اختلف أو اتفق مع السعودية كيفما تشاء، ولكنك لا تملك أن ترى فى إجراءات الإصلاح المادى والاجتماعى هناك إلا أنها عملية «تثوير» هائلة فى مجتمع طال انتظاره للحركة، ولا يقدر أصحاب الفكر التقدمى على المحاجاة فى النظر إلى أن هذه القرارات والتوجهات السعودية ليس لها بُعد تقدمي!.

فمن قيادة النساء للسيارات إلى حضورهن مباريات كرة القدم، إلى حضورهن حفلات غنائية، فضلا عن إطلاق بث أم كلثوم من الراديو السعودي، إلى إجراءات أكتوبر من العام الماضى لمكافحة فساد مجموعة كبيرة جدا من رجال الأعمال والأمراء (وهذا هو بيت القصيد) إذ أننى كلما كتبت مطالبا باحتذاء حذو السعودية فى هذه الإجراءات يطلع علينا نفر من رجال الأعمال المصريين ويطلقون تجاهنا بعض صبيانهم والعاملين لديهم، رافضين «متزرزرين» متمرغين فى أوسع فضاءات المقاومة لما نقول.\

ومؤخرا كتبت وكالة «رويترز» للأنباء أن السلطات السعودية قررت وضع يدها على مجموعة بن لادن، وتبحث نقل بعض أصول المجموعة إلى الدولة فى الوقت الذى لايزال رئيس المجموعة وبعض أفراد أسرته محتجزين مع عدد من الأمراء والمسئولين فى إطار حملة مكافحة الفساد.

وأجدنى مضطرا إلى إعادة لفت أنظار الجميع (حكومة+رجال أعمال+جمهور) إلى أهمية هذه المعالجة السعودية لفساد رجال الأعمال وضرورة محاكاتها واستنساخها، حتى على الرغم من اللغط الذى يثيره رجال الأعمال المصريين ومحاولاتهم الإيحاء بأن الإجراءات الاقتصادية فى السعودية هى بهدف تدعيم الحكم القادم هناك وليست لأسباب اقتصادية، أو لأسباب فساد، وكأن السعودية بحاجة للتستر والمداراة حتى تمرر مثل تلك القرارات.

ومع ذلك فأنا لن أتكئ على مثل هذه التصورات الفارغة وسأعتمد على المواقف العلنية فى قراءة وتفسير المشهد السعودي.. وبعيدا عن كل ذلك الكلام: أما آن لمصر أن تطمئن لأن رجال أعمالها لا يعيشون محلقين طائرين فى الهواء بعيدا عن أى ارتباط بالأرض أو الوطن، أو الناس فى بلدهم.. إننى أعيد ـ بتلك المناسبة ـ فكرة اقتسام الثروة بدلا من التبرع الخيرى الذى لا يأتى فى كثير من الأحيان.. واقتسام الثروة هو مسألة ينبغى تفعيل آليات لتنفيذها لأننا بلد فى ضنك استثنائى صعب.

نقلا عن صحيفة الأهرام