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أشارت في أحدث تقاريرها إلى أن إيران تمتلك كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب فنيًا من الحد اللازم لصناعة أسلحة نووية 90%، ما يعني أنها تمتلك القدرة على إنتاج ما يقارب تسع قنابل إذا قررت ذلك.
في الأيام الأولى من الضربات، استهدفت إسرائيل ثلاث منشآت نووية بارزة: نطنز، أصفهان، وفردو. وذكرت الوكالة الدولية أن أحد مصانع تخصيب الوقود في نطنز تعرض لدمار، بينما تضررت أربعة مبانٍ هامة في منشأة أصفهان. وبينما تؤكد إسرائيل أن الأضرار جسيمة، تصر إيران على أنها محدودة.
الهجمات لم تقتصر على المنشآت فقط، فقد اغتالت إسرائيل حتى الآن ما لا يقل عن تسعة علماء إيرانيين في المجال النووي، إلى جانب استهداف قيادات عسكرية، ومجموعة واسعة من القواعد ومنصات الصواريخ، وحتى بعض المواقع الاقتصادية والنفطية.
في المقابل، بدأت إيران بالرد، وتوسعت ضرباتها، وسط تزايد ملحوظ في الخسائر البشرية داخل كلا البلدين.
لإلحاق ضربة حاسمة ببرنامج إيران النووي، تحتاج إسرائيل إلى استهداف منشأة فردو، التي تعتبر من أكثر المواقع تحصينًا، وتقع داخل جبل، ما يجعل تدميرها مهمة صعبة.
تعتقد بعض التقديرات أن إيران تحتفظ بكميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب داخل هذا الموقع، مما يجعله هدف بالغ الحساسية.
وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن تل أبيب تعمل حاليًا على محاولة قطع سبل الوصول إلى هذه المنشأة.
لكن إسرائيل لا تملك القنابل الخارقة للتحصينات اللازمة لتدمير الموقع، والمعروفة باسم "MOP"، والتي تزن 30 ألف رطل، وهي بحوزة الولايات المتحدة فقط. وحتى في حال استخدام هذه القنابل، سيحتاج الأمر إلى عدة غارات متتالية لإحداث الضرر المطلوب.
ريتشارد نيفو، مسؤول أمريكي سابق ومتخصص في الشأن الإيراني، قال لبرنامج "نيوز أور" على قناة بي بي سي، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن نتنياهو سيتواصل مع ترامب ويقول له، لقد قمت بما في وسعي، لكن لا أستطيع إنهاء البرنامج النووي وحدي.
وقال مسؤول غربي آخر، ما زال غير واضح كيف سيتصرف ترامب في المرحلة المقبلة.
موقف ترامب بدا مترددًا، فمع بداية الأسبوع، دعا إسرائيل لوقف التصعيد خشية أن تعرقل الهجمات أي مفاوضات مستقبلية مع إيران بشأن البرنامج النووي، وهي المفاوضات التي قال مرارًا إنه يفضلها.
ولكن بعد تنفيذ الهجوم، أشاد ترامب بالضربات واعتبرها "ضربة موفقة"، محذرًا في الوقت نفسه من أن المزيد قادم، لكنه عاد وطرح تساؤلات حول إمكانية أن تكون هذه الضربات سببًا في دفع إيران للتفاوض.
وفي منشور عبر "تروث سوشيال"، كتب ترامب، قد نرى اتفاق سلام قريبًا بين إسرائيل وإيران، هناك الكثير من الاتصالات والاجتماعات الجارية حاليًا.
أما الجانب الإيراني، فأبدى شكوكًا في أن المفاوضات، التي كان من المفترض أن تستأنف في العاصمة العمانية مسقط، لم تكن إلا تمهيدًا تضليلي يهدف إلى إخفاء نوايا إسرائيل الحقيقية بشأن تنفيذ هجوم مفاجئ، وهو ما حدث فجر الجمعة، حين وقعت الضربات بشكل غير متوقع.
وفي ظل هذا التصعيد، يقول دانيال ليفي، رئيس مشروع الشرق الأوسط الأمريكي والمستشار السابق للحكومة الإسرائيلية، نجاح أو فشل هذا المسار يعتمد إلى حد كبير على مدى انخراط الولايات المتحدة، فهي الطرف الوحيد القادر فعلاً على إنهاء هذا النزاع في المدى القريب من خلال فرض إطار واضح للنهاية.